الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدد الجديد من مجلة -الثقافة العراقية- ؛ بقعة ضوء في ظلام حياتنا.

قحطان جاسم

2017 / 2 / 12
الادب والفن


صدر العدد الجديد من مجلة الثقافة العراقية، مجلة فصلية تصدر عن الصالون الثقافي في الديوانية ويشرف عليها ثلاثة شباب مشغولين بهموم الابداع ؛ أسامة غالي، علي محسن وأحمد معن. الى جانب ذلك توجد هيأة استشارية تضم مجموعة من الادباء والاكاديميين .
تناول رئيس التحرير أسامة غالي في افتاحية العدد " ما خفي كان أعظم" ص.4 ، الازدواجية التي يعاني منها بعض المثقفين وتحولاتهم الى طلاب منفعة أكثر منهم خالقي أدب وفن مبدع. في ظل واقع مرتبك حيث ان " الواقع الذي نعيشه الآن يشير الى غياب او تغييب المثقف الحقيقي ، ظهور من يسهم في صناعة الخراب والتجهيل وتكميم الافواه ومنع الحريات" ص.4. وهي اشارة مهمة وشجاعة تشخص المستوى الذي انتهى اليه الحال الثقافي في العراق، وتطرح على نفسها الوقوف مع الثقافة الجادة المبدعة.
ورغم ان الكاتب غالي لا يعدم وجود محاولات واصوات ثقافية اصيلة حريصة كلّ الحرص على مستقبل الثقافة " تبشر بقيم عليا" ص.4، مؤشرا بذلك على وجود صراع مرير بين قطبين ثقافيين في ظل اوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية معقدة في العراق تتسم بالانهيار الاجتماعي والعائلي وتتسم بتشوش الوعي الذاتي، طارحا تصور عن المجلة يقف مع الثقافة والادب اللذين يدافعان عن القيم الانسانية التي على الاديب ان يتسم بها، دون ان تنزلق هذه الدعوة الى طموح شعبوي ثقافي رخيص ومباشر، بل تهدف الى ثقافة تتمحور حول قضية التحرر والتنوير" باعتبارهما جوهر مقاصد الادب والثقافة عموما"، كما اشارت الافتتاحية.
شمل العدد محاور ادبية وثقافية متنوعة. استذكارات فكرية وشخصية ، ملفا عن المرأة، دراسات نقدية عن الفن والشعر والرواية، ونصا مسرحيا، اضافة الى نصوص سردية وشعرية .
فعن الراحل علي جواد الطاهر كتب د. سعيد عدنان مقالا " الطاهر معلما " اما الكاتب حسين رحيم " ثلاثي سحرة العالم" .
اما الملف عن المرأة في تراث الشعوب فقد افتتحته الروائية والمترجمة لطفية الدليمي بمقال " المرأة بين خطاب ابن رشد والغزالي " تناولت فيه خطابين متناقضين ، خطاب التخلف وخطاب التقدم. فبينما يكون الاول خطابا نكوصيا يتخذ من موضوعات وتصورات ابن تيمية وابي حامد الغزالي منطلقا له، فان الثاني يعتمد على اطروحات ابن رشد في تعزيز موقفه. وتضيء الكاتبة الدليمي طبيعة هذين الخطابين عبر مناقشة قضية جوهرية ، واعني به ، الموقف من المرأة ومكانتها في المجتمع والنشاط الفكري الذي يتمحور حولها في سياق هذين الخطابين. وهي تشير الى ان" خطاب الثقافة السلفية ينصرف الى تقييد الزمن بحقبة غابرة تلغي ما هو حاضر و ما يفضي الى المستقبل وهو خطاب الاتباع والتراتبية الملزمة في محتمعات تتراجع بسرعة تعجيل خارقة عن العصر ومتغيراته" ص. 18. وكما تشير فان اول من يتضرر من هذا الخطاب ونتائجه هو المرأة.
أما د.لقاء موسى فتعالج في دراستها الموسومة " جناية الفكر الذكوري على تفسير القرآن الكريم " ص.22، موضوعا مهما تكاد تكون هي المعالجة الاولى في هذا الصدد، واعني مسألة "التعدي الجنسي على الاطفال"، او ما يسمى بعلم النفس " البيدوفيليا". وتناقش الباحثة، مقتصرة بحثها على بعض النصوص القرآنية، كيف ان العديد من المرويات التراثية الدينية تبرر في تطبيقاتها سلوكا منحرفا لا يتفق مع جوهر الأسس الدينية التي انطلقت منها. وتشير الباحثة الى انه رغم اقرار المساواة والدساتير والمواثيق العالمية ، الا ان المرويات تعتمد على قراءات متزمة للتراث ، بحيث ان " بعض هذه المرويات تبيح جرائم بحق الانسان والطفولة ". ولذلك فانها تدعو الى قراءة جديدة للنص القرآني بما يتناسب وتطورات العصر الحديث. تعرف الباحثة البدوفيليا باعتبارها" انحراف نفسي يمتلك المصاب به ميول جنسية متفاوتة تجاه الاطفال تتراوح بين الرغبة للمداعبة وتصل الى الاتصال الجنسي المباشر" ص.23 . وكنت اتمنى على الباحثة موسى، لاهمية المقال، ان لا تكتفي على المناقشة المجردة ،فترفق بعضا من الاحصاءات المتوفرة وخصوصا في بلدان متزمتة في تطبيقاتها الاسلامية كالسعودية وايران، لكي تمنح الدراسة بعدا اكبر ، وتمنحها اهمية عيانية ملموسة لدى القاريء المتوجس.
ينتقل بعدها الكاتب وديع شامخ ليناقش في موضوعه " المرأة في محلمة جلجامش - هامش الحكاية ورفيف روحها" ليكشف لنا موقع المرأة في هذه الاسطورة التي ما تزال تحتل مكانا كبيرا في الدراسات المحلية والعالمية.
أما الشاعرة د.بشرى البستاني فانها تعالج " صورة المرأة العربية في التراث؛ حقيقة أم انتقاء" ، حيث تناقش واحدة من الاشكاليات التي تصور صورة المرأة العربية في هذا التراث حيث " أنها عاشت في مخيال ذلك التراث وليس في حقيقته"ً ص.41. وتشير الى العديد من الكتب التراثية الادبية والفقهية التي طرحت تصورا متخلفا ينبع من التجريد الذكوري وفهم الرجل ومصالحه، وليس من واقع حقيقي عن المرأة.
اما في حقل فنون فقد ضم موضوعات متنوعة من بينها " جماليات النحث الشعبي " للدكتور حاتم الصكر ، الذي يتناول فيه النحات الفطري منعم فرات، ملقيا الضوء على مصطلح ومفهوم البدائي والشعبي والفطري والفوارق او السمات المشتركة بينها. و عن منعم فرات يقول د.الصكر، انه "ظل صديق الحجر المدهش فريدا في الذاكرة الفنية العراقية والعربية" ص.49"
كذلك كتب د. عاصم الامير " بين الريادة والتاريخانية" ،و د. عاصم فرمان " ذاكرة فنية " ، و مؤيد البصام "غالب المنصوري- رؤية من الداخل" ، ثم د. بلاسم محمد " حيدر خالد؛ صراخ الصمت واشياء اخرى". وفيما يتعلق بمقال البصام عن الفنان غالب المنصوري فقد اشار الى انه" يعتبر واحد من الذين اكتسبوا التجربة بعد الموهبة ليصل الى ما يسمى درجة الاتقان" ص.59 ، بحيث انه بدأ مشروعه الخاص به من هذه الدرجة من الاتقان التي بلغها. ويضيف الى " الفضاء الذي يترسخ في لوحته كثيرا ما نجده منزاحا للخارج ويحل مكانه الكتلة التي تتشكل في مجموعة كتل ، بخطوط منسجمة مع التعبير عن فردانيتها بالالوان المختلفة والمتجانسة في حركة صعود وهبوط التون في المقطوعة الموسيقية" ص.61
يطلع القاريء ايضا على محاور اخرى كالشعر والمسرح والنقد الادبي الذي يتناول النصوص الشعرية والسردية.
ومن النصوص الشعرية والسردية يقدم الشاعر سلام دواي قصائد مترجمة ، و قصائد من بينها لعبدالاله الياسري، قحطان جاسم ، وقصة لميسلون هادي ، اما صباح الانباري وموفق ساوا فيقدما نصا مسرحيا مشتركا بعنوان " الجدار".
كما تناول د.نجم عبدالله كاظم نقديا رواية " ريام وكفى" للروائية العراقية هدية حسين.
وفي النقد ايضا تناول الناقد د.محمد عبدالرضا شياع في مقاله النقدي ديوان " وشم عقاب" للشاعرة العراقية ورود الموسوي. ويرى الناقدد. شياع أن " اهم عنصر في انجاز النصّ الابداعي الكتوب هو اللغة". ويتخذ من هذا المنطلق عتبة ، دون ان يلغي دور الصورة الشعرية ومكانتها، لأضاءة القصيدة، لقراءة ديوان الشاعرة الموسوي.
كما يتناول الشاعر والروائي الليبي عبدالحفيظ العابد " دلالة الماء في شعر عبود الجابري" . يفتتح مقاله بتوصيف موجز لقصيدة النثر كمدخل لقراءة " رمزية الماء في شعر الجابري" ص. 145.ويضيف الى " ان الشاعر يعمل على ذوتنة الاشياء وشخصنة اللغة التي تستجيب لرغبة الشاعر " ص. 145 ، اي انه يقرأ هذه الدلالة ومواصفاتها من خلال دلالات لغوية وما تخبأه المفردات من معان في قصائد الجابري.
أما الشاعر صفاء ذياب فينحو منى آخر ، حيث يتناول في مادته حاية " يعقوب وعيسو" او ما يسميها ثنائية البداوة والاستقرار. يناقش فيها شخصية يعقوب في التراث وهالة الاسطورة التي تطورت حولها .ص.157
كما تضمن العدد حوارا مع الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين.
ويختتم عدد المجلة الكاتب مدير التحرير، أحمد معن ، بمقال موجز عن الراحل المفكر هادي العلوي " الذي جمع بين اسهاماته المتنوعة وعطائه العميق والغزير ، وبين صلادة الموقف وصدق الراي، انه يحقق مدرسة فكرية جدلية تبدو غامضة في الخارج ، لكنها أوضح ما يكون لمن يسبر اغواها" ص. 177. وبذلك يتوافق الكاتب بتأكيده على جوهر ما جاءت به افتاحية العدد التي تؤكد على اهمية الاديب او المثقف الذي يلتزم ويقف مع شعبه ويظل امينا الى صدق موقفه، وان الابداع والالتزام الاخلاقي والفكري للمثقف لا يتعارضان، كما يسعى بعض المثقفين العدميين الى ترويجه، مع الابداع الادبي .
تطرح مجلة الثقافة العراقية قضية لها اهمية تتجاوز الحقل الادبي؛ وهي المبادرة الذاتية الابداعية .. فهي مجلة تصدر بمبادرات ذاتية وطموحات شخصية دون اي دعم من دولة او حزب ، وتمكنت ان تتجاوز في ماطرحته وتطرحه ما عجزت عنه وزارة "الثقافة" في العراق. طوبى للمشرفين عليها والمساهمين فيها. والى مزيد من النجاحات والتقدم والثبات للحفاظ على خطها المستقل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي