الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التربية والتعليم

حسين التميمي

2006 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


كنت في زيارة لصديق يمتهن الخط والرسم ، وحين دخلت الى مشغله (أو محله كما يسمى بالعامية) فوجئت بعدد لا بأس به من الورق المقوى غطى جدران المشغل ، وكلها تمثل رسوما لتجارب علمية ووسائل ايضاح من تلك التي نشاهدها حين نتصفح الكتب المدرسية بمراحلها الابتدائية والمتوسطة والثانوية ، سألته مازحا : هل عدت الى مقاعد الدراسة مجددا وتريد أن تبز كل الطلاب المساكين الذين لا يملكون قدراتك الفنية ؟ فقال باسما : لا إنما هو عمل ارتزق به. اقتربت من تلك الرسوم العلمية في محاولة لاستذكار أيام الدراسة فإذا بي أقرأ اسفل كل واحدة منها (عمل الطالبة فلانة أو الطالب فلان وبإشراف المدرسة أو المعلمة أو المعلم فلان ) فقلت لصاحبي : لم افهم بعد ما دورك أو مساهمتك في هذه الأعمال ؟ فقال : ليست مساهمة إنما أنا أقوم بالعمل كله . ولم تمض دقائق حتى دخل المشغل رجل تبدو عليه ملامح الوقار الذي ذكرني بالمعلم (أيام زمان) فطلب – بعد إلقاء التحية- وسيلة إيضاح تدعى المحسبة ، وهي عبارة عن أسلاك ومجموعة من الخرز تمثل مراتب الآحاد والعشرات والمئات والآلاف وكان يتودد لصديقي (الحرفي) ويرجوه أن ينجز العمل قبل قيام المعرض العلمي الذي سيقام بعد أربعة أيام ، وعلى الرغم من ان صديقي طلب منه مبلغ خمسة آلاف دينار إلا أن الرجل وافق على الفور ، مشترطا (فقط) أن يتم استلام العمل قبل موعد المعرض بيوم واحد ! في تلك اللحظة حركني شيء ما في داخلي ، فتخليت عن صمتي وهدوئي وسألت الرجل : لقد صرفت وزارة التربية مبلغ خمسة ملايين دينار كي ترفع العبء عن كاهل أولياء امور الطلبة ، ألا تظن بعملك هذا أنك ستحرج باقي أولياء الأمور من الفقراء والمعوزين ، لأن أبنائهم سيطالبونهم بصرف مبالغ مماثلة لهم أسوة بزملائهم ؟ فإذا بالرجل ينظر لي باستغراب وقلق وقد بدت على ملامحه تعابير غريبة تدل على الارتباك ، وقال بضع كلمات لم افهم منها سوى أنه مجبر على هذا الأمر ولا حيلة له سوى الانصياع لمشيئة إدارة المدرسة ، وبعد أن غادر الرجل المكان أنّبني صديقي (الحرفي) وهو يضحك ملء فمه ، ثم اعترف لي بعد ذلك بأن الشخص الذي أصيب بالإحراج من سؤالي هو مدير مدرسة ابتدائية وهو يمارس (بلع) المبالغ المصروفة من الوزارة على طريقته الخاصة ، ولا مني كثيرا لأنني أحرجته بسؤالي ، أما عن ابنه (أي ابن المدير) فقد اتضح بأنه طالب في المرحلة المتوسطة .
بعد ذلك غادرت صديقي وأنا أفكر بأمور عدة ، دون أن أصل الى نتيجة .. ففيما مضى ، وقبل أكثر من ربع قرن كنا نقوم بعمل نشرات مدرسية ووسائل ايضاح بجهود ذاتية ، وأذكر مرة أن أحد المدرسين منح أحد الطلاب درجة (صفر) لطالب قدم عمل فني متقن لم نكن نحن التلاميذ نقدر على القيام بما يماثله وحين استفسرنا عن الأمر قال الأستاذ : هذا التلميذ غشاش لأنه استعان برسام محترف كي ينجز العمل بدلا منه ، وأذكر وقتها أن ذلك التلميذ استمر الى نهاية السنة الدراسية وهو يتحاشى النظر في وجوهنا لأنه ارتكب عملا خاطئا كهذا .. بينما يقوم الكادر التدريسي هذه الأيام (أو السنوات) بالتواطؤ مع التلميذ كي يستنزف نقود ذويه ليحصل على درجات تقديرية تضاف الى سعيه السنوي ، وهو لم يفهم من العملية إلا قشورها ، وكلنا نعلم ان هناك فرق كبير بين أن تنجز ما عليك بيديك وبين أن توكل هذه المهمة لمحترف لا هدف له سوى الارتزاق من هذا العمل ولو قيض لأي مشرف تربوي أو مسؤول أن يزور المعارض الفنية والعلمية التي تقام لاكتشف بنفسه أن جميع الأعمال والتجارب العلمية قد قام بها شخص واحد أو عدة اشخاص (محترفون) ، ويمكن ملاحظة هذا الأمر من خلال قراءة اسم الطالب واسم المشرف لأن جميع الخطوط ستبدو متشابهة أو متقاربة ، ولا يمكن لغير المحترفين أن يقوموا بعمل مماثل .
أمر آخر يجب التنبه عليه ، وهو أمر المبالغ التي تصرف لإدارات المدارس بغير تدقيق أو محاسبة ، ويفترض بمديريات التربية في كل محافظة أن تكون لديها لجان تفتيشية لمتابعة المسارات التي تسلكها هذه النقود ، وهناك الكثير من المدارس تشكوا كوادرها التدريسية من البرد (في فصل الشتاء) ومن الحر (في فصل الصيف) لأن تلك الإدارات لم تكلف نفسها مشقة شراء مدفأة أو (مبردة) توضع في غرفة المدرسين ، فما بالك بالصفوف المدرسية التي تفتقر للكثير من الأمور وبضمنها (زجاج النوافذ) بمعنى آخر فإن تلك الكوادر التدريسية تتابع (عن بعد) أخبار استلام (الملايين) وتترقب اللحظة التي سيتم فيها .. صرف ( ولو) مبلغ يسير (في محله) لكن الأيام تمر بشتائها وصيفها ، والاخوة (المبعدون) من الكوادر المدرسية ينتظرون دون فائدة ، وكلمة مبعدون تعني هنا الأغلبية ، بينما الخواص هم غالبا المدير أو المديرة وثلة تلتف حولها .
أخيرا لا بد من القول ان الكتابة عن هذا الموضوع تحتاج الى عشرات وربما مئات الصفحات ، لذا سأوجز القول بأهمية إعادة النظر في أداء الكثير من كوادر التربية والتعليم لأن هناك الكثير من الخروقات التي تشمل مديريات التربية فضلا عن ادارات المدارس ، ولم يعد غافلا عن الآذان (الحكومية) أخبار الرشاوى والفساد الاداري ، والتي يتحدث بها الناس سواء فيما بينهم أو في وسائل الاعلام ، وأما بشأن المنح أو المصاريف التي تمنح للمدارس فيجب أن توضع لها ضوابط تقيدها وتحد من سرقتها ، ويجب عدم التحايل على قرار الوزارة بمنع استيفاء أي مبالغ من الطلبة ، لأنه وكما اسلفنا يجب عدم تكليف الطالب بعمل وسيلة ايضاح أو تجربة علمية ، إلا إذا كان هذا العمل بمجهود شخصي وبكلفة رمزية ، فالتوجه الحالي الآن لا يخلق لنا بناة مستقبل ، وإنما يخلق مجموعة من (التنابلة) يستنزفون نقود ذويهم بدلا من أن يقدحوا زناد فكرهم كي يبدعوا أعمالا فنية وعلمية بعقولهم وجهودهم الذاتية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمكة الجنائية الدولية : ما مصير مذكرات التوقيف ؟ • فرانس 24


.. ما خطط جنازة رئيسي ومن قد يتولى السلطة في إيران؟.. مراسل CNN




.. قتلى وجرحى بحادث سقوط حافلة في نهر النيل بمصر | #مراسلو_سكاي


.. قبل الحادث بأشهر.. ليلى عبد اللطيف تثير الجدل بسبب تنبؤ عن س




.. نتنياهو وكريم خان.. تصعيد وتهديد! | #التاسعة