الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمر جنيف والحرب على داعش

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2017 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


استحوذت التحضيرات لانعقاد جنيف في نسخته الرابعة، الأسبوع المقبل، اهتمام الدوائر المعنية بالمسالة السورية، من منظمات ومؤسسات دولية وحكومات، إلى قوى المعارضات السورية، على اختلاف مسمياتها وبنياتها، وأضحت مسألة اختيار الوفود، تتجاوز البحث في أساسيات جنيف، دوافع انعقاده، ومبادئ التفاوض، وعلام يجب/ أو يمكن التفاوض عليه. وبلغت الخلافات درجة متقدمة بين الأطراف الراعية؛ لينسحب ذلك -بصورة تلقائية- على المشهد السوري –في ظل الهشاشة الراهنة– التي تُنذر بمزيد من التشظي الذي يقود إلى فشل جديد، مع تعثر اجتماع أستانا الأخير، وخاصة أن مقومات نجاح أي عملية سياسية غير متوفرة؛ حتى اليوم، لدى جميع الأطراف.

تحاول موسكو انتزاع أي صيغة ممكنة لاحتواء العملية السياسية، عبر لقاءات أستانا وأنقرة، بما يمكنها من التأثير في جدول أعمال ومسار جنيف 4، لكن مراميها غير قابلة للتحقق، بسبب عجز الأطراف الضامنة -حتى الآن- عن تثبيت الهدنة في المناطق كافة؛ ما يمنع مناقشة أي ملف سياسي، الدستور المقترح مثالًا. ولعل تأجيل دي مستورا مفاوضات جنيف لأيام، يستهدف منح مزيد من الوقت لموسكو؛ لمواصلة ضغطها باتجاه التوقيع على وثائق سياسية، لتجعل منها إطار تفاهم في جنيف، دون أن يتحقق أي تراجع في مواقف النظام وداعميه، وفي غياب أي مؤشر إلى بناء الثقة.

يجري ذلك في ظل انشغال كبير عما يجري على الأرض السورية، في سياق اتجاهات رئيسة ثلاثة: أولها استمرار خرق وقف إطلاق النار من طرف موسكو – نظام الأسدية، معارك حوران، والحرب على “داعش”. وفي الواقع؛ فإن أجواء التحضيرات لجنيف وأستانا، أبعدت الأنظار كليًّا عما تقترفه آلة القتل الروسية – الأسدية، خاصة في درعا، بغض النظر عن السجال العقيم حول توقيت وأهداف هجوم المعارضة، إذ يعاد فيها سيناريو الأسابيع الأخيرة في حلب، من حيث استهداف البنى التحتية، وخاصة المستشفيات، وتدميرها تدميرًا ممنهجًا، مع السعي لتطويق المناطق المشتعلة؛ بغية عزلها والاستفراد بها. وهي الاستراتيجية التي نفذها النظام في جميع المناطق. ويبدو أننا أمام جريمة كبرى جديدة تُرتكب بحق حوران، قبيل الوصول إلى جنيف 4.

أما الحرب على “داعش”، فإنها تعكس عمق الخلافات التي تتبدى مع كل إنجاز جديد يتحقق في التضييق على تنظيم الدولة، ويحرر المناطق من سيطرته، معركة الباب، وقبلها جرابلس، أدت الى احتكاك مباشر للنيات ولمخططات روسيا والنظام؛ للانقضاض على المناطق المحررة، ولا سيما أن تحجيمًا فاعلًا لميليشيات صالح مسلم، غرب الفرات، يترافق مع الحرب على “داعش”، وفي الوقت نفسه، يعزز إمكانية الشراكة الأميركية – التركية في معركة الرقة؛ ما قد يقود -لاحقًا- إلى إنشاء مناطق آمنة على الأرض، دون إعلان، برعاية أميركية – ودور تركي، وتمويل خليجي.

لقد فرضت عملية درع الفرات، تغييرًا مهمًا في رؤية واشنطن لمشاركة تركيا وفصائل الجيش الحرّ في معركة الرقة، طرفًا أساسًا، بوصفها استحقاقًا ناجمًا عن التحولات التي أحدثتها في الباب وجوارها، وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على معركة تحرير الرقة التي تدخل مرحلة جديدة، اتسمت بمؤشرين مهمين، هما: الاستهداف المحقق لمواقع للتنظيم، طالما تجنب النظام والتحالف الدولي قصفها، والأمر الثاني، هو الانتشار الذي يقوم به “داعش”، ويقوم على ترحيل قيادات مهمة خارج الرقة، ما يعني ان تنظيم الدولة الإسلامية، يدرك أنه بات يواجه تحديًا كبيرًا، تجبره على الانسحاب من الرقة –خيارًا بديلًا من المواجهة- باتجاه الشرق، خاصة بعد خسارته للطبقة، وتدمير جسور الفرات.

الجانب الإنساني غائب تمامًا في جميع التحضيرات والتفاهمات، والخلافات القائمة اليوم، والمآسي تجاوزت حدوده الذروة المفترضة، فمع اشتداد أوار القصف والتدمير، تُقفل الحدود في وجه الجرحى، ويستمر حصار المدن والمناطق، ومنع إدخال مواد الإغاثة الأساسية، علاوة على أنّ جميع الأطراف تستهدف تدمير البنى التحتية، وتستخدم مقذوفات محرمة دوليًا، وينطبق ذلك على روسيا والنظام، والولايات المتحدة التي أقرت أخيرًا باستخدام اليورانيوم المنضب في حربها على “داعش”، وهو ما تُظهره عملية تدمير مبنى المحافظة في الرقة، بصورة جليّة.

المدنيون هم -حتى الآن- أكثر الضحايا تضررًا في الحرب على الإرهاب، وفي كل الحروب “الصغيرة” الأخرى، وهم الذين يتضررون من حصار “داعش” والتضييق عليها، ومن تدمير الجسور، ومن التهجير، ومحاولات التجنيد القسري التي تقوم بها قوات “قسد” شمالي الرقة.

الحرب على “داعش”، تجري على إيقاع الجهد السياسي المتعثر، وانعكاس خلافات الأطراف، في تحقيق مصالح وأهداف سياسية، تجري محاولة حسمه على الأرض، هناك، حيث لا أحد ينصت إلى صوت الضحايا، ولا أحد يكترث للمجازر اليومية، ولا أحد يقرّ بحق ملاحقة ومحاسبة مجرمي الحرب، مع الاعتقاد الذي يترسخ بأن جنيف 4 لن يختلف عن سابقاته، لأن إشكاليات الأطراف ومعادلات الصراع، ودرجة الاستعداد للدخول في عملية سياسية، لم تتغير بعد. وأي تغيير يظل مرتهنًا لتحالفات القوى الإقليمية والدولية، وبخاصة موقف إدارة ترامب من المسألة السورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة