الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رَقْشٌ على كتاب -التشكيل المغربي: الهوية والتجريب - للناقد وشاعر البياض بوجمعة العوفي.

*وديع بكِيطة

2017 / 2 / 17
الادب والفن


يَنبني مؤلَف التشكيل المغربي: الهوية والتجريب للناقد وشَاعر البياض بوجمعة العوفي على طرح السؤال والتساؤل؛ يَقلب المعادلة، يُخِلُ بالقاعدة وأسِّها، يَستفز قارئه؛ مجموع تَرسباته وأحكامه الجاهزة، وبَدَهيات تاريخ الفن التشكيلي بالمغرب، المُتلازبة على مدى القرن العشرين، والمُترامية بين المُلقي والمتَلقي، بين فعل الإبداع والنقد، بين الهوية والتجريب والأُفق.
يَتَجاوز العمل الفني الزَمن، ويُثَبِتُ أسئلة العالم والذات بِبِنيته، وهو محاولة للقبض على المُطلَق وتقديمه للعين، جدل بين رؤية العالم وسؤال الفن، المحكوم بثِفالِ التقابلات؛ الممكن والمستحيل...الخ. فالفن تجربة وجدانية تسمو بالروح، خَلقٌ لجمال مضاعف، عابر للظرفي، تناسق بين المتَخيل والعقل، بعث للحياة في كل قوانا الفكرية، ولعبها الحر، تضاد بين العالم والأرض، حقيقة كشف واخفاء في الآن ذاته، إظهار موجود لم يكن موجودا من قبل، ولن يكون له وجود بعد مرة أخرى، يَعرض نفسه في وجوده الخاص، يلزم المتأمل بالتوقف عنده، تكثيف للذات؛ إلى درجة أن ما صنع منه، من حجر، ولون، وطين، وكلم، لا يحظى هو ذاته بوجوده الفعلي إلا فيه، لأنه هويته.
يتساوق شِكال المُتلقي مع قضية الهوية، نظرياً وبَصرياً (متاخمة الشعر للتشكيل)، في نسيج المُؤَلَف، الذي يعتمد حِنكةُ المُحاورة، وحِبكَة عدم الإجابة؛ هل تملك العين الشغوف خارج تغريبات الأثر الفني أو مألوفيته سلطة القراءة أو تفكيك نظام الشفرات؟ فمن نحن؟ عرب، أم أفارقة، أم مغاربة أم كونيين؟ مِن أين تأتي التجارب المُجهِدة لتظل غريبة، بعيدة عن عشقنا وعن صوتها الداخلي ؟ كيف ندعو إلى الاختلاف والمغايرة والتجذير، بأدوات تنفي نسقنا الثقافي والمعرفي؟ ما العمل ؟ وسؤال الإبداع محكوم بسياق حداثة الغرب وسباقها، وبتصورات قد تكون خارجة عن سياقه التاريخي والاجتماعي ؟ وما الذي يحدث الآن في ظل هيمنة الوسائط المتعددة ؟ كيف نستثمر الفن ونجعل له أثرا داخل بنيتنا المجتمعية؟ بعيدا عن غواية الإديولوجيا المشوهة لثقافتنا.
يَتتبعُ محاور التشكيل المغربي والعَربي؛ المحور الشعبي: التشكيل الفطري؛ المحور الكتابي: الخط العربي، جماعة البعد الواحد في العراق؛ محور المنمنمات: الزخرفة الإسلامية والعمارة؛ محور التشكيل المعاصر: بتياريه البارزين: التشخيصي والتجريدي؛ ويَشُك في مدى مطابقتها للواقع؛ الذي يسير وفق رَنيم؛ التزاوج الثقافي، الأصالة والمعاصرة... وباقي الخطابات الإشهارية.
يُعرف بتجربة "مجموعة الدار البيضاء للفن التشكيلي" (" محمد شبعة "، " المليحي " و" فريد بلكاهية ") أو ما يُعرَف في بعض الكتابات النقدية والتاريخية بـ " مجموعة 65"، التي قامت بمشروع تأصيلي للممارسة التشكيلية المغربية ضمن مسعى جمالي وبيداغوجي طموح، تَمثَّل بشكل أساس في محاولة تعويض النماذج الإغريقية واللاتينية التي يتم تدريسها لطلبة الفن بنماذج من التراث المحلي؛ مثل الحلي البربري والأدوات المصبوغة والمنقوشة.
وتجَارب تشكيلية أخرى؛ مثل التجربة الصباغية للفنان " عبد الحي الملاخ "، إذ تأتي لغته التشكيلية محملة بالعديد من العلامات والرموز التي تحيل في الغالب على المخزون البصري التراثي المغربي، الغني بالمقومات والعناصر والأشكال العلاماتية والبصرية للثقافة الأمازيغية الأصيلة؛ و" يوسف الغرباوي "، الذي سعى في إبداعه إلى حوار مستمر مع فضاءات المغرب وجمهوره وإمكانات التلقي الممكنة؛ والفنان " امحمد الشريفي "، الذي مَنح نوعا من الشعرية لأعماله المنجزة بواسطة الأكريليك، عبر تجميل الوجه المتحرك والمشوش للعديد من المصائر والحيواة؛ والفنان " محمد قنيبو "، حيث جسدت مرحلة (تدوير الأزمنة ) : بحثا في الزمن وفي العلاَمة والتاريخ البصري للموروث الثقافي الشعبي المغربي، بكل أبعاده ومحمولاته الثقافية المطبوعة أساسا بسلطة الرمز وتَسييد العلامة.
ويُعدُ اختلاف أدوات العمل الفني في هذه التجارب؛ تصوير، نحت، وكولاج... إثراء للدلالة، التي ينطلق منها المتلقي في هذا الكشف المُجهِد لرمزية الأثر الفني ومَغالقه البعيدة، ومحاولتة فهم خطاب العالم واختراق الحدود الفاصلة بين الكينونة والعدم. والفن بشكل عام؛ مساهمة مباشرة في خلق عالم إنساني، كيانُ مَا ترسب من رموز، ذو وظيفة بيولوجية واجتماعية، يتصل بالحياة، المرتبطة بحركة الزمكان، تَسبر من خلاله الذات غورها، وتترجم مكنوناتها من المعاناة وانعكاسات الوجود، يحقق التماسك والتآزر للمجتمع، ويعمق جذوره، ويُشذِب انحرافاته، مثله مثل؛ الدين، القانون، الفكر... إرادة للحُلم وتَجاوز الواقع وبنائه، تذوق، متعة وإثارة وإثراء للحياة، توازن بين توتر الخيال والحس...
يَنحُو المُؤَلِفُ بمنهجه ـ علم السؤال ـ نَحوَ الكَثيرِ من المُفكرين، الذين عبروا عن عمق رؤيتهم، مثل موريس بلانشو القائل: السؤالُ هو رغبةُ الفِكر، الذي اِستشهدَ به في بداية العَمل، وهو بؤرة انطلاقه وثُقبه الأسود؛ والفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل، الذي افتتح كتابه حكمة الغرب بقول: تبدأ الفلسفة حينَ يُطرح المرء سؤالا عاما، وعلى النحو ذاته يبدأ العلم. يستندُ جوهر هذا العمل على فعل نقدي لما يسِّيحُ من توجهات، ويَدعو لإقامة تاريخ خاص ومترابط ونوعي للفن مع التاريخ العام، يُقدمه أهل الاختصاص.
*بوجمعة العوفي. التشكيل المغربي: الهوية والتجريب. منشورات ومضة. الطبعة الأولى 2013.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟