الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوب هانسون وتمرد الشفاه الحمراء

سعاد جبر

2006 / 1 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قراءة سيكولوجية في نص الشفاه المفقودة لفوب هانسون

يشكل نص " الشفاه المفقودة " لفوب هانسون* مادة إبداعية مترعة بانعكاسات سيكولوجية ، وتعد من المواد الأدبية الثرية إبداعاً ورؤية ذاتية عميقة في إسقاطات الأنا والزمان والمكان ، حيث تدور فيها محاورة حادة بين (الأنا العليا) المتمثلة بذاتية الشاعر و(الهو الدفين ) في أعماق تلك الذات ، الذي يكاد ينتفض من اسر الجسد ، ويتفاني جلدا للخروج منه إلى أعماق الهروب ومساحات لاتنتهي من الأسقاطات
ويشكل النص مادة إبداعية في التعبير عن حالة احتدام الصراع بين التقليدي المألوف واللاعادي الدفين ، وتتشكل رمزيته من خلال الصراع بين (الأنا العليا) لذاتية الشاعر و(الهو) الدفين في أعماق اللاشعور ، من خلال استرة تلك المحاورة الشعرية الحادة بينهما
وتتفتح أكمام تلك المحاورة في عين شمسها في الهروب ولغة الأسقاطات من خلال حراك الشفتين في النص
تهددني شفتاي بالهرب مني
وبالاختفاء دون أن تتركا أثرا
وبالسقوط من فمي إلى الأبد
وهنا تبرز حدة تلك المحاورة من خلال غضب الأنا العليا للشاعر بين ثنائية الرفض للانفصام وحرارة الاعتداد بالذات رغبة للبلوغ بهما إلى جسر التفاهم
فأصرخ : انتظرا لا تتركاني
وأحاول أن اضربهما بإصبع احمر الشفاه
لأجعلهما تفهماني
وفي ظل تلك اللغة المنغمسة في الحدة والهروب والدعوة للرجوع معا ، تتشكل آهات لغة التمرد المتعالية من قبل تماهيات الشفتان في أعماق الهو المتململ من اسر ذاتية الأنا العليا أمام رغباته الممتدة بلا حدود
وتجيبان : اتركنا وشأننا
نريد أن نرحل عنك
إلى جو دافئ طوال الشتاء
وهنا يتجدد صخب الأنا العليا أمام تطلعات الهو الغارق في أعماق الهروب
واصرخ اذهبا عني إذا
لتريا حالكما دوني
وعند ذلك المنعطف تتشكل أبعاد اعتداد الأنا العليا بممتلكاتها المادية حيث المال والسفر وزاد العمر بالحياة كما تراها الأنا العليا وترفضها الشفتان بلا توان
وابحثا عن شخص يطعمكما
وتسافران جنوبا على نفقتي
وتقيدان على حسابي نفقات الفنادق ووجبات الطعام في فورت لودرديل
واثواب السباحة واثواب الاستراحة في بام سبرنغس
وتتابع الأنا العليا في الشاعر بث مساحات ما ينتظر الشفتان في رحلة الغربة البعيدة ، حيث امتداد الرغبات المسعورة مع لغة العجرفة المقيتة
وتعودان في آذار
مفعمتين بالحيوية ، نحاسيتي اللون
وتثرثران كثيرا كثيرا
حتى للغرباء الذي تلتقيان بهم في المصاعد
والذين ينظرون إلى لوحات الطوابق في المصاعد
ويحاولون أن لاينتبهوا إلى أي شئ
وهنا تبرز في تلك اللوحة الشعرية مساحات استعار الرغبات لتلك الشفتان في رحلة الغربة البعيدة
وتقبلان في ذلك الصف اكثر مما ينبغي بكثير
الكثير الكثير من الأفواه في ملاعب التنس وغرف إيداع المعاطف
ولكن لا أحد على ما يبدو يحملهما
على ترك عجرفتهما المخيفة
وهنا تنفلت عدوات السيطرة من قبل الأنا العليا ولغة رد الاعتبار عبر معاقبة تلك الشفتان المتمردتين
وأحاول أن اتجاهلهما
فلم اعد أسيطر عليهما
ولم اطعمهما شيئا لشهور عديدة غير اللمعان
وهنا تتسع مساحات الهوه بين الأنا العليا والهو الدفين في الأعماق عبر تمرد الشفتان المتحركتين ويفتح ستار جديدة من الهروب والارتحال البعيد عن ذاتية الشاعر:
وترحلان عني في باص الجريها وند
وتعملان نادلتين : وتكلمان بغطرسة سائقي الشاحنات
الذين يشكون من كسوة فطائر الليمون بالمرنغ
وهنا تمتد لغة الحب المنكشفة بين الأنا العليا والهو في محاولة لم الشمل والتوحد من جديد
والحقهما بسيارتي الفولكسفاغن
واتوسلهما أن ترجعا
لتكملا المدرسة الثانوية
ولكن تبقى لغة الرفض والهروب هي المسيطرة على المشهد الفاصل بينهما
لكنهما تعبسان وتقولان اتركنا وشأننا
وتبرز لغة الابتزاز من قبلهما ، وان تنزل الأنا العليا عند رغبتهما طائعة لا تخالف أمرهما
أعطينا غرفة خاصة بنا فيها تلفزيون ملون
وتوقف عن سؤالنا أين نقضي الليل
لعلنا عندها أن نرجع
ويحاول الأنا العليا لملمة الأمر وتغطية المشكل وتأجيله إلى حين ركوبهما معه
وأقول لهما اركبا في السيارة
سنتحدث في هذا الأمر ونحن راكبون
وتبرز النهاية الحتمية في بقائهما غريبتين في الجسد وفي حالة احتدام الصراع بينهما ، لأنها النهاية التي لابد منها في كل جسد وروح في الوجود
وتتعانقان في المقعد الخلفي بشدة
وهذا مؤشر على بقاء لغة التمرد فيهما وتكاتفهما على مخالفة الأنا العليا ، واستمرارية حالة احتدام تعاكس الرغبات سرمدا بين الأنا العليا والهو الدفين في أعماق اللاشعور
عابستين مغمغمتين لاتبوحان بشيء
ويمكن تحديد السمات الآتية للنص
ـ يعبر النص عن تمادي رغبة (الهو) الدفين في الأعماق نحو البهجة والرغبات المستعرة في عوالم الحظ والتحرر من لغة المسؤولية ، في حين لايمكن للانا العليا إلا نهج العقلانية والمسؤولية ، والرغبة الجامحة بالسيطرة على الهو ولملمته في ذاتية متسقة أمام الأخرين بغض النظر عما يدور في الداخل
ـ تعبر حالة الصراع بين الأنا العليا والهو الرومانتيكي الدفين عن حالة الانفصام بين الألترام واللامسؤولية والعادي التقليدي وغير العادي المفتح والكبت والحرية وهذه في حسابات عوالم اللاشعور وان كانتا تبتدى في الظاهر انه بإمكانهما التعايش معا
ـ تشكل الشفتان رمزية خاصة للرغبات المستعرة بلا حدود وكسر الحدود وتتمثل الأنا العليا بالنص في اللغة العقلانية التي تلتزم العرف والمسؤولية والنسق الطبيعي المعتاد في الحياة
ـ تبرز في النص اللغة العفوية الجذابة في إبداعية رمزية معبرة ، وفكرة لامعة وعاطفة متقدة بالمشاعر ، وانسيابية في الصور الرمزية تؤجج التشويق للمتابعة من قبل القارئ

وفي نهاية تلك المحاور الحادة الجياشة عبر إبداعات فوب هانسون ، احيي قارئ تلك اللوحة الشعرية السيكولوجية وكل مار عليها ، وعلى الحب والسلام أودعك أيها القارئ العزيز وعليهما ألقاك في واحة أدبية مستجدة بلآلئ الإبداعات
..................
* نشرت هذه القصيدة للشاعر فوب هانسون عام 1974








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24