الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انور عبد العزيز ذاكرة المدينة الصاحية ومبدعها الكبير

شكيب كاظم

2017 / 2 / 24
الادب والفن


ظل هذا الرجل يكتب بدأب يحسد عليه ويغبط اكثر من ستين عاماً، فمنذ أول مقال له نشره في جريدة (فتى العراق) الموصلية سنة 1955 واول قصة قصيرة نشرها في الجريدة ذاتها سنة 1958/ ظل المبدع الأنيق الزاهد بالحياة والشهرة يواصل الكتابة والأبداع في مناحي شتى، فهو ما أوقف جهده على القصة القصيرة التي جود فيها وأبدع، ونشر ثماني مجاميع قصصية منذ سنة 1976 وحتى 2011 بل كتب في النقد والتعريف بالكتب وتقريضها اكثر من الف مقالة، نشرت في الصحف والمجلات.

ولقد لمست في سنواته الاخيرة اهتماماً بتضاريس مدينته الأثيرة الى قلبه والتي ولد وعاش فيها ومات، ولاسيما الاحياء القديمة التي يحاول إبقاءها في ذاكرة الاجيال الجديدة، فالمدن مثل البشر، تتغير بعوامل الهدم والبناء والتغيير وهو ما فعله المبدع الكبير عبد الرحمن منيف(1933- 24/ 1/ 2004 ) في كتابه الجميل (سيرة مدينة) الذي أرخ لمدينة عمان، وترجم الى سبع لغات أوربية، يوم أختارتها اللجنة الاوربية للثقافة، اختارت عمان، بوصفها مثابة ارتكاز الى جانب مثابات أخر، فيكتب لنا أنور عبد العزيز قصته الجميلة (رائحة الباميا) لينقل للقراء حياة بائعة الباميا في محلةباب الطوب القريبة من دجلة الخالد (حمدية ام دمعة) و (سهيل) (وجكومي) المناديان على الأفلام المعروضة في السينمات، وكان هذا طقساً معروفاً في المدن العراقية، أن يتولى شخص قوي الجسم، عرض افيشات الفلم، منادياً عليه، بين صخب الصبية والفتيان، ومعلنا عنه، وخص محطة قطار الموصل بأكثر من مقالة استذكارية وتحت عنوان (ذاكرة مدينة) ولقد كتب في هذا اللون من الوان الكتابة العديد من مبدعي العراق منهم الراحل محمود عبد الوهاب 1929- 7/12/2011 في رائعته (القطار الصاعد) كتبها سنة 1954 وقصة كتبها جيان، واسمه الحقيقي يحيى عبد المجيد، التي نشرتها له مجلة (المثقف) الفكرية العامة بعددها الثاني/ تشرين الثاني/ 1958 وعنوانها (العربة رقم 63) الذي خسرناه سراعا، خسرنا هذه الموهبة الثرة، كما خسرنا نجيب المانع وأنيس زكي حسن بسبب أضطراب الحال بعد تموز/ 1958 كما كتب في ذلك المبدع الأنيق سعد محمد رحيم فضلاً عن ذكرياته الموسومة بـ (الموصل وسينما الخمسينات) واقفاً عند سينما الملك غازي الشتوي وسينما الفردوس وسينما أطلس، وما تعرضه من أفلام بقيت في الذاكرة مثل (ثلوج كلينمجارو) و (لمن تقرع الاجراس) و (وداعاً للسلاح) وكلها روايات للروائي الامريكي ايرنست همنغوي (1899- (1961 و (الرز المر) و (بيرل هاربر) و (شلالات نياكارا) وغيرها وأبطال تلك الافلام وبطلاتها: جين سيمونز وسوزان هيوارد ومارلين مونرو وسلفانا منكانو و آفا كاردنر وكيم نوفاك وإليزابيث تايلور وديبوراكير،وكريتاكاربو، وفيفيان لي واستر وليامز، ومارلين ديترش، وجانيت لي وانجريد برجمان ولن اذكر أسماء الرجال خشية الاطالة، فهؤلاء الحسناوات عشن في ذاكرتنا، التي لن تشيخ مادامت تختزن صورهن وغنجهن وأصواتهن، عدا سوزان هيوارد ذات الشعر الاحمر والصوت الاجش!في سنواته الاخيرة، والأنسان يتطور ويسبر عوالم جديدة، فما بالك بمبدع من طراز أنور عبد العزيز، الذي أوقف عمره للكتابة والقراءة، لاشك سيدخلنا عوالم جديدة، عوالم قصة الأفكار، التي كتب فيها مبدعون رائعون: جبرا ابراهيم جبرا ( 1920- (1994وحنون مجيد وجليل القيسي (1937- 27/ 7/ 2007) في الكثير من اعماله القصصية، ولا سيما في سنواته الاخيرة، ومازالت في الذاكرة رائعته (صورة نادرة لفرانتس كافكا) أدرت عنها حديثاً نقدياً نشرته ثقافية (العراق) في 5/ 4/ 1995 واعدت نشره في كتابي الثاني الموسوم بـ (الضفة الثانية. في نقد القصة والروائية) صدر عام 2001 فقد نشر في هذا اللون عديد القصص، وفي الذاكرة قصته (ما رآه بور خيس) نشرها ملحق (الف ياء) الزمان في 22/8/2013 وفيها سياحة فكرية وحياتية وابداعية ناهلة من حياة هذا المبدع الارجنتيني (خورخي لويس بورخيس) 24/ 8/ 1899- 14/ 6/ 1986 الذي اكلت عينيه الكتب واحالته بصيراً، هو الذي صور لنا افجع تصوير وأقساه فقدانه لبصره: أصبحت أعمى بشكل مطرد، لم تكن هناك لحظة حاسمة ومحددة. حل ذلك مثل غسق صيفي بطيء، كنت مديراً للمكتبة الوطنية في بوينس آيرس، وبدأت أجد نفسي محاطاً بكتب بلا حروف، ثم فقد أصدقائي وجوههم، ثم لاحظت أن لا أحد في المرآة!متحدثاً أنور عبد العزيز، عن مكونات بورخيس السردية، ومنها الليالي العربية وشخصية شهرزاد، التي اوقفت نهر الدم الذي اساله شهريار الشكاك المرتاب المهووس الذي افجعته خيانة زوجته، فقرر الانتقام من النساء، لتعيد شخصية شهريار لذاكرتي، ذلك الرجل اللندني القاتل الغامض، الذي روع نساء لندن في ستينات القرن العشرين ولا سيما عاهراتها واستعصى على شرطة لندن، ذلك الرجل الشبح كان يطارد المومسات فيوقعهن في حبائله ويقتلهن شر قتلة، وبعد سنوات طويلة وعشرات جرائم قتل للعاهرات قبضوا عليه!

ياتينا أنور عبد العزيز برأي طريف ينسبه لبورخيس: ان المقال وكذا الشعر لا يخلدان صاحبهما، بل الرواية بطقوسها وسحرياتها وخرافاتها واساطيرها والغازها ومساحة الحياة المتحركة فيها، بازمنتها وأمكنتها وشخوصها هي التي تخلد الكاتب او ماوصفه الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز 1928- 2014 بالاكاذيب البيض التي جعلته ينال جائزة نوبل للأداب سنة .1982

مبدعنا الكبير أنور عبد العزيز، ظل يواصل الكتابة في هذا اللون، قصة الافكار ليقدم لنا رائعة من روائعه (دراجة تشيخوف) نشرها ملحق (الف ياء) الزمان- 13/8/ 2013 ليسبر لنا اغوار حياة الطبيب الروسي الأديب، الذي شغف بالقراءة والقصة والمسرح، وامضى وقته في غرفته تلك بمستشفاه، يقرأ ويكتب، ويداوي الناس بالطب والأدب، مستجلياً حيوات العديد من أدباء زمانه: تولستوي (1828- 1910 ) كوكول توفي 1852 ديستــــــــــــــويفسكي (1821- 1881 )تورجنيف، (28/10/1818- 22/8/1883 ) سابراً اغوار نفسه التي تتنافس على المجد، مجد الأدب فا ذيرد ذكر تولستوي نراه يقصر وصفه على انه مصلح اجتماعي، وما كان تولستوي مصلحاً اجتماعياً فقط، بل روائي وقصاص كبير، يكفيه فخراً انه مبدع روايته (الحرب والسلام) لكنه يشيد بمكــــــــــــسيم كوركي1868-1936 ضعيف الموهبة، لأنه لا ينافسه على مجد الأدب وصولجانه!

ثمة مقولة أدبية نقدية شاعت في أوساط الادباء والنقاد: كلنا خرجنا من معطف كوكول، للدلالة على اثر كوكول الكبير في معاصريه، من الأدباء، ولقد كثر اللغط في نسبة هذه المقولة فنسبت الى كثيرين ولقد تحريت عنها وتأكدت من نسبتها الى الأديب الروسي ايفان تورجنيف بمقال لي نشرته جريدة (العراق) يــــــــــــــــــــوم السبت 18/11/2000 واعدت نشره وفي كتابي (في التراث والثقافة والأدب) ومعطف كوكول هذا إشارة الى قصة قصيرة لكوكول عنوانها (المعطف) تدور على مفارقة قاسية تصور حياة رجل فقير اسمه (اكاكي اكاكيفتش) يتسربل بمعطف قديم متهرئ، رقعّ كثيراً الى الحد الذي لم يعد بالامكان ترقيعه، او اضافة رقعة اليه، ولقد شاء الخياط السكير الذي يرقع معطفه هذا، ان يهديه معطفاً جديداً، ليخلصه من معطفه المرقع هذا، ويحيا هذا المسكين اياماً عدة، سعيداً بمعطفه الجديد هذا، وقد نضا عنه معطفه المرقع ذاك، لكن يفاجأ بمن يتحايل عليه ويسرقه منه، وما يلبث أن يمرض ويموت هماً وحزناً وكمداً، ولقد نحا المبدع العراقي الكبير محمود عبد الوهاب قريباً من هذا المنحى في قصة رائعة ضمتها مجموعته القصصية (رائحة الشتاء).

تشيخوف (1860- (1904مواصلاً سبيل الاعتداد بالذات ومنافسة الاخرين، لا يعترف بهذه المقولة إنه يغمط كوكول حقه أن هذه المقولة كانت ذروة أعجاب، وحباً ولم تكن حكماً نقدياً، فرغم حميمية وانسانية وثراء اللغة عند كوكول فلا أحد يخرج من معطف أحد، ولكل معطفه الخاص حتى مع التقاء وتشابه الاساليب ووجهات النظر للأدب والحياة.. لابصمة تتطابق وتشبه أخرى وان بدا ذلك ظاهرياً في عوالم القول والحكي والابداع.

أنور عبد العزيز، مسقطاً اراءه على لسان تشيخوف في رائعته (دراجة تشيخوف) يقف عند حلم غوركي في بناء دولة عادلة ، والذي يتعاطف معه، لأنه عانى مرض السل مثله، فقد تكفل السل بنهايته سريعاً مثلما حصل لشاعركم، ولعله يقصد السياب هنا، وغوركي تأخر بعدي لسنين، ان ما حلم به غوركي ظل حلماً خادعاً مخيفاً، وما تحسس له من أثر في الناس ان الثورة الحلم الذي هزج لها في كل كتاباته وفي كتابه الأثير (الأم) أندحرت وغابت..

ضاعت وكأنها تحمل دودة نخرها، ومنذ أيامها الأولى، واكمل آخرون بعد عقود ضياعها النهائي، لقد كان قلقاً بشأن مسألة الحرية حرية التعبير والكتابة، هؤلاء الذين ضاقوا بجوزيف برودسكي (1940-28/1/( 1996 الشاعر الجميل الحائز على نوبل فسجنوه بتهمة التبطل، أي العطل عن العمل، بعد ان اخبرهم بانه شاعر، عمله القراءة والكتابة، سجنوه، ثم ليحصل على جائزة نوبل 1987 هذا المتهم بالعطالة والتبطل ليموت منفياً خارج بلاده ولأن وطنه آذاه صرخ قائلاً: أحب وطناً غريباً لقد عادوا لمثل قرارات القيصر واشد قسوة بنفي المعارضين، ونفي الساكتين لثلوج سيبريا، ألم يفصل سلطاننا كل من لم يتطوع لحرب الثمانين من الأدباء والمثقفين؟! وارسلهم لجبهات الحرب عنوة وهو ماعرف بالتطوع الاجباري؟!

تشيخوف يواصل بوحه الاليم، الذي ينطقه أنو رعبد العزيز مستذكراً ما حـــــــــــصل لروح روســـية وضميرها (بوريس باســـــــــــــترناك) 10)/2/1880- (1960 وقد اذلوه واهانوه واجبروه على رفض جائزة نوبل للأدب عن روايته (الدكتور زيفاكو) الذي صور فيها قسوة الثوار المؤد لجين الكارهين للناس المعبئين بافكار الغوغاء في اغراء الرعاع يحاولون تنفيس مكبوتاتهم وعقدهم، وطردوه من اتحاد الكتاب السوفيت صرادوه من عضويته، وطالبوا بتجريده من جنسيته، وجردوه من لقب (كاتب سوفياتي) وعد خائنا للشعب.!

صارخين دعوه يذهب الى حيث يرغب لقد خدعوا الناس، عندما قالوا انه خان بلده روسية، وهم كانوا خونتها، فأصابته الكآبة وجمد قلمه وصار خارج الزمن وخارج الحياة بعد أن طعنوه في وطنيته، كما كان ابن سلطاننا يتهم المثقفين الذين غادروا العراق سنوات الجوع والحصار بـ (المرتدين)!

كل الأدب الروسي كان خاسراً بموت الحرية بدعاوى الحفاظ على مكتسبات الثورة، وكم ارتكبت جرائم باسم الحفاظ على الثورة، منذ كبيرهم الذي علمهم السحر، روبسبير كارثة 14/ تموز/ 1789 في فرنسة، التي كانت ارقى ابداعاتهم ابتكار الة الجيلوتين، المقصلة، التي تقصل رأس الانسان الذي ركبه الله، وتفصله عن جسده، ثم انقلب السحر على الساحر فقتل هذا الروبسبير شر قتلة ومؤخراً أتهم بالخيانة!

وهذا الأدب الروسي، وحتى مع كل تراثه العبقري وثرائه، الم يكن خزيناً من لؤلؤ الكلام وجمالياته الانسانية ومكسباً كبيراً كان على الثورة والثوار احتضانه؟!

ويظل أنور عبد العزيز المبدع الأنيق يواصل بوحه الجميل الثر، قصة واستذكاراً..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكة خاصة من آدم العربى لإبنة الفنانة أمل رزق


.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت




.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-


.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص




.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟