الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الاحتجاج و دوافعه في تونس

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو للبعض أن الشعب و البلاد يدور حول نفسه في حلقة مفرغة دون أي تغيير حقيقي ملموس. يبدو من هذه الزاوية أن مجمل الفاعلات السياسية كذلك تدور في حلقة موازية و لكن ربما بسرعة أقـل. يبدو هنا ان ليس من عماد لا نراها تربط بين الحلقـتين. و من وجهة النظر المتـشائمة فالبلاد سائرة نحو الانهيار.أما المتفائلة فترى في الأمر ضرورة المسار التاريخي نحو ردم الهوة بين الحلقـتين. و كذلك من وجهة متـشائلة فان المسألة برمتها بقدر ما تبعث على الغثيان و الغضب و الاشمئزاز و التـقزز من القردة المتـقافـزة هنا و هناك، فان المستـقبل الذي لا يمكن أن يمحو خطوات الماضي الدكتاتوري الاحتكاري للسلطة و الثروة لا يمكنه أبدا ان يقفز إلى الحالة المتجاوزة لمتون الاستعباد و الاحتـقار للكائن البشري إلا من خلال الصراع المضني بين تركيبات الحلقـتين في ذاتهما و تـناحر الحلقـتين بكليتهما من خلال الكلمة الأخيرة لكليهما المعبرة عن فعل الحلقة ككل..
و انك إذ تـتابع هذه الدهـشة الشعبية من الاتحرك الحكومي الفعلي و عدم الزحزحة نحو الأفضل، فانه لا يمكن أبدا الارتكان إلى المواقف العاطفية هنا و هناك، سواء المندفعة نحو تجريم الاحتجاجات أو تحميلها مسئولية إنهاك البلاد و الدولة التي من الممكن أن تـنهار في زيادة التوظيف و خاصة فيما يتعلق مثلا بما أطلق عليهم "المفروزين امنيا"، أو الإحساس بالجزع أمام إضراب المؤسسات الصحية، أو أي احتجاج عمالي أو مطالب بالشغل، فان العاطفية المناقضة التي قد تجدها في نفس الشخص أحيانا و التي تتحمس إلى كل احتجاج باعتباره مقاومة للتأرجح السائرة إليه البلاد نحو محو الثورة و محو جميع ما تم انجازه و محو حتى الترسيمات في العمل التي تم إحرازها بفضل الإضرابات أثناء الثورة....
و انك من هنا و هناك لا يسعك إلا بداية أن تـفكر بطريقة عقلانية لا تـشوبها شائبة اللحضوية و الجزع و الخوف، برغم أحقية تلك المشاعر و فعلها في النفوس و في بناء المواقف و الآراء..
فتلك من باب التمخضات الضرورية في عملية ولادة نظام جديد مازال يرنو إلى الظهور رويدا رويدا، و هو بالتالي و بالضرورة لن يكون إلا بالمحو للمرحلة السابقة..
و انه لمن دواعي الالتـزام بالنظرة التاريخية في كلية مسارها، أن نلج إلى تبين المسار السياسي التونسي من لحظة الانفجار الكبير للثورة إلى الآن في كونه يسير بالفعل في عمق التغيير العميق. هذا النوع من التغيير لا يتم بالرصاص و العنف و الانتـقام الدموي مثلما ما حصل في بعض الدول العربية، فذاك العنف يبطئ مسار الحدث الثوري بالرغم من كونه يظهر انه يقضي عليه، و لكن الثورة كامنة في عمق الحدث العام و الفارق في النوع و الزمنية و البديل الذي سيتحقـق. و انطلاقا من السيكولوجية العامة للشعوب و مجمل الأفكار العامة التي تـشكل دوائرها المختلفة فان الانفجار بالضرورة يخلق كواكب جديدة و لكل كوكب تركيبته المعينة الشبيهة هي في نفس الوقت بالكواكب الأخرى و المتميزة عنها، و انه لمن باب السذاجة الانطلاق في التـفكير من الثبوتيات للحالات دون التعمق لتلمس و ملاحظة مجمل الحركة التي تـنتـقل بالأمور من حال إلى حال..
فالأيام الأولى من الثورة حين كانت السلطة غير موجودة تـقريبا، كان يمكن للقوى الثورية أن تسيطر على الحكم بمجلس حكم مثلا، و لكن القوى اليسارية كقوى ديمقراطية ناضلت لأجل الحرية و الديمقراطية كانت مدركة لمضمونية اللحظة تاريخيا كحرية و كرامة، و بالتالي ذهبت إلى المطالبة بمجلس تأسيسي تكون رمزيته الأولى هي التأسيس الجديد، و الثانية هي التـفاعل الحي بين جميع القوى التي ستخلق بالضرورة ميكانزمات تحرك ديمقراطي، و ثالثها هو تعمق المسار الثوري شيئا فشيئا مما يطوره و يعـقـلنه و ينشره و يرسخه في الوعي العام.
و بعدها و بكل الإرهاق الذي عانته النفوس، فان المسار في كليته و إلى اليوم ينطق بصحة هذا الخيار المنطقي المتجاوز للنظرة الضيقة. و إنها ثورة تعترف بنفسها شيئا فشيئا بموازات نفي نفسها في حركية جدلية متطورة..
و هنا، فانه بقدر ما تظهر سذاجة الخطاب التي ترجع مشاكل البلد في الاحتجاجات، فانه تتعمق أزمة الخيارات الحكومية التي بقدر ما تجرها "ألا" إلى عدم الارتماء الكلي في الخيارات المعادية للشعب، فان الشعب الباهت المتأرجح و المتـناقض في حماسته أحيانا يتـشرب من دون أن يعي استحقاق مشاركته في السلطة و لو بالرأي و الكلام فقط. و هذا الأمر تكمن أهميته في كون جوهر العملية الثورية الديمقراطية تتسرب بوعي أو بدون وعي. فمن بين الأمثلة هي صديق لي يشتغل في إحدى المصحات الخاصة كان يعبر عن احتجاجه من إضرابات المدرسين و أي احتجاج يسمع به، و إذ به بنفس الحماسة يهلل بإضراب قطاع الصحة.. و انه لمن دواعي هذا التـناقض الحكم بالنفاقية و الأنانية و لكن مثل هذه الأحكام المعيارية لا نتوقف عندها بقدر توقـفـنا عند التـقدم الذي يظهر بطيئا لثـقافة الاحتجاج ضد السلطة..
أما الحل الظاهر للمسالة، هو أن تـنبني سلطة الشعب الحقيقية أي تعبر عنه في برامجها و خططها و برامجها السياسية.. و هنا و بالضرورة أن تكون دولة الشعب. لا نقول أن تكون سلطة بوصلتها الشعب بل أن تكون الشعب، و هنا لا يمكن الذهاب كثيرا في رقصات الدراويش، و إنما العنوان الواضح سياسيا و اقتصاديا هو أن تكون الدولة الفاعل الاقتصادي الرئيسي و ليس الاندماج في مخططات زيادة تعميق مشاكل القطاع العام و العمل على التفويت فيه. الدولة التي تضمن حقوق العمال و التي تضمن التـشاركية الفعلية مع القواعد الاقتصادية و الإبداعية.. أي بما هو الطريق الى تطابق الحلقـتين مما يكون قوة البلد.
و هذا التطابق ليس ماديا فانه يستلزم طاقة انجذاب و جذب و هو ما تصنعه الروحية من وعي و ثـقافة و خطاب سياسي راقي..فالأزمة الاقتصادية أو أي أزمة ما هي إلا أزمة فـشل سياسي و انه لمن دواعي السخرية الساذجة أن ترجع أزمة البلد إلى الاحتجاج و ليس إلى ما يدفع إلى الاحتجاج...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: اتهامات المدعي العام للجنائية الدولية سخيفة


.. بعد ضغوط أمريكية.. نتنياهو يأمر وزارة الاتصالات بإعادة المعد




.. قراءة في ارتفاع هجمات المقاومة الفلسطينية في عدد من الجبهات


.. مسؤول في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعترف بالفشل في الحرب




.. مصر تحذر من أن المعاهدات لن تمنعها من الحفاظ على أمنها القوم