الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رَّقْشٌ على كتاب -سوسيولوجيا الجسد-

وديع بكيطة
كاتب وباحث

(Bekkita Ouadie)

2017 / 2 / 15
الادب والفن


يعدُ المترجم سفِيفَ التواصل الذهني والمعرفي بين ثقافة وأخرى، ودونه تَنْبَتِكُ الرؤى، ويختل التوازن في تقييم وتقويم الذات والآخر؛ وقد عملَ د.عياد أبلال ود.إدريس المحمدي بترجمة كتاب La sociologie du Corps لـDavid Le Breton ، يتَناول فيه الجَسدَ باعتباره تيمة اجتماعية، ويَهدف المُترجمان إلى بلورة تصور ذهني عن هذا المفهوم، وإفراز نقاش عميق وجاد بالساحة العربية، حيث الغياب شبه التام لتمثُل الجسد أو البدن، سواء بِبِنْيَتِه التراثية أو تاريخه الغربي.
يُعَرفُ الكتاب بأهم الأسماء والنظريات السوسيولوجية والأنثربولوجية، التي تناولت مفهوم الجسد في الثقافة الغربية، ويُبرزُ عملَ السوسيولوجيا باعتبارها النورَ الذي يُسلَطُ على مناطق الخلط والقطيعة والشغب واللاتوجيه؛ أزمة المؤسسات، وَقْعُ انكسار الشرعيات القديمة... ويُضيئُ جانباً من تاريخ تَيارات حديثة التزمت بخدمة الجسد، وأعلنت تشبثتها به؛ الحركة النسائية التي حَثَت على الثورة الجنسية، وحُرية التعبير الجسدي، ونشأ عنها رقص البودي آرت، ونقد الرياضة، وبروز طرق جديدة للعلاج .وتستند هذه التيارات في نموذج من نماذجها على ما حققه فرويد وبرووير من قطيعة ابستمولوجية، في مؤلَفهما "دراسات حول الهستيريا "، وأعمال كل من: إميل دوركهايم، روبيرز هيرتز، فردريك نيتشه، مارسيل موس، ن. إلياس، مشيل فوكو، جان بودريار، جيل دلوز، م. دوغلاس، ب. تيرنر، ج.سيمل، م.فياترستون، إ.هال، غ.بيردوستيل... أصبح الجسد بموجبها مادة منمذجة ومجسدة للعلاقات الاجتماعية والتغيرات التي يعرفها تاريخ كل فرد، وتَبلور بشكل ضمني خطاب، يَنظر إلى جسد الإنسان وحضوره في العالم من وجهات نظر مختلفة .
تُمَثلُ سوسيولوجيا الجسد التجذُّر البدني للإنسان في عالمه الاجتماعي والثقافي، وهي وَصف وتَحليل لتوتر هوياتي بالمكان والزمن، تَتَشكل دلالاته الاجتماعية، وتَتَحدد تفاعلاته البيولوجية؛ فهنالك تعالق مندمج ودائم بين تمثلات الإنسان عن جسده ورؤاه للعالم عند مختلف المجموعات البشرية، وكل نظام سياسي يوازيه نظام جسدي، يُعيد إنتاج كل السُّلط، نسبيا، إنه شعارُ المجتمع، وبنيةٌ رمزية كَثة، تَسِمُ التفاعلات، وفضاء للإسقاط النفسي، ورهان لضم الأشكال الثقافية الأكثر رحابة.
يقومُ فهمُ العالم على فَهم الجسد، عبر وساطة العلامات الاجتماعية، المفككة والموظفة من طرف الفاعل، فالجسدُ فصل بين الاجتماعي والفردي، بين الطبيعي والثقافي، بين السيكولوجي والرمزي؛ مُؤشر الفَرد وحَدُه وعَلامته الظاهرة، شبيهٌ بحقل قَوي يُرجع صدى كل صيرورات الحياة المُحيطة به، دائمُ الاتصال بالعالم الخارجي، يُخزنُ الذهن بالرموز والقيم، يُترجم نِتاج المتخيل الاجتماعي المتمثل في المعطيات الثقافية؛ مكوناته وعلائقيته، وهي جد متغيرة من مجتمع لآخر؛ رابطٌ في المجتمعات التقليدية والطائفية للطاقة الجماعية، يُدمجُ الإنسان رمزياً في الجماعة، ويُعيد فصلَ دائرة الشخص في المجتمعات الفردانية.
ويُمَكنُ المؤَلَف من تَبَيُّن المَنطقيات والمُتخيلات والتَمثلات الاجتماعية والثقافية للجسد، في ربضهِ الحركي؛ الألَم، المَوت، المَرض، الصِّحة، التَجميل، الحُلم، أُسلوب الأكل، اللعب، الرياضة... ويُفصح عن تَنَوع هذا الواحد، واختلاف وجهات النظر حوله، طبقاً؛ للجنس، للفئة، للطبقة... فمنها من تَعلو به إلى مرتبة المقدس، ومَن تَسفَلُ به إلى قاع المدنس، وأخرى، تُصنفه حسب نوعه، شاب، فتاة... وتُطوحُه بمنطقة البينَ بَين، وتَفصله إلى مُكونين؛ روح وجسد، وتُشَيِئهُ وتُسَلَعِهُ، مثلَ التصوير الإشهاري؛ الذي يُمثل طقسنة للمثاليات الاجتماعية المتضمنة، ويُنَقي العالم من تعقيداته، ويَصيغ نمطا معينا من الحياة، يستعمل فيه الجسد ـ السند والرمز والتبرير العقلاني ـ من أجل نقل نماذج ثقافية.
ويَتِّمُ رصد الاختلافات الثقافية في استعمالات الجسد حسب دافييد إفرون عبر ثلاثة محاور:
البُعد الزماني: مَدى الإشارات، شَكلها، تَصميم تَحقيقها، الأعضاء المستعملة، وتِيرتها.
البُعد التفاعلي: نوع العلاقة مع المخاطب ومع الفضاء والأشياء المكملة للإطار.
البُعد اللغوي: الإشارات المستقلة عن الكلام أو الحركات المصاحبة للكلام.
يمثِلُ الانفتاح العام الذي يعرفه هذا المفهوم بتاريخه الغربي، مجالاً لطرح أسئلة مماثلة ومشابهة عن الثقافة العربية، التي آياتها لم تُنْبَث بَعدُ في أغلبها، وأسئلتها عالقة، في ظل جهود ثَمينَة وعميقة بمختلف الشُعب؛ عبد الصمد الديالمي، فاطمة المرنسي، محمد أندلسي، سعيد بنكراد، أحمد شراك... إن جدل الجسد، هو حديث عن الهوية، عن ما يميزنا باعتبارنا كائنات تواصلية مساهمة في بناء هذا العالم، ومَعنية بجوهر تعقيداته وإشكالته.
يَنضاف هذا العمل لِيَزيدَ صَدع السؤال والتساؤل حول مفهوم الجسد أو البدن في ثقافتنا، فالترجمة هي استحضار للمُغَيب، نبشٌ ضمني عَن المسكوت عنه، مُقارنة بين ثقافتين، فعلُ طاقة لثقافة الذات، قراءة لما لدى الآخر، حوارٌ قبلي عن الملتقى الإنساني بِبِنياتِه وأَنساقه، رَجيعُ الثقافات المتعددة، مُشاهلة للاختلاف والإيمان بتعددنا، تقويم للقيمة.
*دافييد لوبرتون، سوسيولوجيا الجسد، ترجمة عياد أبلال، إدريس المحمدي، روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى 2013.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: خالد النبوي نجم اس


.. كل يوم - -هنيدي وحلمي ومحمد سعد-..الفنانة دينا فؤاد نفسها تم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -نجمة العمل الأولى