الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرياتي عن انقلاب 8 شباط 1963 واعتقال أخي المرحوم سمير عبد القادر مصطفى الموصلي

سناء عبد القادر مصطفى

2017 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


في يوم 8 شباط 1963 صادف أن سافرنا أنا وأخي سعد والمرحومة اختي الكبيرة من بغداد الى الناصرية بعد أن كنا في زيارة لأخي الكبير المرحوم طارق وعائلته للتهنئة بمناسبة بناء بيته في حي المعلمين في منطقة الداوودي بالمنصور. انتظرنا الحافلة امام المدخل الرئيس لمعرض بغداد الدولي التي سوف تتوجه من شارع الأمين في مركز بغداد الى الناصرية. وبعد أن جلسنا فيها وسارت نحو ربع ساعة سمعنا من راديو الحافلة بيانات الانقلابيين. الطريف في الأمر كان ركاب الحافلة الذي يقارب عددهم الاربعين شخصا يمثلون مختلف الإتجاهات السياسية من بينهم البعثيين والقوميين والشيوعيين. كان معظم الركاب من بغداد ويعملون معلمين في مدارس الناصرية ونواحيها. ومن ضمن الركاب كان مفوض أمن الناصرية الذي حسب ما أتذكر كان اسمه عزيز. تعالت فرحة المعلمين البعثيين والقوميين وحتى قام أحدهم بتوزيع الحلوى (البقلاوة) على المسافرين، في حين التزم الصمت مفوض الأمن والمعلم الشيوعي (استاذ مهدي عبد الغفور الراوي). واثناء مرورنا بمدينة الرميثة قام أهلها برشق الحافلة بالحجارة وتوجيه الأسئلة حول مصير الزعيم عبد الكريم قاسم.
هبط أحد المعلمين البعثيين في مدينة الخضر التابعة لقضاء السماوة وبعد مرور نصف ساعة هبط معلم أخر (من القوميين العرب) في ناحية البطحاء التابعة للناصرية. ما أن وصلنا مدينة الناصرية حتى سارع استاذ مهدي الراوي بعد أن أعطى حقيبة سفره الى أحد طلابه (هادي ابراهيم الجنديل) الذي صادف وجوده بالقرب من مكان توقف الحافلة بالإلتحاق بمظاهرة الشيوعيين في شارع الحبوبي. كان المتظاهرين ومن ضمنهم أخي المرحوم سمير يهتفون بحياة الزعيم عبد الكريم قاسم والخزي والعار لللإنقلابيين. قمع رجال الشرطة المتظاهرين بالهراوات واطلاق الرصاص الحي ، قتلت على أثرها أم المعلم عاجل كريم التي جاءت لحماية ولدها من رصاص الشرطة. بعد مرور حوالي الساعة تم اعتقال عشرات المتظاهرين الشيوعيين ورأيت الأستاذ مهدي عبد الغفور الراوي تقوده الشرطة الى المعتقل ورأسه مجروح وينزف منه الدم بسبب رمي الحجارة من قبل البعثيين والقوميين على المتظاهرين. وإثناء عودتنا من شارع الحبوبي قام الشرطي حسين منخي صحن بتوجيه سؤال الى اخي سعد : لماذا قمت برمي الحجارة علي؟ من حسن الحظ كان أخي المرحوم سمير بالقرب من عندنا فأجابه بأن سعد قد وصل للتو من بغداد ولم يساهم في رمي الحجارة على الشيوعيين أو الشرطة. وفي البيت سألنا المرحوم سمير عن الشرطي حسين فقال لنا : لا تقلقوا فإن الشرطي حسين من جماعتنا (يعني شيوعي).
كان أخي سمير آنذاك طالبا في الدراسة الإعدادية ونشطا في مجال العمل الحزبي الطلابي في مدينة الناصرية ولكن بعد انقلاب 8 شباط العام 1963 اضطر للإختفاء والعمل السري. واصبح بحكم الضربة القوية التي وجهت الى تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي يقوم بنقل البريد الحزبي بين البصرة والناصرية بوضعه في اوعية نقل التمر (الكواصر). ومع ذلك فكان مراقبا من قبل الحرس القومي في الناصرية وكونه من عائلة عريقة معروفة في المدينة. تضاعف نشاط المرحوم أخي سمير في المدينة بسبب قلة الكادر الحزبي واستمر هذا حتى فشل حركة الشهيد العريف حسن سريع في شهر تموز العام 1963 في معسكر الرشيد في بغداد. ونتيجة لذلك فقد تصاعدت حدة الاعتقالات في المدينة مما اضطره للاختفاء ولكن هذا لم يثن عزم الحرس القومي في الناصرية من اعتقاله. وفي أحد أيام شهر تموز 1963 جاء رئيس الحرس اللاقومي غازي سيف ومعه ثلة من الحرس من بينهم سعود عزيز بمداهمة بيتنا وهددوا المرحوم أبي باعتقاله اذا لم يخبرهم بمكان وجود أخي سمير واخذوا تعهد منه بتسليمه لهم وبالمقابل وعدوه باطلاق سراحه بعد التحقيق معه. ولكن هذا الوعد كان خدعة من غازي سيف. تعرض أخي الى شتى أصناف التعذيب الجسدي في بناية الحرس اللاقومي الكائنة في شارع الجمهورية في وسط المدينة (السوق الكبير) وذلك بشده الى كرسي وتنقيط الماء البارد فوق رأسه الأصلع. قضى المرحوم أخي بضعة أشهر في سجن الخيالة في مدينة الناصرية مع المئات من الرفاق ومن ضمنهم الشرطي حسين صخي صحن ومحمد الجنابي ورياض حبش وغيرهم. كان في المدينة 7 معتقلات تعود للحرس اللاقومي ومن ضمنها المدارس (مدرسة قرطبة للبنين قي صوب الشامية) ، نقل بعدها الى بغداد للمحاكمة في المجلس العرفي الأول الذي كان يرأسه رشيد مصلح فحكم عليه ومجموعة من رفاقه بالسجن المؤبد والأشغال الشاقة لمدة عشرة سنوات. نقل بعدها الى سجن الحلة ومن ثم الى سجن نقرة السلمان الصحراوي السىء الصيت. استمر في السجن الى أن أطلق سراحه في صيف العام 1966 وذلك في زمن عبد السلام عارف.
خرج أخي من السجن وهو مصاب بمرض انفصام الشخصية (الشيزوفرينيا من الدرجة الثالثة) بسبب التعذيب الجسدي وصب الماء البارد فوق راسه. توفت أختي الكبيرة بعد خروجه من السجن بشهر واحد مما زاد من حدة مرضه. وبسبب الوضع المادي للعائلة لم نتمكن من علاجه في المستشفيات الخاصة ولكن عولج في مستشفى الأمراض العقلية الحكومية في بغداد لفترة طويلة ولعدة سنوات. لم يستطع أخي سمير من تكملة دراسته بسبب ظروف الاعتقال والسجن والمرض مما اضطره للعمل في اعمال عضلية مرهقة لا تناسب وضعه الصحي، فقد كان بين فترة وأخرى يعالج في المستشفيات الحكومية. استمر وضعه الصحي السىء الى أن توفي في ربيع العام 2008.
لم تحصل عائلة المرحوم سمير بعد تغيير النظام في العام 2003 ولحد الأن على أي تعويض من قبل الجهات الحكومية ولم يقم الحزب الشيوعي العراقي الذي أفنى بحياته من أجله بتقديم أية مساعدة تذكر لعائلته ولا حتى ذكره في المناسبات الوطنية والحزبية على الرغم من معرفتهم بذلك.
أوجه سؤال الى قيادة الحزب الشيوعي العراقي : ماذا عملتم وقدمتم الى الرفاق اللذين ضحوا بأنفسهم وتعرضوا الى شتى أصناف التعذيب الجسدي والنفسي خلال حكم حزب البعث الفاشي منذ العام 1963 ولحد الآن؟؟
هل نسيتم رفاق الأمس؟ ما هي قرارات مؤتمراتكم الحزبية الثالث والرابع ...الى المؤتمر العاشر بحق الرفاق اللذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الحزب؟؟ حان الوقت كي تفكروا ملياً بالموضوع وتساعدوا عوائل رفاق الأمس.
ملاحظة: أرفق مع المقالة صور من سجن الخيالة في الناصرية وسجن الحلة وسجن نقرة السلمان حيث يظهر فيها أخي المرحوم سمير مع رفاق الحزب من مختلف مدن العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحفظ عربي على تصورات واشنطن بشأن قطاع غزة| #غرفة_الأخبار


.. الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل أظهر ضعف الدفاعات الجوية الإير




.. الصين... حماس وفتح -احرزتا تقدما مشجعا- في محادثات بكين| #غر


.. حزب الله: استهدفنا مبنيين يتحصن فيهما جنود الاحتلال في مستوط




.. مصطفى البرغوثي: نتنياهو يتلاعب ويريد أن يطيل أمد الحرب