الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لم يربح عمار العزكي في أراب أيدول؟

مريم القحطاني

2017 / 2 / 26
الادب والفن



بمعوز وجنبية وسماحة وجه وتواضع الرجل اليمني الحقيقي الذي يعرف تماماً من هو، وقف عمار العزكي على خشبة مسرح برنامج أراب أيدول ليقدم بصوته الساحر اليمن من جديد بمنتهى الأصالة والحب والجمال. لم يكن عمار مجرد متنافس يغني علي مسرح أراب أيدول ليفوز بلقب كما تجري العادة، بل كان ظاهرة جديدة ومفاجأة سارة وتغيير طال انتظاره. كان عمار مثقِفاً ومنوراً ومرشداً الى الحقيقة ومسترجعاً لحق ضائع. فوصفه الحكام “بسفير الأغنية اليمنية” و “حامل راية اليمن” وهكذا وبعفويته وصدقه دخل إلى قلوب الناس، في مشارق الأرض ومغاربها، فاستحوذ عليها.

يقف عمار اليماني ويصدح بصوته العسلي المعتق في أرجاء العالم العربي ليشير لأخيه الخليجي بالتحديد، ودون أن يقصد أن يستفز أحدا أو أن ينبش سر أحد: هـذه هويتنا التي حسبتموها هويتكم الفنية. يقف عمار وبمنتهى البراءة يغني مواويله اليمنية العريقة دون أن يعرف أنها تطرح سؤالاً حساساً وجريئاً: "من أنتم؟" كيف لا وهو بأغانيه اليمنية التي تم ترويجها كأغان خليجية، يطلب من جاره، سواء كان سعودياً أو غيره، أن يعيد تعريفه لهويته وإرثه الثقافي. فيقول دون أن يقول: هذه أغانينا. هذا تراثنا. هذا فننا. هذا الابداع لنا. هذا الجمال حقنا وهذا الصوت من عندنا، من أرض اليمن شمالاً وجنوباً. هذه ثقافتنا، هذا ارثنا، وهذه هي الحقيقة ولستُ آسفاً، هذا نحن، فمن أنتم؟

من المثير للعجب والإعجاب، هو موقف المغنية أحلام والتي وقفت وقفة جريئة قل أن نراها في الوسط الفني الخليجي. فهي تعترف، بدبلوماسية امرأة تحسن كسب من تريد، أن الفن اليمني قد نُهب حقاً، فتؤكد بشجاعة أن الفن اليمني “تربت عليه” الشعوب الخليجية، دون أن توضح ما إذا كانوا قد عرفوا حينها إن كان يمنياً أم لا. ويقول الفنان وائل كفوري مندهشاً لاكتشافاته المتعاقبة، وكمن يعتذر نيابة عن غيره، أن الفن اليمني قد “أهدر حقه فعلا” معلقاً على أداء العزكي لأغنية “لنا الله” للفنان محمد عبده وراجياً منه أن يستمر في رسالته التنويرية.

وعلى ذكر الفنان محمد عبده، فهو على عكس المخضرم أبو بكر بن سالم، تبقى هويته الحقيقية غامضة. فبينما هو من المعروف أن أبو بكر سالم يمني حضرمي قد تمت سعودته في السبعينات، يبقى محمد عبده سعودي في الظاهر، مبهم الهوية في الباطن، تحوم حوله “تهمة” كون أصوله من الحديدة بإقليم تهامة اليمن. فهؤلاء ككثير من فناني اليمن الذين تم “سعودتهم” و”خلججتهم” من باب تأميم الفن والفنانين اليمنيين لترميم الشروخ والفجوات في الهوية الخليجية التي تفتقر لأي نوع يذكر من الحضارة التاريخية. كيف لا وهذا هو الشرط الوحيد والأهم لبقاء هذا الفنان، اليمني بالذات، وفنه على الساحة؟

للحق، لا فضل ليمني على غير يمني، إلا أن هناك خطوطاً حمراء عندما يتعلق الأمر بالأملاك والحقوق، خاصة الفنية والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بهوية الفرد فهي إرثه التاريخي الثقافي الذي يحمله معه أينما كان. وإن افترضنا أن اليمني يُنظر اليه على أنه أخ للخليجي فلِم يُهمش ويظلم وينهب حقه؟ اليمني يتأصل في دول الخليج ويندمج ويتغلغل ويصنع ويعمر وينتج ويبدع إلا أن أحداً لا يفكر إطلاقاً في تجنيسه أو دعمه إلا لحاجة في نفس يعقوب وليس لحق إنساني أو منطق حضاري أو قانون مدني. فتوزع الجنسيات كهبات لا كحقوق. وبالتالي فإن من المؤسف أن نتنبأ بأن عمار لن ينطلق عربياً في مشواره الفني إن أصر على التمسك بنزاهته وأصالته ويمنيته. فلكي يستمر ويبقى على نطاق عربي واسع فلا بد له أن يتخلجج، أي أن يتنازل عن يمنيته شكلاً كان أو مضموناً، وهذا لا يبدو أمراً سهلاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه دخل بنية لا تتوافق مع ذلك ألا وهي حمل الراية اليمنية ونشر الثقافة الجميلة هذه.

ولكي نعطي الأمور حقها فقد رأينا توحداً جميلاً مثلجاً للصدر وكماً هائلاً وحماساً فريداً من نوعه من المشجعين اليمنيين والمحبين لعمار الذين عاشوا معه طوال رحلته الفنيه يغمرونه بالحب والولاء والثقة، ففرحوا لفرحه وبخطوه نحو الأمام وبكوا لبكائه في أخر حلقه فذكرونا بأن اليمني صانع وعاشق للفن مرهف الحس وصاحب قلب دافيء وذوق رفيع. إلا أن البعض الآخر خذل اليمني عمار أيضاً بانقسامه وتشرذمه الذي يتقد بنيران الحرب. فذلك ينتقده لأنه يلبس المعوز على أغنية جنوبية وذاك يتهمه بالخيانة لخروجه من اليمن الذي يحترق وذاك يطلب منه الالتزام بالاغنية الشمالية. فيا للعيب ويا للأسف.

الذي لم يدركه عمار هو أن اليمني قد أصبح الفلسطيني الجديد. ففي الماضي كان الفلسطيني يُهمش ويُنسى في الدول العربية ويُأكل حقه ويظلم وتغلق الأبواب أمامه فقط لأنه قليل الحيلة وضائع حقه، أما الآن فقد ورث مكانه أخوه اليمني.

عمار العزكي لم يحرز لقباً بل أضفى بعداً جديداً للفنان وأيقظ الناس من سبات عميق. فهو يذكر العربي أن هويته الحقيقية هي ثقافة وفن وابداع وجمال بالدرجة الأولى. ولك الله يا عمار، أيها اليماني الإصيل، يا سفير اليمن، ويا حامل راية السلام والمحبة والجمال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في


.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء




.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق