الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


8 شباط وعمليه الهدم المنظم للمؤسسة العسكرية

سعد العبيدي

2017 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


انتهى الخلاف الفكري، الشخصي، السياسي، الوظيفي، العسكري القائم بين قاسم وعارف بعزل الاخير، واجباره على البقاء في البيت، في الفترة الزمنية التي ضعفت فيها قدرة الاول في الضبط والسيطرة، عسكريا وسياسيا، نتيجة التنحي الطوعي والجبري للزملاء العسكريين المشاركين بالانقلاب والمؤيدين لحصوله. وكتحصيل جانبي للتفرد بالقرار. والعزوف عن الانتقال الى الديمقراطية. في ذات الفترة التي قويَّ فيها العسكر السياسي، وبرز على السطح تناقص التأثير الشيوعي في القوات المسلحة، وتناقضات مواقفه التي اثارت قاسم بالضد من تنظيماته. اذ وبعد ان كانت اعداد الضباط الشيوعيين في القوات المسلحة بعد العام 1958، كبيرة بالمقارنة مع عدد المنتمين الى أحزاب سياسية أخرى، وبعد سيطرتهم على اهم المناصب في القيادة العسكرية، مثل القوة الجوية والانضباط العسكري، والحركات العسكرية ومحكمة الثورة، وقيادة بعض الوحدات، الا انها اعداد لم تستطع تأثيراتها، وسيطرتها الوقوف بالضد من تغيير قاسم لموقفه منهم وتنحيه عن دعم خططهم بعد احداث كركوك الفوضوية. وسعيه لادخال آخرين في توزيع المناصب العسكرية، لاغراض التوازن معهم من ذوي الاتجاهات القومية العربية، بنفس الوقت الذي وقع فيه الحزب الشيوعي في تناقض الموقف من قاسم على المستوى الاممي حيث الرغبة الملحة للسوفييت الوقوف معه، وقناعة القواعد العاملة للحزب في القوات المسلحة بعدم جدوى مسايرته، بل وضرورة الانقلاب عليه بحركة تصحيحية..... تناقض ابقى الشيوعيين في حالة حيرة مقلقة، وابقت قاسم في توتر وخشية الانقلاب عليه من قبلهم، فكونت بالمحصلة ثغرة بين الطرفين المتحالفين وجوبا. استفاد منها البعثيون والقوميون العرب الحاصلون على دعم خاص من جمال عبد الناصر وقوى غربية، والساعين الى توسيع خلاياهم التنظيمية في الجيش بعد تخرج بعض الشباب الحزبيين من الكلية العسكرية التي دخلوها مع موجة التوسع والانفتاح التي اعقبت انتهاء الحكم الملكي. لقد فتح الشيوعيون العسكريون باختلافاتهم الحاصلة فيما بينهم لما يتعلق بالزعيم، واختلافاتهم معه، كما ورد اعلاه، ثغرة في الجدار الامني للحكومة، استغلت لتنفيذ انقلاب عسكري، على طريقة التوافق المصلحي بين عبد السلام، العسكري الطموح، المنفذ للصفحة الاولى والمهمة للرابع عشر من تموز، يرى نفسه متضررا من نتائجها، الاحق في سلطتها، والأكفا بمنصب رئيسها، وربما، الفرصة المناسبة للانتقام من الصديق الذي نحاه جانبا. وبين البعثيون القوميون الوحدويون المنظمون في الوحدات والدوائر العسكرية، بلا رمز قيادي، مهيأ لقيادتهم، قادر، باسمه وتاريخه، على تهدئة مخاوف الشارع، وتلطيف الاجواء المشحونة مع دول الاقليم، وقيادة ضباط الجيش المطلوب رضاهم وتأييدهم لكل خطوة تغيير مقبلة. فكان الاتفاق بين الطرفين هو الانسب لتنفيذ الاهداف المشتركة على اقل تقدير، فجاء اتفاقا حذرا، بنوايا احتواء مستقبلي مبيت على الاغلب من كلا الطرفين، دفعهما الى التوسع في الاتصالات الجانبية مع الأطراف العسكرية "الضباط في المناصب ذات التأثير والنفوذ" باتجاه التكتيل للقيام بفعل التغيير أو الحيلولة دون حصوله، ففتحت شقوق في هيكلية البناء العسكري، توسعت بالتدريج، فكان الانقلاب الذي شارك في طرفه البعثي ضباط أهمهم العميد احمد حسن البكر (المحال على التقاعد) والعقيد الطيار الركن حردان عبد الغفار، والمقدم الركن صالح مهدي عماش والمقدم طاهر يحيى، والمقدم المظلي عبد الكريم مصطفى نصرت، والنقيب الطيار منذر الونداوي وآخرين برتب أقل. اما الطرف القومي "تنظيم القوميين العرب" فكان من بينه ضباط قادة منهم العميد الطيار الركن عارف عبد الرزاق، والعقيد الركن صبحي عبد الحميد، والعقيد الركن عبد الكريم فرحان، والمقدم الركن عرفان عبد القادر وجدي، وشخصيات عسكرية اخرى مستقلة مناوءة للشيوعين او معادية للزعيم، مثل العميد الركن عبد الغني الراوي والعميد رشيد مصلح وآخرين.
لقد اختار الانقلابيون الساعة التاسعة من يوم الجمعة 8 شباط، الموافق 14 رمضان، لتحريك قطعات عسكرية هاجمت واحتلت الاذاعة، واخرى من الدبابات طوقت وزارة الدفاع، في الوقت الذي اغارت فيه طائرات مقاتلة من السربين السادس والسابع من قاعدتي تموز الجوية في الحبانية والحرية في كركوك على وزارة الدفاع، فَشَلّتْ قدرتها الدفاعية والقيادية، وبنفس الوقت هاجمت مجموعات بعثية قادة عسكريين محسوبين على الحزب الشيوعي، مثل العميد الطيار جلال الاوقاتي، قائد القوة الجوية واغتالتهم في بيوتهم. عندها حاول قاسم المقاومة، وحث الجيش والجماهير للوقوف معه، الا انه رفض تسليح الجماهير اليسارية الداعمة لبقاءه، وعجز عن ارغام بعض الوحدات المعنية بخطة أمن بغداد، على تنفيذ الاوامر الصادرة لها بمقاومة الانقلابيين. وبالتالي فشل في الاستمرار بالمقاومة، بعد ان ادرك سرعة انحياز بعض الضباط القادة والآمرين الى خصمه، فاضطر الى الاستسلام بحدود الساعة الواحدة من ظهر اليوم الثاني، فنقلَ مع المهداوي وطه الشيخ، بناقلة اشخاص مدرعة الى دار الاذاعة التي فتح فيها الانقلابيون مقرهم، وشكلت محكمة خاصة برئاسة العميد الركن عبد الغني الراوي الذي اصدر حكمه بالاعدام بدقائق، قيل عنها، ان عبد الغني الذي تلى قرار الحكم هو من اشترك في تنفيذه باطلاق النار على المذكورين.
ان محاكمة القائد العام للقوات المسلحة، من قبل ضباط ينتسبون اليها، في احد استوديوهات الاذاعة والتلفزيون، وتنفيذ الحكم بنفس الزمان والمكان من قبلهم ايضا، كوّن واقعا مخلا بمعايير القيادة، واسلوبا انفعاليا عدائيا رافق مسيرة القوات المسلحة من ذلك التاريخ حتى أنتهاء بنيتها التنظيمية، وما زالت بقاياه ماثلة في عقول العديد من المنتسبين، اذ شهدت المسيرة الكثير من مثل هكذا تجاوزات في ميدان المعارك العسكرية والسياسية.
لقد نجح الانقلاب، وتشكل مجلس لقيادة الثورة اشترك فيه ضباط من التنظيم السابق للضباط الاحرار. لكن حمى التسابق والصراع من اجل السيطرة والنفوذ عطلته تماما، وعطلت منصب رئيس الجمهورية، الذي لم يكن فاعلا طيلة الاشهر التسعة التي مثلت عمر نظام جديد، لم يشهد استقرارا بسبب شدة التناحر والتدافع على السلطة، اذ اقصيَّ القوميون، ونُحيَّ جانبا الرئيس، واندفع البعض من البعثيين الى التمرد على قياداتهم. وبسبب قلة الخبرة الادارية والسياسية لجناح البعثيين الراديكاليين الساعين الى التفرد بالحكم. فكان حزب البعث بعد نجاح انقلابه، كمن يتسابق مع غيره وحتى مع بعض اركانه لاستكمال سيطرته على السلطة، ونسق خططا لاقصاء الضباط القوميين بعد ان اجتث الشيوعيين جذريا، وحاول التخلص من عبد السلام شخصيا. وكان السباق الجاري بين الاطراف، لا يقتصر على زرع الخلايا الحزبية، ونقل الضباط البعثيين لاستلام مناصب مهمة، بل وحتى باتجاه الازاحة والتصفية، اذ اصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة البيان رقم 13 الذي سمح للجيش والحرس القومي والشرطة، بالقتل الفوري لكل من يقف بوجه الانقلاب دون اية مساءلة قانونية. فحدثت مجازر للشيوعيين والقاسميين داخل المؤسسة العسكرية وخارجها، حتى تردد كثيرا ان الحزب في انقلابه هذا جاء ليقوم بدور دولي "غربي" محدد هو ابادة الشيوعيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استئناف مفاوضات -الفرصة الأخيرة- في القاهرة بشأن هدنة في غزة


.. التقرير السنوي لـ-مراسلون بلا حدود-: الإعلام يئن تحت وطأة ال




.. مصدر إسرائيلي: إسرائيل لا ترى أي مؤشر على تحقيق تقدم في مسار


.. الرئيس الصيني يلتقي نظيره الصربي في بلغراد ضمن جولة أوروبية




.. جدل بشأن هدف إنشاء اتحاد -القبائل العربية- في سيناء | #رادار