الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع التحالف الوطني الديمقراطي للمرحلة الحالية

عبد فيصل السهلاني

2006 / 1 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق




خلال فترة الانفتاح النسبي بعد سقوط الطاغية ، افرزت الحالة السياسية استقطاباَ عميقاَ بين فئات و(مكونات)الشعب العراقي وفي كثير من المفاصل تحوٌل هذا الاستقطاب بسرعة مذهلة الى شكله العنيف والمأساوي. لقد بدأ هذا الاستقطاب ينمو بشكل مبرمج ومدروس وبسرية مخابراتيه عالية في رحم النظام الاستبدادي السابق , وبحدة اقل في ظل الانظمة السابقة ولكنه في ظل النظام الدكتاتوري والفردي اخذ طابعه العنيف من خلال استخدام مؤسسات الدولة سواء كاداة استخدام السلطة وهيبتها وسطوتها على المواطن البسيط وارهابهه ومنعه من ممارسة طقوسه واشباع طموحه وايمانه بمعتقداته او من خلال افراغ المؤسسات الحكومية الوطنية من طيف معين من اطياف المجتمع والشعب , وحرمت عليهم مواقع سيادية وقيادية عديدة مماسلب العديد من ابناء العراق شعور المواطنة وحب الوطن وبدلا عن ذلك فكر الاغلبية منهم بانهم مهددين بانتمائهم القومي وانتمائهم المذهبي , وبذلك اجبروا على الارتماء بحضن القومية والطائفية ولبوا نداء هذه المكونات الداعية الى الدفاع وتحقيق الثقافة القومية ( بحيث تحولت الى ثقافة اقرب للعنصرية منها للثقافة القومية ضمن وطن واحد ) والطائفية اكثر من ثقافة الوطن والانتماء للعراق .

وعمق هذا الاستقطاب اكثر فاكثر عوامل ولدت بعد زوال النظام الاستبدادي من اهمها, العامل الخارجي المتمثل في الاحتلال وماتبناه هذا الاحتلال من ستراتيجية تقوم اصلا على فلسفة خلق ظروف ملائمة للاستمرار والبقاء جاثما على ارضنا وهذه الاستراتيجية في الوقت الذي لم تخفى على المواطن العادي الذي تحدث ويتحدث بها بصورة مباشرة يدركها قادة المرحلة من السياسينبشكل اكثر وضوحا واكثر دقة

والعامل الاخر الذي خلقته حكومات الدول المحتلة ومن ثم اصبح واقعا هو مبدا المحاصصة الذي بني عليه مجلس الحكم وماانبثق عنه من مؤسسات حكومية لاحقة

وساهم بشكل لايقبل الشك العامل الاقليمي في تعزيز وتعميق هذا الاستقطاب الاجتماعي وذلك لغايات واهداف وتخدم نوايا الانظمة الحاكمة في منطقتنا في معركتها مع الولايات المتحدة الامريكية حيث تجري محاولة زج العراق في هذه المعركة او جعله راس الحرية في التصدي لها

من غير المشكوك فيه بان عراقنا في هذه المرحلة بالذات يخلق عملية سياسية واجتماعية جديدة ومنفردة في نوعيتها بكل المعايير وبكافة عناصرها , هذه العملية الكبرى، والتي نشهدها نحن هذا الجيل الذي عانى معاناة كبيرة ضمن معاناة الشعب العراقي بكامله، تؤسس لبداية سياسيه ديمقراطية واضحة المعالم , فالصحافة والاعلام الحرة , واندفاع الجماهير الغفيرة نحو صناديق الاقتراع في الانتخابات الاولى وفي الاستفتاء على الدستور وفي هذه الانتخابات الاخيرة , وتحديها سواء ا للارهاب اورغبتها في التغيير والمساهمة في هذه العملية , ناهيك عن انبثاق الجمعية الوطنية وتصدرها لانجاز المهمة الكبرى المتمثلةفي الدستور الدائم , ومارافق عملية الاستفتاء على الدستورمن حملات اعلاميةوتثقيفية للعمليتين الانتخابيتيين , كلها عناصر تشير الى سير العملية الديمقراطية بخطى ثابتة رغم العثرات العديدة التي تعتري طريقها ، ولكن من المستحيل بمكان ان تتحقق هذه العملية في ظل ظروف كالظروف التي يعيشها عراقنا الجديد بسهولة ويسر.

ولكن الانتخابات الوطنية في 15/ كانون الاول / 2005 سارت بمنحى عززت ظاهرة التمترس الطائفي والعرقي في بلادنا في الوقت الذي كان مطلوبا منها ان تخفف حدة الاحتقان الطائفي هذا بشكل خاص . فقد سعت برامج القوائم الانتخابية المتنافسة الى صنع عملية دعائية ضمن محاولة كسب الجماهير من خلال التمترس وراء شعارات بمظهرها وجوهرها طائقية واضحة وصريحة . ان الادوات التي استخدمت في الفعالية الشعبية الكبرى لم ترتقي ابدا الى اهدافها النبيلة والمرجوة منها . ان شعبنا العراقي الذي قدم وضحى بحاجة اليوم الىرؤى سياسية ترشده بحق نحو بناء مستقبل امن قائم على اساس النزاهة المطلقة وشفافية راقية ومسؤوليته خاليةمن كل الامتيازات والمصالح الذاتية والحزبية بمسؤولية بناء الدولة العراقية التييجب ان تحتل مكانتها المناسبة سواءا في امكنياتها البشرية اوثرواتها الطبيعية اوخزينها الحضاري , لادولة التكتلات والمحاصصات والمليشات .

ان المسارات التي يحاول صنعها بعض من قادة العملية السياسية العراقية مسارات ضيقة ومفصلة بشكل طائفي وبعيدة كثيرا عن المسعى الوطني الذي يمكن ان يلتحم في بناءه وترسيخيه كل العراقيين .

ليس فقط لخلق حاضر يتحذىفيه اقليما وعالميا بل مستقبل يضمن لاطفالنا واجيالنا القادمة مستوى من العيش والحياة الكريمة التي فقدناه نحن جمعيا خلال مراحل الانظمة الاستبدادية السابقة،

ان المشروع الوطني الحقيقي في هذه المرحلة الذي يلبي طموح الجماهير العراقية وبنفس الوقت يحقق للعراق درجة من الرقي على كافة المجالات , السياسية والثقافية والاجتماعية هو المشروع الوحيد الذي يمكن ان يخرج العراق من ازمته الحالية التي يتخبط بها ويان منها. ان حقن قطرة دم عراقية واحدة تستحق كل التنازلات والتوقف بجدية امام هذا التاريخ الذي سفك فيه دم غزير تحت واجهات طائفية وعرقية وحزبية مختلفة . لقد شمل هذا النزيف كافة العوائل العراقية دون تمييز وقد يكون ان طائفة معينة اوفئة معينة اوحزب معين وحتى قومية بعينها قد لحقه حيف اكثر من غيره، ولكن ذلك يجب ان لا يستغل دائماَ (قميص عثمان) بل ان اخذ العبرة من رسولنا الكريم محمد (ص) عندما انتقل بأهل مكة والمدينة من الحرب الى العيش المشترك، وكذلك العبرة من القادة الوطنيين الحاليين نلسون مندلا عندما انتقل بجنوب افريقيا من حمامات الدم الى السلام.

عندما كنت في معتقل ابو غريب كنت اردد حكمةَ قالها احد أئمتنا الكبار ان الدنيا تقام على اربع : دعاء الصالحين – علم الافاضل – جلال الشجعان – عدل الاكابر – وكنت انذاك اركز على ركن دعاء الصالحين واقول بيني وبين نفسي "اليس بيننا صالحا يدعو رب العالمين ويقبل دعاءه ويزيح عنا هذا الظلم؟" اما الان فاقول نحن احوج هذا اليوم الى عدل الاكابر وشعبنا يدرك ذلك ، الا فينا كبيرا يحتوي الجميع في قلبه ويبتعد بهذا الشعب عن مهالك التمترس الطائفي والعرقي لكي يزدهر بالوانه واطيافه المختلفة ويخرج للعالم بهذا اللباس الجميل ويجعل منه مصدر قوة واتحاد لا مصدر ضعفا وتمزق وتفرد وتسلط من مجموعة على اخرى او من جزب على اخر او طائفة على اخرى.

ان الفعل الوحيد الذي يستطيع ان يخرج بهذا البلد الرائع من هذه الحالة الغريبة عليه والتي وضعت في طريقه ما هو الا برنامج وطني واضح المعالم والرؤى يقوم على معيار المواطنة والكفاءة وبناء دولة القانون والمؤسسات ومحاربة آفة الفساد الاداري التي تستمد عونها من السياسات الطائفية والحزبية وآفة الفساد المالي الموروثة من النظام السابق.

ان الحاضر يحتم علينا بناء بلدنا على اسس الديمقراطية والمؤسسات الحكومية والاجتماعية والثقافية الشفافة وتحسين واقع المواطن المعيشي ومكاشفته بكل المعوقات التي تعترض مسيرتنا دون تزييف لارادته او اللعب على مشاعره وعواطفه وجعل الانسان العراقي هو مركز الاهتمام والاحترام لا معولا من اجل الوصول الى مركز السلطة والقرار ثم تركه بعد ذلك يتخبط في ظلمات العيش ومشقات السكن والامن والنقل.. الخ حتى ابسط الخدمات ، ومن اجل ان يكون لنا شعبا منسجما مع عصره ومستفيدا من خيراته التي منحها الله اياها علينا ان نقدر انساننا ونحترم انسانيته ونجعله مركز اهتماننا وغاية جهدنا وعملنا لا وسيلة للوصول فقط وتلك غاية الجود والعطاء واستحقاق لا يسمو فوقه استحقاق فقد حان الوقت لنعطي الانسان العراقي كل ما يستحقه وفقط بهذه الالية نصل به الى شاطئ الامان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي يقر إصلاح سياسات الهجرة واللجوء.. أي تداعيا


.. تونس: الاتحاد الأوروبي يطلب إيضاحات بعد موجة التوقيفات الأخي




.. ردا على افتحام مقر هيئة المحامين في تونس.. عميد المحامين يلو


.. حرب غزة والتطورات في المنطقة تخيم على أعمال القمة العربية في




.. الجزيرة ترصد معاناة سكان رفح بعد أسبوع من إغلاق المعابر