الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبس من سيرة صلاح نيازي‮ الذاتية

شكيب كاظم

2017 / 2 / 12
الادب والفن


الحقوق الفكرية والتواقيع المستعارة

في منتصف السبعينات من القرن العشرين، دخل حياتنا طقس ثقافي جميل، أن تمنح الجريدة أو المجلة مبلغاً من المال، مكافأة للكاتب عن المادة الثقافية التي تنشرها المجلة أو الجريدة له، وكان هذا أول اعتراف بحق من أهم حقوق الكاتب أو الشاعر، وان ما يقدمه من جهد لجدير بأن ينال مكافأة نقدية عنه، مع أني وأنا أقرأ في الكتاب المهم للباحث والناقد العراقي الدكتور عبد الاله أحمد 1940)- 2007 )الموسوم بـ (نشأة القصة وتطــــورها في العراق (1939- 1908 قرأت في الفصل الخاص بالأديب والصحفي العــــــــــراقي أنور شــــــــــــــــــاؤل ((1984- 1904 انه نشر في العدد الخامس عشر من مجلته (الحاصد) السنة الثالثة/ تشرين الثاني/ 1931 إعلاناً جاء فيه (تشجيعاً للقصة العراقية، وتنشيطاً للكتاب العراقيين الناشئين ( ( 000يسر (الحاصد) أن يعلن أنه مستعد لأن يدفع عن كل قصة عراقية ترده للنشر، بدلاً يتراوح بين ثلاث الى عشر ربيات )فـ( الكاتب اليوم مهما بلغ به شغف الكتابة والنشر لابد أن يطالب بثمرة مجهوده الفكري). أقول وما زلت أتذكر ما أنبأني به صديقي الشاعر الذي اكلته الحرب الثمانينية سراعا، بأن لي مكافأة مقدارها عشرة دنانير، عن مقالين نشرهما الملحق الأسبوعي لجريدة (الجمهورية) سنة 1978قبل هذا التاريخ كانت تصل الي مكافأة نقدية من المجلات العربية خارج العراق، مثل مجلة (شؤون فلسطينية) التي كان يصدرها من بيروت مركز الابحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، ومجلة (الثقافة العربية) الليبية، فضلاً عن مجلة (آفاق جامعية) الشهرية التي كانت تصدرها جامعة السليمانية.

ظلت هذه المزية أو الميزة سائدة في الوسط الثقافي، حتى سنة 2003 ومع ازدياد عدد الجرائد والمجلات، وانفتاح العراق على خدمات الانترنت، بدأ دبيب الأنانية والاثرة يدب من خلال الاستهانة بجهد الكاتب العراقي، فبدأت قيمة المكافآت تتناقص حتى تلاشت في العديد من الجرائد العراقية، وتحت ذرائع ومسوغات شتى، بل ان بعض المجلات، تأخذ مقالاتك من الانترنت، من غير أخذ موافقتك، وهذا حق أدبي ومعنوي ومادي للكاتب،ووصل الحال ببعضهم أن ينشر دراساتك غفلاً من اسمك! إنهم يسقطون حتى إسمك من جهدك وتعبك، وإذا خاطبتهم هاتفياً لا يردون على ندائك أو حتى رسائلك الهاتفية.

هذه التداعيات إنهالت على الذهن، وأنا أقرأ السيرة الذاتية للمبدع العراقي المغترب الدكتور صلاح نيازي الموسومة بـ (غصن مطعم بشجرة غريبة) الذي أصـــــدرت طبعــــته الاولى مؤســـــــــــسة الانتـــــشار العربي ببيروت، حيث تجد احترام المجتمعات المتقدمة والحضـــــارية لجهود الفرد، حتى وإن كان غريباً أشبه بلاجئ، فكيف بابن البلاد؟وبهـــذا السلوك الحضاري القائم على عدم بخس الناس أشيــــــــــاءها تقدمت تلك الأمم.

يحدثنا صلاح نيازي، الشاعر والباحث والمترجم، الذي غادر العراق بداية العقد الستيني من القرن العشرين الى لندن ، بعد أن عمل مدة وجيزة في الاذاعة العراقية، فضلاً عن التدريس وأقترنت حياته بحياة القاصة والروائية سميرة المانع، شقيقة الكاتب والمترجم الضليع نجيب المانع 1926)- (1991/10/30 والذي أحسن نيازي صنعاً، اذ أعاد نشر مقالات المانع بكتاب جميل نشرته دار الشؤون الثقافية العامة بطبعته الاولى سنة 2011 والموسوم بـ (جسارة التعبير) وكتبت عنه اكثر من حديث نقدي، سترى النور تباعا، يحدثنا نيازي إنه تعرف على محرر صحفي فلسطيني يصدر مجلة ثقافية في لندن، عن طريق صديق لكليهما، امتدح امكانات صلاح نيازي، فطلب منه هذا المحرر، قراءة ديوان للشاعر نزار القباني، كان قد صدر حديـــــــــثاً، وسأله إن كان لديه وقت للكتابة عنه؟ واذ ذاك ســـــأله نيازي: هل لي أن اكتب رأيي الحقـــيقي؟ وحين وافق قلت له!

هل يمكن أن أوقع المقال بأسم مستعار؟

وافق ايضاً وما أكتفى بالموافقة بل اردف ذلك قائلاً: سندفع لك مكافأة.

يقول صلاح نيازي: خيل الي أنها ثلاثة جنيهات، استشف ذلك من الطريقة التي نطق بها لفظة (مكافأة) ومرت الأيام، وصلاح نيازي، ضحى، نائماً في غرفته في ذلك البيت اللندني الهادئ، سمع دقاً خفيفاً، ثم دقتين، وصوت صاحب الدار يناديه، ان ساعي البريد يحمل رسالة مسجلة من لندن اليه، فتــح الرسالة، ليقرأ شكراً على إسهامته واعجاباً بمقالته، كانت مع الرسالة حوالة بريدية بخمسين جنيهاً، قرأت الرقم ثانية لغرض التأكد وخشية أن يكون خمسة! كانت العبارة (ادفع لصلاح نيازي خمسين جنيهاً لا غير).

ما وقف الامر عند الدورية التي نشرت المقالة النقدية لصلاح نيازي عن احد دواوين نزار القباني، بل تعداه، هذا السلوك الحضاري الى المحرر الفلسطيني ذاته، الذي كان يكلف صلاحاً بقراءة مقالته الشهرية في تلك الدورية العربية الصادرة بلندن، وتصحيح ما فيها من هنات نحوية أو لغوية، هذه القراءة البسيطة لا تذهب هدراً، ومن غير مقابل مادي، بل كان يدفع له ثلاثة جنيهات عن كل قراءة، ولنتذكر أن هذه الاسعار كانت ايام العقد الستيني، حيث رخص الاشياء ماديا، قبل ارتفاعها الجهنمي، اثر رفع منظمة أوبك النفطية لاسعار النفط ربيع سنة 1974 فاشتعلت الاسعار في الدنيا طرا وتحولت حياة البشر الى جحيم، وافتقرت شعوب واتخمت خزائن حكام افرغوها بالاسلحة والحروب.

يواصل صلاح نيازي سرده لوقائع الحياة اللندنية ليذكر، انه عن طريق هذا المقال تعرف على موظف عالي المنصب يعمل في شركة (شل) النفطية، ويواصل دراسة الدكتوراه في كلية الدراسات الشرقية والافريقية التابعة لجامعة لندن، وكان من اساطين هذه الكلية وجهابذتها الدكتور (داود كاون) المستشرق البريطاني المعروف، والذي زار العراق، والقى علينا محاضرة نحن طلبة كلية الأداب بالجامعة المستنصرية، مساء الأربعــــــــاء العاشر من نيسان/1974 .

هذا الطالب، يرغب في ان يراجع صلاح معه نصوصاً شعرية عربية قديمة، لكن ليس مجاناً كما يحصل عندنا دائماً، حتى من تراجع كتابه نحويا ولغويا واملائيا يبخل عليك بعبارة ان فلانا راجعه نحويا ولغويا، يعدها استهانة بعبقريته!؟ بله أن يعطيك شيئاً.

كل شيء هناك بمقدار، وكل شيء يخطط له وكأنه عقد مبرم.

أن يصل اليه صلاح عند الرابعة من عصر كل خميس ولمدة شهرين، والوقت ساعة اسبوعياً، مكافأة هذه الساعة مقدارها جنيهان.

يالله ماهذا؟

ابلغ حب النظام وحقوق الفرد الى هذا الحد؟!

ما اكتفى هذا الدارس اللندني بهذه الحقوق، بل أضاف اليها بنداً مفاده انه سيدفع له اجور الطريق ذهاباً واياباً بالباص فقط، اما اذا استأجر مدرسه سيارة اجرة فهو غير ملزم بدفع اجورها!!

اجرة الباص فقط هو من يدفعها.

يحصل ان يهاتفه صديقه المحرر الفلسطيني، سائلا اياه ان كان لا مانع عنـــــــــــــده من زيارته؟ فيزوره في غرفته المستأجرة في ذلك البيت اللندني، عارضاً عليه مقالته التي يجب ان يسلمها اليوم للنشر، قرأ فيها قصيدة الشاعر البريطاني الشهير (وردزورث) عن (السو سن البري) لم يجد في المقال أخطاء في قواعد اللغة كثيرة، كان اللقاء سريعاً، وقام على عجل ودفع في يده مظروفاً مغلقاً مكتوباً عليه بالانكليزية (المسترنيازي المحترم) كان يؤكد ضرورة ان لا يخبر احدا بذلك، كي لا تسري في الوسط الثقافي هناك همسة تشير الى ضعفه اللغوي، الأمر الذي يدفع صلاحاً كي يصارحه قائلاً: يبدو ان اصدقاء السوء افقدوك ثقتك بنفسك!! ضحك مؤكداً ماذهب اليه وعاد ليؤكد: رجاء لا تخبر احداً قط!

يفتح صلاح المظروف ليجد ستة باوندات ورسالة شكر بالعربية، وعن طريق هذا الكاتب الفلسطيني فتحت ابواب القسم العربي بهيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي للدكتور صلاح نيازي، الذي كنت احظى ببعض اجاباته الثقافية في اكثر من برنامج كان يذاع في تلك السنوات الماضيات ومنها برنامج (لكل سؤال جواب).

هكذا تقدمت المجتمعات حضارياً، لقد اعتنت بالفرد، الذي يصب في خدمة المجتمع، مما يعمق صلة الفرد ببلده ومجتمعه، على العكس من نظريات ومجتمعات تسحق الفرد، جــــــــاعلة منه حطباً وهشيماً.

اذ لا حقوق له بل واجبات فقط، فلا حقوق في دول الراديكاليات الثورية حارقة المراحل.

ترى لماذا تظل مجتمعاتنا تسلب حقوق الفرد ومنها حقوقه المادية في نتاجات عقله وفكره؟!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت


.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-




.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و