الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الترهات الدينية والهوية الأيديولوجية

سمير عادل

2017 / 2 / 13
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


عندما يصنف البشر على اساس ديانة معينة، وعندما يفضل أنسان من دين على أنسان من دين اخر كما جاء في القرار التنفيذي للرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب، في منع المواطنين من البلدان السبعة واستثناء مسيحي العراق بالدخول الى الولايات المتحدة الامريكية، ويباركه الملك السعودي سلمان فيما يغض الطرف عنه اردوغان، وكلاهما من مصدري ارهاب الاسلام السني الى العالم، فأنها سياسة مقصودة وابعد من العنصرية السافرة تجاه الانسانية، ويجب الوقوف عندها وتحليلها وتعريتها ثم فضحها.
لنتفحص الماهية السياسية للقرار التنفيذي المذكور والذي لم تعرج عليها وسائل الاعلام، ولم يذهب اليها العديد من الكتاب، فبالنسبة لوسائل الاعلام وخاصة الامريكية منها بالرغم من اظهار نفسها بأنه معادية لقرار ترامب ومدافعة عن المسلمين، بيد انها تعمدت بعدم تجاوز إطار التصنيفات الدينية للبشر في القرن الحالي. اما بالنسبة للكتاب والمثقفين فمعظمهم من الشرق او الغرب اما قسم منهم يعي الماهية السياسية للقرار ويغض الطرف عنها لأهداف سياسية ومن ثم مصالح طبقية، اوالقسم الاخر، فيتحلون بالنيات الطيبة، فوقع عليهم وقع القرار كصاعقة بحيث شل عنهم التفكير.
في القرن المنصرم، كان الاستقطاب العالمي ينفخ الروح في إيديولوجيتين، العالم الشيوعي والعالم الحر الذي اصبح لاحقا العالم الديمقراطي. وفي الحقيقة لم تكن لا الكتلة الشرقية هي شيوعية، ولا كانت الكتلة الغربية عالم حرا او عالم تسوده الحرية المطلقة. ومع انتهاء مفعول مقولة العالم الحر، او مفعول ترياق الديمقراطية، استعيض بدل عن كلتا الأيديولوجيتين، بالايدلوجية الدينية. وليس سرا على أحد، بأن ما سمي بالربيع العربي لم يكن له علاقة بالأيديلوجية الدينية، اسلامية كانت او مسيحية، شيعية كانت ام سنية. والعكس هو صحيح، كان له اي "الربيع العربي" علاقة بالمساواة بين البشر والرفاهية والحرية، والتي كل جميع المقولات او المفاهيم لا ترتبط لا من بعيد ولا من قريب بالأيديولوجيات الدينية والطائفية، التي هي معادية حد النخاع بتلك المفاهيم على الصعيد الفلسفي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
ان الرائج في الاسواق البرجوازية الايديلوجية اليوم ليست القومية ولا الديمقراطية ولا الليبرالية ولا الصراع ضد الشيوعية، بل الرائج هو صراع الحضارات او صراع الاديان او صراع الطوائف، وتحديدا بعد الثورتين المصرية والتونسية وهبوب نسيمهما على بلدان المنطقة، حسب حاجة الطبقة البرجوازية للايدلوجية لإدامة نفوذها الطبقي. وان تدشين العمل في ترسيخ هذه المفاهيم بدء ابعد من ذلك ومنذ عهد بوش الابن عندما شبه حربه في العراق وافغانستان واعادة تشكيل النظام العالمي الجديد بقيادة امريكا بالحملة الصليبية. ولكن سرعان ما تراجع عنه فقد أدرك بأنه قد أفشى بالسر، فالحملة الصليبية تعني اول استعمار اوربي للعالم وكما قال عنه ماركس ان العصور الوسطى رافقه "عرض همجي شرس". وهو نفس العرض العسكري في العصر الحديث لبوش في العراق وافغانستان، ونفس ما تسعى اليها ادارة ترامب في ان تبدئ به. ولم يتردد رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون في رده على العمليات الارهابية في اوربا بأنه يجب الاحتفاظ بالهوية المسيحية لاوربا.
وعندما تصنف على اساس الهوية الدينية، ويسمح لك من خلال تلك الهوية بالدخول الى العالم الحر، فيعني ان العالم الحر نفي عن نفسه حرا وتراجع قهقري الى القرون الوسطى عندما كانت هناك محاكم التفتيش بقيادة الكنيسة، كما اراد بالأمس بوش الابن وكاميرون واليوم ترامب، تقوم بتفتيش العقائد، وتسأل عند بوابات الحدود والمطارات والموانئ انك مسلم او مسيحي، وتجبر على انتحال هوية دينية وعلى الاغلب مزورة و(خاصة هويات الملحدين واللادينيين الذين يزداد عددهم بشكل يرعب الكنيسة والازهر والمرجعية وحراس مكة)، كي تتمتع بأدنى حقوق الانسان وهو حق العمل والسكن والسفر وحق ان تكون بعيد عن اخطار الحروب والدكتاتوريات والحصار الاقتصادي.
فتخيل كم تبلغ كمية القذارة والنفاق البرجوازي في شخص مثل مادلين اولبرايت، جزارة اكثر من ٢ مليون من اطفال العراق، عندما تعلن بأنها تسجل نفسها مسلمة لو منع ترامب المسلمين بالدخول الى الولايات المتحدة الامريكية. اي انها تتمسك بترسيخ الهوية الدينية، وكأنها كانت تعرف بأن الاطفال الذي ماتوا جراء الحصار الاقتصادي لم يبلغوا سن الرشد كي يختاروا ديانتهم او عقائدهم، ولذلك ان موتهم يستحق ثمن لسياسة الادارة الامريكية تجاه العراق، كما صرحت عندما كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية في ادارة كلنتون في مقابلة تلفزيونية.
ان شعارات "امريكا اولا" و"الحرب على الارهاب" و"الحملة الصليبية" و"حرب الحسين على يزيد" و"قتل الرافضة" و"الحفاظ على هوية اوربا المسيحية"، هي جميعها شعارات تخفي ورائها اجندة قومية للهيمنة الاقليمية والدولية. ان سلب الهوية الانسانية من البشر الذي يعني بالتحليل الاخير هو سلب الهوية الطبقية، هو استراتيجية البرجوازية في ادامة هيمنتها الطبقية على المجتمعات. فأدارة ترامب لم تحرك ساكنا في جلد العمال في السعودية ولم تسال عن هوياتهم الدينية فيما اذا كانوا مسيحيين كي يسمح لهم بالدخول الى الولايات المتحدة الامريكية، كما ان ادارة بوش الابن لم تحاسب الشركات الى ابتلعت اجور العمال المهاجرين غير الشرعيين الذي قاموا بأعمار نيو اورلينز بعد اعصار كاترينا، بل وابعد من ذلك حيكت المؤامرات ضدهم للقبض عليهم وترحيليهم للتنصل من عدم دفع اجورهم، كما تريد ان تفعل اليوم ادارة ترامب.
ان الانسان هو اثمن رأسمال كما قال ماركس، ولكن البرجوازية مسخت هذه الهوية بترهات القومية والديمقراطية والدينية والطائفية، كي تحول الطبقة العاملة والمجتمع الى حمقى وعديمي الارادة واداة في قتل العمال بعضهم للبعض، بينما تعقد الصفقات تحت تلك العناوين المذكورة كما هو الحال بين ترامب واردوغان وسلمان والعبادي لاقتسام الارباح والسلطة والامتيازات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأَخ سمير عادل المحترم
بارباروسا آكيم ( 2017 / 2 / 13 - 00:30 )
لقد بحثت عن مناظرتك على قناة الحرة ولكنني لم أَجدها على اليوتيوب
هل يمكن أَن تضع رابط المناظرة مشكوراً
ولكم جزيل الشكر والتقدير


2 - عزيزي
سمير عادل ( 2017 / 2 / 13 - 14:35 )
عزيزي الكريم.. في الحقيقة هو موجود على سيدي وليس الان تحت يدي سأحاول ان اجده وارسله لك

مع التقدير

اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟