الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على ضفاف مفهوم الديموقراطية

جلال مجاهدي

2017 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


أصدق شيء استنتجه بعض المفكرين و الفلاسفة مشكورين و على رأسهم ليوتار , هو أن المفاهيم ليست سوى ألعابا لغوية , المفهوم ليس له وجود ذاتي و لا يعرف مدلوله إلا بنقيضه , فالرأسمالية لا نعرفها إلا بمواجهتها بالاشتراكية و الديموقراطية لا نعرفها إلا بمواجهتها بالديكتاتورية , النقيض هو من يحدد المناقض في لعبة الالعاب اللغوية , طبعا المفاهيم لا تتجسد إلا من خلال نتائجها و آثارها , لكن هذه الآثار و النتائج ليست كنه المفهوم ولا دلالته و هي لا تعرف إلا بعد التنزيل الواقعي لها , وكم من لعبة لغوية كان ينتظر منها إعطاء نتائج معينة فانقلب الأمر بفعل الواقع إلى نقيضها .

الايديولوجيات و المفاهيم كلها مجرد ألعاب لغوية , تتصارع بينها في ميدان الكلمات و كل مفهوم و كل إيديولوجية تقدم نفسها في الميدان اللغوي كأنها الحقيقة المطلقة و كآخر ما يمكن للعقل البشري أن ينتجه و تعرض علينا آليات تحليلها كأنها المفاتيح الوحيدة التي تمكن من فتح قبة السماء و خزائن الأرض , الكلمات تمارس علينا سحرها فهي تقنعنا بوجاهة ما تدعونا إليه و بعض من المفاهيم تجعلنا نعتقد بصحة الأوهام التي ترسمها في عقولنا و في بعض الأحيان لا نستطيع تصور العالم من غير وجودها .

مفهوم الديموقراطية المترسخ في أدهاننا و الذي تؤلهه عقولنا و الذي نعده المقياس الوحيد الذي نعير به أنظمة الحكم ,هو في أصله مفهوم غير واقعي ,لكن دخلت عقولنا في قفصه ولم تعد قادرة على الرؤية من دونه .

هذا المفهوم الذي كان بدأ يتمثل في حكم الشعب نفسه بنفسه , هو مفهوم لم يتحقق يوما على أرض الواقع , فلم يوجد عبر العصور شعب حكم نفسه بنفسه , الذي حدث هو أن الواقع رفض المفهوم و لم يتقبله فلم يتحقق يوما , لكن بالنظر لمرونة قواعد الالعاب اللغوية , أخدنا نفس الكلمة و أعطيناها مدلولا آخر , فصار حكم الشعب بواسطة ممثلين عنه يقوم بانتخابهم , و صدقنا القصة ببساطة و سذاجة و لا زلنا نرددها , لكن مرة اخرى نقول بأن المفهوم لم يتحقق و هو مفهوم غير واقعي و لن يتحقق يوما , فمفردة الحكم هي مفردة عامة تشمل كل من بيده سلطة , سواء قضائية أو تنفيدية أو تشريعية أو عسكرية و بما أن الحكم و السلطة ممارسة فإن أبسط موظف من موظفي السلط يتعين أن يكون منتخبا و غني عن البيان بأن الأمر غير واقعي و لا يمكن تحقيقه.

نبتعد قليلا عن دائرة الواقع و نرخي العنان شيئا ما لمخيلتنا فنفترض في عالم المثال أن الأمر تحقق في دولة ما و استطاعت هذه الدولة المحترمة جدا تحقيق الديموقراطية لدرجة مائة بالمائة و تم انتخاب كل من يمارس سلطة, و لنتمعن شيئا ما في نتائج هذه الديموقراطية المطلقة , الموظفون المنتخبون في مختلف القطاعات يجلسون على كراسيهم دون فعل أي شيء فقد أسندت لهم مهام تقنية و معقدة لا يعرفون عنها شيئا و التي تتطلب سنوات من الدراسة و التدريب الميداني و سنوات من الخبرة , قطاعات برمتها متوقفة , و القضاة المنتخبون حائرون لا علاقة لهم بالقانون و لا بالممارسة و القضايا تحكم ذات اليمين و ذات الشمال و الضباط العسكريون و المدنيون يقدمون أوامرهم كيفما تأتى ....., بعد مرور بضعة أيام , مواطني هذه الدولة المحترمة جدا وجدوا أنفسهم مضطرين للمطالبة بالبيروقراطية و بمزيد من الديكتاتورية و بإقالة المنتخبين و إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه حتى تستقيم أمور الحكم و الدولة, و المنتخبون بعضهم قبل و بعضهم أعجبه المنصب و المقابل المادي و عارض إقالته و تمسك بالمبادئ الديموقراطية التي قادته إلى منصبه و بذلك عمت الفوضى في هذه الدولة الديموقراطية جدا .

نرخي الستار على هذا المشهد المأساوي المتخيل للديموقراطية المطلقة , لنطرح السؤال على أنفسنا ما هو مفهوم الديموقراطية الذي نريده و إلى أي حد يمكن إرخاء العنان له طالما أنه على درجة أقل أصبح هذا المفهوم يقود بمجموعة من التافهين إن لم نقل المجانين إلى منصة الحكم و الدليل العالمي على قصورالمفهوم وسذاجة صيغته الحالية هو وصول الرئيس الأمريكي الحالي ترامب إلى رئاسة أعظم دولة في العالم .

مفهوم الديموقراطية حاليا هو مرادف لمفهوم عملية التصويت , و كل من يحسن قواعد لعبة التصويت سواء بخبثه أو بماله أو بعلاقاته أو غير ذلك , يمكن له الوصول لمناصب المسؤولية و هو غير مؤهل حتى للاضطلاع بأدنى الوظائف شأنا .

فهل آن الأوان لإقرار مفهوم الديموقراطية المقيدة , طالما أن المسؤوليات هي مناصب تتطلب الكفاءة الدراسية و الحنكة و التجربة و الثقافة الموسوعية , أم سنبقى في إطار وصف "هكذا حكم التافهون العالم" الذي عنون به الفيلسوف الكندي آلان دونو كتابه الأخير .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انعكاسات مقتل رئيسي على السياسة الخارجية لإيران |#غرفة_الأخب


.. تحقيق للجزيرة يكشف مزيد من التفاصيل حول جرائم ميدانية نفذت ب




.. منير شفيق: وفاة رئيسي لن تؤثر على سياسة إيران الخارجية والدا


.. كتائب القسام تطلق صاروخا طراز -سام-7- تجاه مروحية إسرائيلية




.. خامنئي يكلف محمد مخبر بمهام إبراهيم رئيسي وتعيين علي باقري ك