الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب التوراة في قضاء قلعة صالح

نعيم عبد مهلهل

2017 / 2 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



وكأنه يطهّر صباحات زائريه من مختلف ديانات الأرض بماء النهر وتواريخ مواعظه التوراتية التي حملها ذات يوم من بابل الى مملكة الطيب شرق ميسان ، وعند اول قبلة بوابة ضريح النبي سيقرأ الزائر : السلام عليك يا نبيَّ الله يومَ وِلِدت ويومَ تَموتُ ويومَ تُبعثُ حياً. وبجانب الكتابة ثمة صلوات مدونة بالعبرية وهناك نقوش ربما ترجمتها تعني المواعظ والصلوات والتراتيل.
صورة المكان التوراتي والذي يرتدي شفاعة التشيع واحترام الصابئة لمكان النبي قرب الماء ليشعرهم أنه من ظهرانية يحيى (ع) حيث يكون المكان روح التعميد ولغته .
هذه صورة المكان الذي تتسع فيه مساحات الاهوار وينبت القصب بأعداد تفوق سكان الصين.
إنه البلاد العميقة في تواريخ تفاصيلها لها أربعة قراطيس هبطت من مواطن السماء الى أعشاش قلوب البشر في الأرض وهي حسب القدم الزمني الكنز ربا كتاب يحيى للصابئة المندائيين ، والتوراة كتاب موسى لليهود والانجيل كتاب يسوع للنصارى والقرآن ختام كتب السماء للمسلمين .
وربما نالت كل ديانة من علاقتها بالسياسة الكثير من التعسف والاضطهاد وفي المحصلة السياسي يذهب والدين يبقى.
ذهب قياصرة الروم وملوك يهوذا ويسوع بقيَ بإنجيله ، وعتاة قريش ذهبوا وبقي دين محمد ، فيما حافظت المندائية على وجودها وأزلها القديم بالرغم من تعرضها الى الكثير من الاضطهاد والقتل وحرق موروثهم وقراهم وقراطيسهم ، أما اليهود فقد أرغمتهم السياسة ووعد بلفور أن يحملوا حقائب السفر الى فلسطين تاركين مواطنهم التي عاشوا بها منذ ايام نبوخذنصر وعزرا الكاتب (العزير) لكنهم ابقوا في المكان شواهدهم وبعضاً من ثقافتهم في طرز البناء وبيوت الشناشيل واضرحة انبيائهم (ذوالكفل) و(العزير) وبعض الشواهد الاخرى من تراثهم التلمودي والثقافي والتوراتي والتاريخي الذي كان مخزونا في مكان رطب وينز فيه الماء بقبو تحت مديرية المخابرات العامة بالحاكمية.
تلك الأمكنة حيث مدى الأهوار يتساوى مع المسافة التي يقيسها الجفن بين الماء والاسماء تعيش الأديان والحضارات في مودة فطرية سببها هذا التكوين الحسي في بساطة الشخصية الجنوبية لهذا كان يهود العراق في التأريخ الذي سبق قرار التهجير القسري الى فلسطين يمشون الى مزاراتهم أين ما كانت قبابها وبواباتها ، ومنها قبر (العزيز) في الناحية التي حملت أسمه قرب قضاء قلعة صالح. حيث لهم فيها خانات يستريحون فيها قبل ان يستقبلهم صباح المسافة بين النبي والقلعة وهو طريق ترابي يرددون فيه آياتهم ويقربون وجه موسى وسيناء وبوابات معابدهم في اورشليم والناصرة وإيلات من وجه النبي الذي يحتفي بأبنية القصب ونعاس الموج وهو يمر من قبلُ بحيطان البناء الذي غلف بالطين والجص والحناء وتلوح في عينيه قرى المعدان الممتدة والتي تسكن الاهوار القريبة وحتى حدود إقليم الاهواز.
يتذكر صاحب إحدى هذه الخانات لحظة استيقاظ الزوار اليهود الى الصباح وهم ينتهون من حفظ الادعية التوراتية التي سينشدونها بهدوء وبرؤوس تهتز مع وقع الكلمات ، والى الصباح حيث تستقبلهم شمس قلعة صالح بالترحاب والالفة وذلك الازل الذي يلم شمل الديانات كلها منذ صحائف المندائيين المكتوبة على الواح الرصاص الى هذا اليوم.
وأمام الضريح التي تتنازعه شغف الارواح بين عشق المعدان له وبين محبة أحفاد يهود بابل واورشليم وكل الآتين من شتات العالم ليصنعوا وطنا مبتكراً تنازعه أحقية الوجود لدموع عرفات ومحمود درويش وغسان كنفاني.
يتعالى همس الادعية والصلوات فيما موج دجلة يسكنه الإنصات والخشوع للقادمين من ليل خانات قلعة صالح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيني اسبر واعترافات لاول مرة


.. عاجل | مظاهرات وأحكام عرفية وإغلاق مبنى البرلمان في كوريا ال




.. فضائح جديدة تلاحق تسلا ومالكها إيلون ماسك.. ما القصة؟


.. قراءة عسكرية.. كمين للقسام في رفح وتقدم للمعارضة السورية تجا




.. سياق | هل انتهى النفوذ الفرنسي في إفريقيا؟