الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشمس قد تشرق .. من تونس!! .... (5).... تراجع المشرق .. صعود للمغرب العربي!.

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2017 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


((لكن ما هي هذه الانقلابات المناخية التي عصفت بالمنطقة العربية؟؟..ومن ثم ما هي تأثيراتها الفكرية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية، التي عصفت بــ "المشرق العربي" وجعلته يفقد دوره وقيادته للمنطقة العربية؟؟.. وبالنتيجة جعلته يفقد حتى سيادته وهويته واستقلاله؟؟))
***
هناك دائماً علاقة واضحة بين البيئة الطبيعية والطبيعة الأخلاقية للمجتمع.. فأخلاق مجتمع في بيئة صحراوية مثلاً، ليست كأخلاق مجتمع في بيئة حضرية أو جبلية ولا حتى بيئة ريفية.. فهناك تباين بين الأخلاقيتين وتباين في الطبيعيتين وتباين في القدرتين على الفهم والاستيعاب والخلق والإبداع، الشخصي والجماعي والحضاري العام!.
وتنسحب هذه القدرات المتباينة بين هذه الأطراف المختلفة على كل مجالات الحياة الأخرى، من قيم روحية ومفاهيم اجتماعية وأبنية فكرية ومنظومات معرفية وتصورات عقلية، عن والوجود والكون والحياة الدنيوية والآخروية وعن الآخر أيضاً.. وجميع هذه المفردات الوجودية تنعكس ـ سواءً كانت سلبية أو إيجابية ـ على طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة داخل مجتمع ما، وعلى علاقاته الإنتاجية المادية والمعنوية والمعرفية..لأنها بمجموعها هي التي تعطيه ثقافته وحضارته وطبيعتها النوعية، وهي التي تحدد للمجتمع مجمل قيمه وتقاليده وسلوكه وعلاقاته وأنشطته الاجتماعية والاقتصادية والروحية المختلفة!.
وكل هذا راجع لظروف بيئية وطبيعية وليس لأسباب جينية أو عرقية، كما يروج لها العنصريون الشوفينيون في الغرب!.

وقد لاحظ الفيلسوف (وايتهيد) بأن:
 ))الاستقرار النسبي لقوانين معينة من الطبيعة ونواميس أخلاقية معينة وهم كبير))(1)
بمعنى أن قوانين الطبيعة وكذلك النواميس الأخلاقية للمجتمعات في حالة تغير دائم، وأن لا ثبات لأيٍ منهما، وإن كان لا يؤمن بوجود علاقة ما تربط الاثنين ببعضهما!.

ويمكن الادعاء: بأن التغير الذي يطرأ على قوانين وشروط الطبيعة المادية، يمكن أن تتغير على أساسها القيم الأخلاقية للمجتمعات، وكذلك القيم الحضارية وجميع النشاطات والفعاليات الإنسانية الأخرى!.
وعلى العكس من هذا، فإن قوانين الطبيعية وشروطها المادية من المستحيل أن تتغير، بناء على تغير النواميس الأخلاقية والقيم الاجتماعية في المجتمعات الإنسانية، كما يتصورها البعض من المثاليين والغيبيين، الذين يربطون الأرض بالسماء بوشائج ليست مادية ولا طبيعية، ويقلبون الصورة الحقيقية لهذه العلاقة الحتمية المتبادلة!.

ومن الطبيعي أن المجتمع الذي لا يستشعر ـ كما أثبتت تجارب الكثير من الشعوب ـ تغير شروط البيئة الطبيعية ويتكيف معها، ويغير على أساس منها طبيعة بيئته الاجتماعية، فإن هذا المجتمع سيدفع ثمن انعدام هذا التغير ألقيمي والمفاهيمي ومن ثم والاجتماعي.. يدفعه تخلفاً وفقراً وضياعاً في دهاليز الماضي، وهيمنة مطلقة لهذا الماضي على حاضره، وربما يتعرض إلى استلاب واحتلال خارجي!.
***
وبالرجوع إلى الماضي يمكن الإدعاء، بأن الدعوة الإسلامية قد نزلت في ظل ظروف بيئية طبيعية وبشرية واجتماعية معينة ومناسبة على جميع هذه المستويات، وانتشرت في الشرق وفي بعض أجزاء من الغرب، في ظل تلك الظروف البيئية الطبيعية والبشرية والاجتماعية المناسبة، فازدهرت الحضارة العربية الإسلامية تحت وضع استقرار وثبات ظروف تلك البيئة، الطبيعية والبشرية والاجتماعية المناسبة!.
لكن تلك البيئة الثلاثية الرؤوس أخذت تفقد استقرارها النسبي ـ في المشرق العربي خصوصاً ـ وبدأت تتغير تدريجياً وموضوعياً، وعلى إثرها أخذت الحضارة العربية الإسلامية تفقد زخمها الإبداعي تدريجياً، وتتباطأ في سيرها التصاعدي، ثم أخذت تتدهور سريعاً، في ظل بيئة مختلفة تماماً، عن بيئة نزول الدعوة الإسلامية!.
لكن العرب والمسلمين لم يستشعروا هذا التغير الهائل في بيئتهم الطبيعة، ولم يتجاوبوا مع شروطها الموضوعية، فدفعوا ويدفعون الآن ثمنه مضاعفا، على جميع المستوياتً الإنسانية، في ظل ظروف تغيرت تماماً..بشرياً واجتماعياً وطبيعياً أيضاً:

 فالتغير البشري : مثله تحدي خارجي بعنوانين مختلفين:
عنوان ديني: مثلته الحروب الصليبية! .
وعنوان عرقي: مثلته الاجتياحات المغولية للشرق المسلم، ثم اجتياح بغداد عاصمة الأمة الإسلامية برمتها!!
 واجتماعياً تمثل : بأن ذلك العدوان الخارجي الطويل المزدوج [صليبي/مغولي] ـ لأربعة قرون متتالية ـ قد أدى إلى تفكك بنية المجتمعات العربية والإسلامية.. ففقدت على إثرها وحدتها لحمتها الاجتماعية ووحدتها الدينية ـ التمزق مذهبياً ـ وعادت أغلبها إلى حالتها ـ الوثنية أو الجاهلية أو ما يشابهها ـ السابقة للدعوة والحضارة الإسلامية!!
 وطبيعياً: تمثل بتغير المناخ والبيئة الطبيعية لعموم المنطقة العربية والمشرق العربي بالذات تغيراً هائلاً، لكن لم يستشعر بهذا التغير أحد، ولم يشير إليه أو يضعه في الحسبان..فأخذ التصحر البيئي يزحف عليهما بسرعة فائقة، تبعه تصحر عقلي وروحي واجتماعي وحضاري:

فلو إننا أخذنا رواية تأسيس مدينة بغداد واتخاذها عاصمة للدولة العباسية كمثال، لأرعبتنا سرعة وقوة التغير في المناخ والبيئة الطبيعية الهائل في محيط بغدا الصغير، وتأثيراته اللاحقة على البيئة الاجتماعية والحضارية في هذه المنطقة!.
وسنرى حجم الكارثة البيئية التي حلت بها، والتي تسببت بكوارث مماثلة على جميع المستويات العقلية والروحية والاجتماعية والحضارية..وتسبب لاحقاً، بانتشار التمزق الاجتماعي والديني والتفسخ الأخلاقي والأسري، وتعميم للفقر والتخلف والاستبداد الشامل، الذي ورثته عنها أنظمتنا العربية الحالية دون استثناء!.
تقول رواية تأسيس بغداد، وهي رواية مسندة في معظم الكتب التراثية والحديثة..تقول:
حينما أراد المنصور بناء عاصمة جديدة للدولة العباسية الفتية، استشار بعض العلماء في اختيار مكان جميل معتدل الحرارة وطّيب الأجواء ونقي الهواء قريب من دجلة ويتوسط العراق.. فاقترح عليه بعض العلماء، القيام بتجربة علمية لاختيار المكان الذي يطلبه بهذه المواصفات:
وكانت تجربتهم العلمية هذه تتلخص بوضع قطع من (اللحم النيئ) في أماكن متفرقة من وسط العراق، ثم أخذوا يتفقدونها يومياً . فوجدوا أن قطع اللحم هذا أخذت تتعفن بالتدريج منطقة بعد أخرى إلا منطقة بغداد، فقد كانت هي آخر المناطق، وتأخر تعفن اللحم فيها لمدة طويلة لطيب مناخها .
بالإضافة إلى أن منطقة بغداد كانت تحوي كثيراً من المواصفات التي طلبها المنصور..فهي تقع على نهر دجلة ووسط حدائق ومزارع غناء وغابات نخيل كثيفة، جعلت حرارتها معتدلة وهوائها نقياً والعيش فيها طيباً وهنيئاً..فتم اختيارها عاصمة للدولة العباسية الفتية أنذك لمميزاتها هذه!.
وكتب التاريخ مليئة بالتغزل ببغداد، لجمالها وطيب مناخها واعتدال أجوائها وذكاء أهلها ومزاجهم المنشرح دائماً، حتى أصبحت مضرب الأمثال في كل شيء جميل ورقيق وذكي ومتحضر ورفيع المستوى، وأصبح الانتماء إليها والسكن فيها شرفاً بعيد المنال، وأصبحت تضرب بها الأمثال!.
فأخوتنا المصريون مثلاً: لا زالوا لحد الآن يضربون بها الأمثال فيقولون: " يتبغدد "..بمعنى يدعي أنه من أهل بغداد أو يدعي انتسابه إليها.. وهو مثل يضربونه لكل شخص يرفع من قيمته الشخصية وينسبها إلى غير حقيقتها الواقعية، فينسب نفسه إلى بغداد عاصمة الدنيا وملكتها المتوجة أنذك!.
ولا زال البعض يعيش تلك الصورة الوردية لبغداد وينسب نفسه إليها كالإرهابيين (أبي بكر البغدادي) وسلفه (أبي عمر البغدادي) قائدي حركة داعــــــــــــــش الإرهابية، دون أن يكونا منها!.

لكن بغداد العظيمة هذه، لو تكررت تجربة المنصور نفسها، أو طلب (منصور آخر) الآن مثل طلبه.. فهل سيختارها أحد لتكون عاصمة لدولة عادية، وليست لدولة عظمى كدولة بني العباس؟؟
لقد فقدت بغداد اليوم كل مميزاتها تلك، وأصبحت بوابة من بوابات الجحيم.. فدرجة الحرارة فيها تصل إلى أكثر من خمسين درجة مئوية في الظل، وأكثر من سبعين درجة مئوية تحت أشعة الشمس صيفاً!!

لقد جارت الطبيعة على بغداد وجعلتها قطعة من الجحيم، وجار عليها البشر كـ [التتار والمغول والبويهيين والصفويين والعثمانيين..إلخ] وجار عليها حديثاً الانكليز ثم الأمريكيون، وجار عليها قبل كل هئولاء وبعد كل هئولاء أهلها العباسيون، ومن يعدهم أهلها المعاصرون ملكيون وجمهوريون.. ثم سقطت سقطتها الأخيرة على يد البعث وصدام حسين، ومن جاء بعدهم من سكان المنطقة الخضراء!!
لكن..خلف كل هذا السقوط المدوي لبغداد، كانت للطبيعة وتقلباتها الكونية وللمناخ وتقلباته المحلية الدور الأكبر في سقوط بغداد، وفقدانها لأهميتها العلمية والثقافية والحضارية والدينية والسياسية، وحتى السكنية.......إلخ

ووضع بغداد هذا يمكن أن يجيب على تساؤلات (جون لويس) الواردة في كتابه المهم ((الإنسان دلك الكائن الفريد)) .. فهو يتساءل؟:
 ((إذا كانت الطبيعة البشرية مسؤولةً عن جميع المشاهد المتغيرة في تاريخ العالم ، فلماذا يوجد العديد جداً من تفاسير هذه المشاهد ، تلك التفاسير المختلفة بل المتناقضة في الحقيقة ؟ ولماذا يتغير التاريخ تغيراً شديداً جداً ؟ وكيف نفسر تفوق العالم العربي في البحث العلمي ، بالمقارنة مع أوربا ، قبل ألف عام ، وانتكاص هذا اليوم ؟))*(2)
***
لقد كان سقوط بغداد على يد [المغول/التتار] قبل سبعة قرون ونصف، هو البداية الحقيقية لتراجع " المشرق العربي " برمته وفقدانه التدريجي لقيادته وريادته الحضارية والثقافية والعلمية، عربياً وإسلامياً وعالمياً.. ثم تمزقه اجتماعياً وجغرافياً، وأخيراً تفجره دينياً ومذهبياً وطائفياً وإثنياً وإرهابياً!.
ولهذا فقد "المشرق العربي" ليس دورة القيادي والريادي فقط، إنما فقد وجوده ذاته، وأصبح تابعاً صغيراً لقوى دولية وإقليمية فاعلة في المنطقة!!
***
الحدث المهول الآخر الذي يأتي بعد تغير المناخ، والذي أفقد المشرق العربي مركزه العالمي المحوري، باعتباره مركز العالم القديم ومحور حضارته وتجارته، هو اكتشاف طريق "رأس الرجاء الصالح" ـ كانت العرب تسميه رأس الذئاب ـ وتَغْير طُرق التجار العالمية عن المنطقة العربية برمتها، مما أدى بالنتيجة إلى فقدانها لأهميتها التجارية العالمية ولطرق مواصلاتها الإستراتيجية، كمتحكم بهذه الطرق وكمصنع ووسيط تجاري بين الشرق والغرب!
وقد تسبب هذا التحول الإستراتيجي الجغرافي والتجاري الكبير بإفقار المنطقة وسكانها العرب بعمومهم.. وقد إصيبت مصر بالذات ـ التي ورثت قيادة الأمة بعد سقوط بغداد ـ بالتأثير الأكبر لهذا التحول الإستراتيجي في طرق المواصلات العالمية!. وكان هذا التحول الكبير في طرق المواصلات، سبباً مباشراً لسقوط " الدولة المملوكية " فيها، والتي لعبت أخطر الأدوار أثناء الحروب الصليبية، وفي تشكيل بنية المنطقة فيما بعد.. لفقدانها للموارد اللازمة لإدامة حياتها وحروبها ووجودها!!

وكان تدهور المشرق العربي قد ترك فراغاً هائلاً في المنطقة والعالم، وهو الذي فسح المجال واسعاً لقيام (الدولة العثمانية) على أطرافه وأطراف آسيا وأوربا، لتلعب دور "المشرق العربي" الأول القديم، في هذه المنطقة والعالم!!
ومع قيام الدولة العثمانية تراجع الوطن العربي بمشرقه ومغربه وفقد دوره تماماً، ليصبح بعدها جزءاً من هذه الدولة المترهلة، والتي لا تملك أصولاً عرقية ولا تراثاً لغوياً أو حضارياً أو تاريخياً في هذه المنطقة، فعمر استيطان الأتراك لهذه المنطقة لا يتجاوز الثمانية قرون..ولهذا استعارت هذه الدولة الجديدة معظم مقومات وجودها الأساسية، من مفردات لغوية ومفاهيم اجتماعية وقيم حضارية من المشرق العربي ذاته!!
***
وما دام المشرق العربي قد وصل إلى هذه الدرجة من الضياع، وفقد دوره الطليعي في المنطقة والعالم، فآن للمغرب العربي أن يأخذ دوره ويحل محله في قيادة الأمة العربية!.
والمغرب العربي مؤهل للعب هذا الدور الكبير لعدة مميزات ومؤهلات موضوعية تتوفر فيه!. ولتونس بالذات دور قيادي (تنويري) كبير، وسط هذا الدور ألمغاربي الكبير!.
وبدون هذا الدور المغاربي الكبير، فإن هذه الأمة ضائعة لا محالة.. حسب جميع المعطيات المرئية والمطروحة والمحتملة!.
[ يــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــع ]
[email protected]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جون لويس: كتابه " الإنسان ذلك الكائن الفريد "
(2)جون لويس: كتابه " الإنسان ذلك الكائن الفريد "
*إن (جون لويس) في تساؤلاته هذه يرد على أولئك العنصريين الغربيين، أصحاب مدرسة (تفوق العنصر الأبيض) على باق العناصر البشرية، وإنه خلق لقيادتها والأخذ بيدها في مدارج الرقي والتطور الحضاري!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التونسي قيس سعيد يحدد يوم 6 أكتوبر موعدا للانتخابات ا


.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويعلن تحقيق انتصارات على




.. حادث طعن في مجمع تجاري في #كرمئيل شمالي #إسرائيل حيث جرح 3 أ


.. يائير لابيد: على الجيش احترام قرار المحكمة وتنفيذ قانون التج




.. المبعوث الأميركي آموس هوكستين يعقد محادثات جديدة في باريس بش