الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعلّم كيف تبني عراقك الجديد.. في 3 ايام.. بدون معلّم

سعد الشديدي

2006 / 1 / 15
حقوق الانسان


متناسياً ما يحدث على ارض الوطن من هدمٍ وبلطجة وسرقات بملايين الدولارات تُنقل بالحقائب الديبلوماسية نهاراً جهاراً، واغتيالاتٍ بسبب وبدونه، وانقطاعٍ مستمرٍ لأدنى الخدمات كالماء والكهرباء وجمع الأزبال من الشوارع، وطائفية مقيتة اصبحت رائحتها تزكم الأنوف وعمليات نصب واحتيال سياسي لا اول لها ولا آخر.
متناسياً كلّ ذلك قررتُ ان ابني عراقاً جديداً. ارسم خارطته بنفسي واقدم له طلبات الأنضمام لعضوية الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية وجامعة جديدة للدول العربية قمت بتأسيسها لا تمت بصلة الى الجامعه اياها والى مؤتمر الدول الأسلامية الذي لا تتحكم به انظمة البترودولار والى مجلس التعاون الخليجي بعد ان قمت بتبديل الزي الرسمي لدولهِ الأعضاء من الشماغات والعكل والبشوت الى السموكنغ المحلى بوردات عنق سوداء لامعة. كذلك قدمت طلبات الأنضمام الى مؤتمر الوحدة الأفريقية تضامناً مع اخواننا الأفارقة والى الفيفا واللجنة الأولمبية الدولية والأتحاد الدولي للقفز بالزانة. وكي لا يزعل مواطنو العراق الذي بنيتُ قمت كذلك بتقديم طلب لنيلِ عضوية مؤتمر الدول الثمان الصناعية الكبرى لأكون تاسعها.
وفاجئتُ نفسي بعد ذلك بخبر قبول طلبات العضوية تلك ودون اعتراض من احدى الدول الأعضاء في هذه التجمعات ودون فيتو من امريكا ولا فرنسا.
هكذا تأسست دولة جديدة لها حدود اعرفها وتعرفني جيداً. فقد قمت انا بنفسي برسمها وتخطيطها دون الرجوع الى معاهدات سايكس- بيكو او سان ريمو. يا سلام!!!
سعيداً بكل تلك الأنجازات التي تحققت في وقتٍ قياسي كان عليّ ان ابداً ببناء دولة.
اتعبتني هذه السالفة قليلاً. فبصفتي عراقياً اباً عن جدّ وذو شيمة عراقية تمتد لأكثر من احد عشر قرناً من الزمان لم استطع الأتفاق مع نفسي. وانقسمتُ الى طوائف وقوميات وديانات ومذاهب وحركات وأحزاب وتيارات لم استطع عدّها ولا تمييزها. فهذا هو العراق حتى لو كان في جنائن الخيال المعلّقة. واستمر الجرّ والعرّ والتهديد والوعيد من هنا وهناك حتى تعبتُ جداً وقررت الموافقة على الحدّ الأدنى والذهاب الى النوم بعد أخذ دوش ساخن.
في الصباح تشكلّت ولأول مرة في تاريخ ذلك الوطن اول حكومة وطنية بارادة جماهيرية حرّة في وطنٍ مسالمٍ صغير بمساحته كبير بحريته.
ارسلت برقيات التهنئة والتأييد واستلمتها نيابة عني وبالأصالة عن نفسي.
لم يكن المخاض صعباً طالما كان الهدف هو تأسيس دولة تخدم المواطن. وتكون الصدر الحنون الذي نضع رأسنا عليه ونطلب منها العون والمعونة حين يجور علينا الزمان. دولةٌ تمّد يد المساعدة للكبار والصغار. ولا يجلس على عرشها لصوصٌ ولا مجانين.
بعد ان اطمأنت نفسي ان كل شئ قد اصبح على ما يرام. وضعت ساقاً على ساق واشعلت سيجارة غريفن ام البزون مستمتعاً بدخانها وبحصولي على جنسية دولة فتية يعرف الجميع مكانهم فيها، مالهم وما عليهم. ربما يقوم المواطنون فيها بسرقةِ أموال الدولة احياناً، ويخالفون القوانين ويرتكبون الأخطاء والخطايا احياناً اخرى. ربما.. فهذا طبيعي. فوطني هذا ليس يوتوبيا مخطّطة او مقّلمة. بل هو واقعيّ جداً. وقد جُبِلَ الأنسان على ان يكون انانياً، لصاً، بلطجياً ولكن بحدود. نعم بحدود. وعندما تضيع الحدود يسقط ألوطن والمواطن في دائرة الخطر. هذا يعني ان يكون هناك دائماً من يطبق القانون بأمانة وحرص ويعاقب الحرامية وقطّاع الطرق والمختلسين وشذاذ الآفاق. ومادام هناك من يفعل ذلك فلا خوف على الوطن وحياة المواطن ومستقبله. وسأكون انا بعون الله اليد الضاربة على الفساد والتخلف.
مرّت فترة على جلوس الحكومة والرئيس. شعرتُ فيها انني استمرأتُ المنصب والرئاسة التي يقول عنها الصحابي الجليل سلمان الفارسيّ: بأن رضاعها حلو وفطامها مرّ. لذلك بنيت آيديولوجية رصينة مستفيداً من الكتب التي صقلتها الألسن في المحاريب وتلك الممنوعة في اسواق العواصم المجاورة. معلناً بأن رئيس الدولة سيصبحُ رئيساً للبلاد مدى الحياة. لأنه لن ينزع رداءاً البسه اياه الخالق عزّوجلّ.
في عيون الشعب رأيت مشاعر الخيبة. فلم يمضِ سوى ايام ثلاثة على العراق الجديد الفريش جداً انقلبت الأمور على ذلك النحوّ الذي لم يكن احدٌ ليتوقعه. ولم يبقَ امام الجماهير التي اكلت بوري محترم سوى ان تستعين بالأمريكان لأزاحة الرئيس أو أن تأخذ الأمور بيدها لتنقذ التجربة الوليدة... يعني شنو.. ثورة شعبية؟ معقولة يسويها العراقيين؟ فركتُ عينيَّ بين مصدّقٍ ومكذب.
يابه والله مو معقولة..!! هتف المعلّق السياسي لقناة "المستبدة" الفضائية كلّش. في حين توقع كبير مذيعي محطة "تتبغدد علينا" اندلاع ثورة ذات عمق شعبي في شوارع المدن المصابة بالخيبة. وانبرى كتاب مواقع الأنترنت بالصراخ وقذف الشتائم. واصبحوا خندقين، الأول مع التجربة حتى النخاع والآخر ضد التجربة الى العظم.
في الأفق ومع خيط الدخان الذي كان يتصاعد من اوردة وشرايين اولئك الذين تسميهم اجهزة الأعلام بالمساكين وأولاد الخايبة، من الغيض والغضب، وفي شوارع نسمع عنها ولا نراها بدأت ملامح مشروع ربما سيكون جديداً ومختلفاً عن ذلك الذي بنيته. مشروع لا يعرف احدٌ كيف سيتشكل ولكنه قادمٌ حتماً. نراه امامنا وان لم ننجح في التعرف على تفاصيله بعد. مشروع لوطن نفتقده جميعاً لأننا لم نره ابدا ونحلم به في النوم واليقظة. نبنيه بقوة الألم. حدوده واضحة وأمينة. وسبُلنا فيه واضحة ومستقيمة.
حاولوا ان يبني كلٌّ منكم عراقه الخاص كما فعلتُ ويكون شعبه وحكومته ورئيسه. وستروا بأن النتيجة التي توصلت اليها ممكنة، وليست مستحيلة كما نتخيل. فنحن لسنا بمساكين ولا أولاد خايبة كما اقنعونا. وبأمكاننا ان نفعل الكثير. ليس في الخيال فحسب. يل في الحقيقةِ ايضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مصري رفيع المستوى: أحد بنود مقترح الاتفاق يتضمن عودة ال


.. الاحتجاجات تتصاعد.. الاعتقالات في أميركا تتجاوز ألفي طالب




.. شاهد: المجاعة تخيّم على غزة رغم عودة مخابز للعمل.. وانتظار ل


.. مع مادورو أكثر | المحكمة الدولية لحقوق الإنسان تطالب برفع ال




.. أزمات عديدة يعيشها -الداخل الإسرائيلي- قد تُجبر نتنياهو على