الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصدقاء الديمقراطية و أعداؤها

باقر جاسم محمد

2006 / 1 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يلتبس الموقف الفكري الراهن للحركات و الأحزاب السياسية عامة في العراق بسبب من غموض مفهوم الديمقراطية و تباينه لدى كل حركة أو حزب و عدم وجود تصور واضح لدى الرأي العام و الباحثين على حد سواء بمدى التزام هذه الأحزاب بالديمقراطية في حياتها الحزبية الداخلية؛ وهو أمر يستحق مقالة مستقلة. غير أن اتساع الهوة بين الموقف المعلن و السلوك و الممارسة الفعليين فيما يخص تطبيق الديمقراطية من جهة، و الالتزام الحقيقي بأصول و مبادئ العملية السياسية في ظل النظام السياسي الديمقراطي من جهة أخرى يظلان ظاهرتين واضحتين للعيان و قابلتين للمناقشة. و يتجلى للمراقب المحايد ضرب من التنافر و الاختلاف بين الفكر،أو لنقل الموقف المعلن، و الممارسة الديمقراطية الفعلية وذلك في مرحلة الاستعداد للانتخابات و أثنائها و في ما أعقبها من أحداث ساخنة بعض الشيء.فالانتخابات كانت و ما تزال أفضل وسيلة متيسرة لقياس الرأي السياسي العام لشعب من الشعوب و بالتالي فهي ليست أهم مداميك العملية الديمقراطية الأساسية فحسب، بل هي تمثل المعيار الوحيد للشرعية السياسية و الدستورية. و إذا ما عدنا إلى العملية الديمقراطية الجارية في العراق فسنجد أن الانتخابات تكتسب أهمية إضافية لكونها تمثل منطلقا تأسيسيا لأهم أسس الديمقراطية و مسبارا يجسد عمليا مدى إيمان الفرقاء المختلفين من أحزاب و حركات سياسية بها. لذلك سنتخذ من الموقف من الانتخابات معيارا لمدى التطابق بين الموقف المعلن و الممارسة العملية بصدد المسألة الديمقراطية دون الخوض في مدى صحة الادعاءات بالتزوير لأنها أمر يمكن حسمه عبر السياقات القانونية و الدستورية فقط. فكم نجح هؤلاء الفرقاء في مثل هذا الامتحان؟ و هل عكسوا مواقفهم العلنية في ممارستهم العملية؟
سنوجز القول، أولا، في حلفاء الديمقراطية، أو لنقل في أصدقائها. فهؤلاء هم أبناء الشعب الذين ذهبوا للانتخابات و صوتوا عن إيمان بقيمتها الجوهرية التي وصفناها سابقا، و هم أيضا تلك الحركات و الأحزاب السياسية التي تؤمن بالديمقراطية و تطبقها عمليا. و حين الاختلاف بصدد أمر يخص سير الانتخابات و مدى نزاهتها أو سواه من أمور الشأن العام فإنها لا تلجأ إلى ما ينافي الديمقراطية في سعيها لتصحيح ما تراه منافيا لقواعد العمل السياسي الديمقراطي. فلا ديمقراطية بدون ناس يؤمنون بها و يلتزمون بقواعدها و يعملون على تطبيقها.
أما أعداء الديمقراطية فهم كثر. و أولهم تلك الأحزاب و الحركات التي تظهر الإيمان بالديمقراطية في هذه المرحلة و تبطن العداء لها و الاستعداد الأيديولوجي و النفسي للانقضاض عليها حالما تحين الفرصة المناسبة لذلك. و ثانيهم تلك الأحزاب و الحركات ( و الأفراد ) الذين لديهم الاستعداد لتزوير الانتخابات و تشويه إرادة الشعب سواء تمكنوا من ذلك أم لم تتح لهم الفرصة و ذلك لإيمانهم بأن الشعوب تقاد و لا تقود. و هؤلاء يرتبطون بسابقيهم ارتباط السبب و النتيجة. أما النوع الثالث من أعداء الديمقراطية فهم الذين يسعون بكل ما أوتوا من قوة من أجل وأد الانتخابات في مهدها حتى لا تتحول إلى ممارسة أصيلة و راسخة في الحياة السياسية للبلاد منطلقين في ذلك من مبدأ يرى أنه إذا لم تستطع الفوز بالانتخابات فلا أقل من تشويهها و بث اليأس في نفوس الناس من جدواها تمهيدا لاغتيال هدف الانتخابات، وهو الديمقراطية، لاحقا. و رابع أعداء الديمقراطية هم من هددوا باللجوء إلى العنف و التلويح بالحرب الأهلية في حال لم تتحول مزاعمهم بالتزوير إلى أحكام نافذة بصدد نتائج الانتخابات. و هؤلاء هم الشوفينيون و أيتام النظام السابق. و يظهر هذا العرض لأعداء الديمقراطية مدى تردي مستوى الوعي السياسي لهؤلاء السياسيين. و لكن، لو احتكمنا إلى ذاكرة الشعب العراقي، وهي ذاكرة قوية، لرأينا أن كل هؤلاء الأعداء المتربصين بالديمقراطية لم يكونوا في يوم من الأيام من المؤمنين بالسياقات الديمقراطية في الحكم. و كثير منهم كان يعمل في الضد من الديمقراطية. لذلك لا غرابة في سلوكهم الذي فضحهم في أول امتحان. ففي الانتخابات نجح الشعب العراقي و أظهر نضجا سياسيا متقدما؛ و رسب كثير من السياسيين و أنكشف زيف ادعاءاتهم. لذلك كله لا بد من إعادة التأكيد على أهمية الانتخابات الحاسمة في تقرير مستقبل العملية السياسية في السنوات الأربع القادمة و على أهمية احترام نتائجها دون أن يعني ذلك التوقف عن النظر في ما قدم من طعون تخص نزاهة الانتخابات. بل ندعو إلى أن يجري التشدد في النظر في كل طعن بعين الاعتبار و التدقيق القانونيين و بحيادية تامة و بحضور مراقبين و متخصصيين في القانون من كل الجهات ذات الصلة. و أن تعلن نتائج التحقيق كاملة على الملأ لتوضيح حقائق الأمور أمام الرأي العام، و لقطع الطريق أمام أعداء الديمقراطية أياً كانت صفتهم.
و لعل أبرز و أهم ما يدل على مدى التزام الأحزاب بأصول العملية الديمقراطية و احترام نتائج الانتخابات هو تشكيل الحكومة القادمة وفقا للاستحقاق الانتخابي؛ و ليس الالتفاف عليه و العودة إلى المحاصصة تحت يافطة حكومة التوافق أو حكومة الوحدة الوطنية. فالبصيرة العلمية السياسية تؤكد أن من شأن مثل هذه العودة أن تفرغ العملية الديمقراطية الوليدة من محتواها الحقيقي. و تجعل من مفهوم المشاركة في الحكم يعني شيئاً واحداً هو المشاركة في الوزارة أو الحكومة. و هناك اختلاف كبير بين المفهومين. و لعل ما سنذكره من نماذج سياسية، على سبيل التمثيل لا الحصر، سيسهم في توضيح الاختلاف بينهما. ففي بريطانيا تتشارك الأحزاب الممثلة في البرلمان كافة الحكم لكنها لا تشارك جميعها في الحكومة. فالعمال، بوصفهم حكومة، و المحافظون و غيرهم من الأحزاب الصغيرة، بوصفهم معارضة، يتشاركون في حكم بريطانيا عبر المؤسسة الدستورية، أما الحكومة فهي عمالية خالصة و تتحمل الوزر كاملا ً عن النجاحات و الاخفاقات( و لذلك فهي وزارة أو إدارة) ، بينما تسهم المعارضة في ترشيد عمل الحكومة عبر مراقبتها و تقديم النقد لعملها و الإسهام في صوغ التشريعات التنفيذية دون أن تتحمل شيئا من الأوزار. و قل مثل ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية و الحزبين الجمهوري و الديمقراطي، و فرنسا و ألمانيا و أحزاب اليمين و أحزاب اليسار فيهما. فهل ستكون انطلاقة التجربة الديمقراطية على أرض العراق مبنية على أسس و تقاليد دستورية سليمة، أم سيصار إلى اعتماد المحاصصة السياسية، و هي التي طالما هاجمها البعض و حذر منها و أظهر لها عداوة موسمية، في تشكيل الحكومة المقبلة؟ وهل سيجري تجميل المحاصصة لفظيا و يعاد تأهيلها بعد أن كانت توصف بالشر المستطير قبل بضعة أشهر تمهيداً لتحويلها إلى سابقة عرفية قد يجري ترقيتها لاحقا إلى مستوى النص الدستوري غير المكتوب؟
ذلك ما يرجوه أعداء الديمقراطية ، و ذلك ما يحذر منه حلفاؤها. و ذلك ما ستفصح عنه الأيام القليلة القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات