الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأُمّة العراقية والمجتمع المدني- مجتمعنا في مواجهة ذاته

حسين درويش العادلي

2003 / 2 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

الحلقة السابعة والأخيرة


SWEDEN
[email protected]


 

   إنَّ أي نقد أو إشارة إلى واقعنا المجتمعي السلبي لا نود من خلاله جلد ذاتنا الإجتماعية والوطنية بسوط اللّوم ، أو أن نمارس النقد انطلاقاً من حسرة المنهرم لنـزيد من جُرح كرامتنا وعظيم مُصابنا بأنفُسنا وأهلنا ووطننا ،.. أبداً ، فمجتمعنا وعراقنا هو شأننا به ومن خلاله نترسم آيات العزّة ومرتسمات السؤدد ،.. ولكن حجم وثقل وشمولية كارثة الكوارث الصّدامية تُجبرنا على تلمس طريق النجاة من مستنقع التيه واللا متوقع الآتي ، وذلك من خلال عرض ذاتنا على مرآة النقد لترى مكامن خللها فتُبصر سُبُل الرفعة .
   نقول : أنَّ أية تجربة مجتمعية مدنية قادمة لا يمكنها أن تستقيم مع استمرارية الركائز السلبية في شخصيتنا الإجتماعية ، فالشخصية إنما تُنتج وتُبدع من خلال بناءاتها التحتية التي تمثل الأُسس التي تعتمدها تجاربها الخارجية ، ولن يستقيم البناء أو تُدرك التحولات الجوهرية في مسيرتنا ما لم نُعيد قراءة ذاتنا بشيءٍ من الوعي والجرأة لإجتثاث نقاط الخور ومكامن الفشل الذاتية التي تعصف بالمنجزات المؤمّل تشييدها على أرض تجربتنا المجتمعية والوطنية .
   إنَّ القاريء لذاتنا المجتمعية الفعلية سيكتشف جملة من الصفات السلبية التي تتطلب تغييراً جذرياً بما يُناقضها من صفات الإيجاب لنضمن خلق حركية اجتماعية جوهرية ومتصاعدة ، ولعل أهمها : استسلام مجتمعنا لذاكرته التأريخية التي تستدعي كل نقاط الإختلاف والتشتت بفعل أزمات الأنا العِرقية والطائفية والثقافية دون أن يعمل على إدراك تنوعها بحكمة ويُعيد تمثّلها وتوظيفها ببصيرة على أساس النحن الوطنية ،.. إضطراب منظوماته البُنيوية دون أن يُبادر لحسم مُركّبها الجامع لشروط الأصالة والحداثة وفق تجربة وطنية تُشكّل ذاته المعاصرة ،.. ضعف ثقافته وقيوده الذاتية التي تمنع من اختراق هويته وذاته وأرضه وكيانه العراقي من قِبَل الأغراب ،.. تعصبه للأُطر الضيّقة وتساهله تجاه الإطار الوطني العام ،.. طغيان الروح الفردية وضعف الوعي والإلتزام الجماعي لديه ،.. شعوره الحاد بالإحباط واليأس وفقدان القدرة على المواصلة والأمل بالتغيير ،.. تشاؤمه الدائم وتوقع الأسوء في كل تجربة جديدة مما يقضي على جذوة الإندفاع عنده ،.. فقدانه للواقعية لحساب مثالية مفرطة أو حالمة .
   إننا نأمل من مجتمعنا أن يُعيد إنتاج مجتمعنا ، وبالذات في أُسسه الثقافية لضمان قيام حياة مدنية حقيقية وجادة ، وهنا فإننا نحاول تسليط الضوء كإشاراتٍ عامة تحاول إثارة الوعي الشعبي والنخبوي تجاه خطورة بعض أنماط الحالة الثقافية لمجتمعنا المعاصر .
   أي إننا نأمل من خلال مرآة النقد هذه : سحب نقطة الضوء بُغية شروع الكل العراقي لتأسيس ثقافة عملية جديدة تمتلك القيمة والمعيار والسلوك الأمثل ، بدل ثقافة مجتمعية قائمة في كثير من مظاهرها على حالات عشوائية لا يمكنها الصمود تجاه تحديات البناء والبقاء ، والشروع في منحى تأسيسي يأخذ على عاتقه إنتاج ثقافة نوعية يتعاضد من خلالها التنظير والبرنامج لإبداع ما هو ممكن من حالات بُنيوية وثقافية شاملة تمثل البنى التحتية لتجاربنا المجتمعية والوطنية .
   وغني عن التأكيد ؛ أنَّ أي مشروع تقدم وبرنامج نهضة إنما يعتمد الإنسان والمجتمع ويستهدفهما كوسيلةٍ وغاية لإنتاج الإرتقاء ، فكما أنهما هما الهدف من برامج النهضة كذلك هما الوسيلة لتمكينها وبلوغها ، فإذا ما أخفقنا في إعدادهما وفق أنساق مجتمعية ثقافية إيجابية مسؤولة وهادفة ، فلا أمل عندها في نيل أية غاية وبلوغ أي تقدم وإحراز أية نتيجة في معركة البناء والتقدم .
   ومهما قيل ويُقال عن شروط الحضارة ، سواء تمثلت بالنهوض الشامل والسير المتناسق في عوامل التقدم ، أو كانت باعتماد الثورة العلمية والإعداد التكنولوجي اللازم ، أو نادت بتغيير البُنى السياسية من خلال اعتماد آليات العمل الديمقراطي والتعددي والإنفتاح والحياة المدنية ،.. وما إلى ذلك من ألوان الرؤى لإجراء التغيير وإدراك النهضة في الواقع العراقي القادم ،.. فإنها لا تعدو أن تكون سوى بناءات فوقية لا حظ لها في الحياة والصمود إن لم تعتمد حالة مجتمعية مُبدعة ومسؤولة وخلاّقة تستبدل كافة عوامل التخلف والخور بعوامل الوعي والإلتزام والمبادرة في عمق وجداننا الوطني .
   إنَّ ما نطمح إليه من خلال هذه الإشارات ، هو إيجاد الجو والمناخ العام لإشاعة هذه الرؤى التأسيسية لصنع البديل المجتمعي الحضاري المطلوب ، وذلك لن يتم إلاّ بثورة تغييرية يتعاضد فيها الكُل العراقي لتمكين : ثقافة الإلتزام لا ثقافة التحلل ، ثقافة الأصالة لا ثقافة الهجانة ، ثقافة العقل لا ثقافة العاطفة ، ثقافة الوعي لا ثقافة التخلف ، ثقافة الحقيقة لا ثقافة الخيال ، ثقافة العلم لا ثقافة الجهل ، ثقافة الواقع لا ثقافة المثال ، ثقافة العمل لا ثقافة الإدعاء ، ثقافة النظام لا ثقافة العشواء ، ثقافة الحوار لا ثقافة الإنغلاق ، ثقافة الريادة لا ثقافة التبعية ، ثقافة المبادرة لا ثقافة الإنتظار ، ثقافة الرحمة لا ثقافة العنف ، ثقافة الثقة لا ثقافة النكوص ، ثقافة الحسم لا ثقافة التردد ، ثقافة الصمود لا ثقافة الإندحار .. الخ .

    وكلنا أمل أن تنبعث أُمتنا العراقية لإعادة صياغة ذاتها ومنظوماتها وثقافتها بقوةٍ وتصميمٍ ومثابرة ،.. ونرى أنها ستنطلق من عمق آلامها لإعادة إنتاج ذاتها الجديدة بعون الله وبإرادتها  لتصلب تأريخ الكوارث ، وتنفي ذاكرة التراجع  ، وستحيا بعيداً عن أغوار الفناء وكهوف النسيان ،.. فعِراقنا لم ولن يمُت ، ومن ركام الكوارث سينبعث ، ولن يرضى بغير مطارح الشموس مكانةً ومجدا .. ومركبنا لن يغرق ، ولن يفقد بوصلة الإتجاه رغم عناد اللُّجج .. لن ينخرهُ سوس اليأس وصديد لُعاب الأقزام ،.. وسيمزق كفن الظُلمة .. وسينسج من بشائر فجر الخلاص جدائل الإنقاذ .

**     **     **
 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا