الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترامب والدولة العميقة .. من سينتصر؟

رياض حسن محرم

2017 / 2 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لا أعرف متى دخل تعبير الدولة العميقة القاموس المصرى، لكنه بدأ فى الإنتشار بعد ثورة 25 يناير ثم إأصبح على كل فم فى سنة حكم الإخوان بينما سمّاها أحد الصحفيين " أعتقد أنه بلال فضل" بالدولة الغويطة، على أى حال لا تهم التسمية الآن المهم أن مايمكن تعريفه بالدولة العميقة فى أمريكا يتكون من مجموعة مؤسسات لها دور بالغ فى رسم السياسات والإستراتيجيات وعلى رأسها وزارة الدفاع (البنتاجون)، ووكالة المخابرات المركزية، وأعضاء الكونجرس الأمريكى بغرفتيه، والمجتمع الصناعى المدنى والعسكرى، ومراكز الأبحاث والدراسات وأيضا جماعات الضغط ويمكن إضافة مؤسسات المجتمع المدنى والمؤسسة الإعلامية ووكالات الأنباء لما لها من دور مؤثر فى تكوين وإتجاه الرأى العام.
الدولة العميقة فى أمريكا قادرة على الإتيان برئيس تتفق عليه كما أنها تستطيع الإطاحة بأى رئيس "أى إنتخابه لفترة واحدة فقط" أو بالإغتيال كما حدث مع الرئيس حون كينيدى " بعد أن طالب بإرسال مفتشين أمريكيين لمفاعل "ديمونة" النووي"، ولكن يبقى السؤال المحورى هل الدولة العميقة تؤيد بشكل مطلق سياسات الإدارة الديموقراطية المنتهية أم أنها يمكن أن تتغير باتجاه الجمهوريين ودونالد ترامب؟، أم أنه بمكن أن يحدث توافق بينهما، المعلوم أن الدولة العميقة هى من تصنع الرؤساء جمهوريين أو ديموقراطيين وتعمل على تسويقهم للجمهور، كل ما يتغير أن يكون الرئيس أبيض أو أسود، معتدل أو متشدد، الأصل فى الموضوع أن يتم تسويقه داخل وخارج الوطن ويتم التصويت عليه من قبل الشعب وليس إنتخابه، لقد تم الدفع بأوباما كرئيس هادئ نسبيا بعد "جورج بوش الإبن" الشرس الذى أوصل سمعة أمريكا للحضيض، وفى ظل أزمة إقتصادية ومالية خانقة، استطاع أوباما أن يحقق بعض الإنجازات على رأسها سحب القوات الأمريكية من العراق ومعظمها من أفغانستان مع عدم خوض مغامرات عسكرية جديدة، بالإضافة لتنشيط تجارة السلاح مع دول الخليج و زعزعة الأوضاع فى دول الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، وإنجاز الإتفاق النووى مع إيران، والمساهمة فى تدهور أسعار النفط، وإحداث بعض التقدم فى مجال الإقتصاد والبطالة والتأمين الصحى بالداخل.
بعد أوباما تم الدفع بترامب لقمّة السلطة لرغبتهم فى إصلاح بعض ما أفسده أوباما والعمل على إعادة هيبة أمريكا المفقودة، واللعب بالبيزنس وتصدير الرأسمال فى مقابل الحروب، وغزو الأسواق الخارجية بطريق الهيمنة ومواجهة العملاق الصينى الجانح، وتقليم أظافر إيران، وعمدت عناصر من تلك الدولة العميقة الى تسريب بعض الفضائح المالية والتجاوزات لهيلارى كلينتون، والإعتماد على شعبوية ترامب وإسلوبه الفج وإفتقاده الخبرة السياسية حتى يظل تحت سيطرتهم، ولعل ما أكسب الرجل بعض الشعبية هو تحميله لأوباما وهيلارى أنهما صنّاع داعش، وإدانته لغزو العراق، ودعوته لعودة الشركات الصناعية الكبرى لأمريكا وتشغيل الأيدى العاملة الباحثة عن عمل وكذلك موقفه من المهاجرين، وتصميمه على القضاء على داعش وكل المنظمات الإسلامية المتشددة، بالإضافة لموقفه المتشدد من إيرن فيما يعتبر رسالة ضمنية لطمأنة إسرائيل، كل ذلك ساهم فى رفع شعبيته بعد إجتذاب الطبقة العاملة لمشروعه، لهذه الأسباب إتهمه البعض بالتهور والغباء بينما إعتبره آخرين شجاعا وقادرا على المواجهة، والرجل يتراجع فى مواقفه كثيرا وخصوصا تجاه المؤسسات الأمنية القوية كالسى آى سى، ويمكن القول إن مهارات ترامب الغوغائية وضعته في موقع أفضل بكثير من خصومه بإستغلال العصاب الوطني الذي خلقه إنتشار الإرهاب.
لقد تآمرت الدولة العميقة لإبعاد "بيرلى ساندرز" منافس هيلارى لتمثيل الحزب الديموقراطى وذلك لخطابه اليسارى شكليا ومعاداته لملوك المال فى وول ستريت وتجسيده من خلال أطروحاته لنوع من العدالة الإجتماعية التى لا تتوافق مع الطبيعة الإمبريالية للولايات المتحدة، وبعدها إعتمد الديموقراطيين على إبنة مخلصة للمؤسسة الأمريكية وممثلة عتيدة للدبلوماسية الأمريكية، ولكن جاءت المفاجأة برئيس من خارج المؤسسات الحزبية والسياسية يحمل خطاب صادم لأصول وقواعد وقيم دامت لمدد طويلة، وما لبث الديموقراطيين وأجهزة الإعلام والدولة العميقة أن روجوا أن سبب نجاحه هو التدخل الإكترونى الروسى متجاهلين أن أمريكا تلعب دور أكبر جاسوس فى العالم ليس على خصومها فقط بل أصدقائها أيضا كالرئيس الفرنسى والمستشارة الألمانية، بينما الرسالة المضمنة هى مصادرة أى تقارب محتمل بينه وبوتين وإعادة إنتاج العولمة الإقتصادية المرتكزة على الرأسمالية المالية والنيوليبرالية والصهيونية العالمية وساعدوا فى خروج مظاهرات حاشدة ضده.
إن القبول بشخص مثل ترامب يمثل أقصى اليمين ربما كان أفضل حائط صد ضد إرتفاع موجة اليسار الجديد فى أمريكا ممثلا فى ساندرز وثورة الشباب، وأفضل مثال على ذلك ما قاله فولتير من "انك اذا اردت معرفة سادتك فعليك التعرف على اولئك الذين يحرم على الجميع نقدهم"، لذا فإن الدولة العميقة تعتبر أن فوز ترامب اليمينى هو نجاح لليمين البديل الذى يعتبر ضرورة لإعادة إنتاج النيوليبرالية.
إن الدولة العميقة هى شبكة من العلاقات المعقدة داخل الدولة، وتتغلغل في كل مفاصلها السياسية والاقتصادية والإعلامية والفنية والاجتماعية والعسكرية وتربط هذه الشبكة مصالح وفوائد خاصة على حساب المصلحة العامة، ومع الزمن تتراكم لديها أنماط سلوك وقواعد فى الإدارة، وربما تقاليد فى العمل وتزداد تلك القواعد والقوانين رسوخاً بمرور الزمن، وللدولة العميقة جوانب إيجابية وجوانب سلبية، فالجوانب الإيجابية تكمن في الكفاية الاقتصادية والمعرفية والقانونية والقدرة على الإنجاز العلمي، والجوانب السلبية للدولة العميقة تكمن فيما تراه تلك الدولة يصب في مصلحتها، وتستخدم في سبيل ذلك وسائل العنف والضغط الأخرى بطريقة سرية في الأغلب للتأثير على النخب السياسية والاقتصادية لضمان انتهاج سياسات تحقق مصالح معينة لها ضمن الإطار الديمقراطي ظاهريًا لخريطة القوى السياسية، وتتحكم بكل شيء بدعوى الأمن القومي وضرورات الاقتصاد والإستقرار، إن الدولة العميقة باختصار هى الداعم الأول والرئيسى للثورة المضادة.
موقف الدولة العميقة من ترامب يشبه الى حد ما ذلك الدور الذى قامت به نفس الدولة العميقة فى مصر فى مواجهة محمد مرسى الذى تشاركت أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة فى تعطيل حكمة الذى كان ديكتاتوريا ومستبدا وفاشلا بالأساس، وكان محمد مرسى غير كفؤ إداريا وأخرق سياسيا، ما أثار ليس الدولة العميقة فقط عليه ولكن الشعب المصرى بأجمعه الاّ قليلا ليطاح به وجماعته فى 30 يونيو، هذا المزيج بين شخصية ترامب الرعناء وشخصية محمد مرسى المنقادة والفاقدة للفاعلية ربما يؤدى الى مزيد من التخبط والرعونة فى إتخاذ القرارات وإتساع الفجوة مع الدولة العميقة بالولايات المتحدة، دعونا ننتظر حتى يظهر اليقين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-