الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مآلات الإسلام السياسى فى مصر

رياض حسن محرم

2017 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لم يتوقع أكثر المتشائمين فى السلطة أو المعارضة أو حتى غير المهتمين بالسياسة أن تتواصل مقاومة جماعة الإخوان فى تحديها المعلن للدولة بكافة مؤسساتها وعلى رأسها المؤسسة الأمنية طوال تلك السنوات منذ منتصف 2013 وحتى الآن فقد أثبتت الجماعة أنها أكثر قدرةً على الصمود مما افتُرِض في البداية، ورغم التاريخ الطويل المراوغ لتلك الحركة منذ تأسيسها فى الثلث الأول من القرن العشرين "1928" على يد مدرس الإلزامى خريج دار العلوم حسن البنا، مرورا بتأسيس النظام الخاص "1938" وعمليات الإغتيال المعترف وغير المعترف بها والصراع ضد الوفد والأحزاب المدنية، والتحالف مع القصر حينا والإنجليز أحيانا، والصدام مع السلطة وقرارات الحل والمصادرة، بالإضافة الى الصراعات الداخلية والتصفيات الجسدية، الا أنه لا يمكن تفسير صمودها ومقاومتها العنفية فى الوقت الحاضر بذلك التاريخ التآمرى المتلون ولكن يجب فهمه فى إطار البعد العقائدى للجماعة والبناء التنظيمى لها.
الإنقسام الإسلامى قديم بقدم الدعوة نفسها، أول مظاهره كان فى أيام الرسول بين المهاجرين والأنصار والذى تجّلى واضحا فى سقيفة بنى ساعدة وتلاه إنقسام داخل البيت القرشى نفسه أفرز أطول الصراعات وأكثرها دموية بين السنّة والشيعة، بعدها تفرّق السنة الى أربع مذاهب والشيعة أيضا، ناهيك عن الفرق الإسلامية إبتداءا من الخوارج ومرورا بالمعتزلة والأشاعرة والقرامطة والجهمية والمتكلمون وغيرهم، و الثارات والصراعات والحروب بين الجميع التى لم تهدأ حتى الآن، وخضعت العقيدة مرارا للحذف والتعديل والتأويل والتفسير وفى كل مرّة أنتجت تراثا يضارب بعضه ويعارض بعضه بعضا حسب أهواء الخلفاء والسلاطين وكل يدّعى لنفسه إمتلاك الحقيقة المطلقة أو صحيح الدين ونفى الفكر الآخر وفى الأغلب تكفيره، وهذا ما يعرف فقهيا بالفرقة الناجية.
فى العصر الحديث نشأ الإسلام السياسى على قاعدتين أساسيتين هما الفكر الوهابى السلفى من جهة وفكر جماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، فمؤسس الحركة الوهّابية "محمد بن عبد الوهاب" إعتبر أن الجزيرة العربية كمهبط للرسالة المحمدية عليها أن تعيد الإسلام الى سيرته الأولى ونقاؤه الرسالى فكان تحالفه مع محمد بن سعود حاكم الدرعية فى نجد متعاهدا معه على شعار "الدم الدم ..الهدم الهدم" ليؤسس الدولة الوهابية الأولى التى لم تزل عقيدة المملكة العربية السعودية حتى الآن، وذلك فى صفقة بين الأمير والفقيه تعطى لرجل الدين سلطة واسعة لإدارة العمل الأهلى وتضعه فى مكانة مقدسة مقابل أن يمنح الفقيه للأمير الدعم الكامل وتأييد سياسته بلا حدود مطوعا الشعب للقبول بنظامه والخضوع لحكمه، بينما ساهم إكتشاف النفط فى المملكة عام 1930 فى إمدادها بالتمويل الكافى للعمل على نشر المذهب الوهابى قى الدول العربية والإسلامية والعالم أجمع، على الجانب الآخر فى مصر أسس حسن البنا جماعته بعد سقوط الخلافة العثمانية فى تركيا عام 1928 فى محاولة لإحياء الخلافة بوصفها غطاء جامع للأمة ومنافحة عن الدين ومواجهة للفكر الدينى المتطرف، أدبيات الجماعة تدعو للعودة الى الدين الخالص ومقاومة الإنحلال الأخلاقى وغزو الثقافات الأجنبية عبر خطاب وعظى مستندا فى ذلك الى لغة تعميمية شاملة لا تغوص فى التفاصيل، ولم تتأسس رؤيتها على منطق التعددية أو الإختلاف "وهى إشكالية التيارات والأحزاب الشمولية عموما" بل باعتبارها رؤية نورانية مقدسة ممدودة الى الله ولا يمكن المساس بها أو تجاوزها، مستخدمة فى ذلك الإنتشار الواسع للمفاهيم والممارسات الدينية فى المجتمع والقدرة على الحشد العاطقى الشعبوى وتصدير شعارات الهوية باعتبار أن الإسلام "نظام شامل يتبنى مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة وخلق وعدالة وهو ثقافة وقانون وعلم وقضاء وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة وهو عبادة صحيحة وعقيدة صالحة"، معتمدة على بناء شبكة خدماتية إجتماعية واسعة، واضعة نصب عينيها المنهج الإصلاحى التدريجى طويل الأمد والتركيز على الجانب التربوى والدعوى مع الإستبعاد الكامل للعمل الثوري ذا الطابع الجماهيرى "الغوغائى من وجهة نظرهم"، لذا لم تأت مشاركة التيار الإسلامى "وفى القلب منه جماعة الإخوان" فى ثورة 25 يناير كقرار تنظيمى إنما حدث ذلك كأمر واقع فرض عليها بفعل تطور الوضع الثورى الذى تجاوز الجميع، وقد حرصوا منذ البداية أن لا يكون حضورهم فى الميدان وكافة الميادين زاعقا ومعبرا عن تميزهم عن باقى الفئات والسبب الرئيسى "من وجهة نظرى" لحسابات تخضع بدورهم المستقبلى وإمكانية بقائهم كجزء من التركيبة الثورية لاحقا.
إن العودة الى الأصول التاريخية وإستخدام خلفية العصر الأول للإسلام وعهد الخلفاء الراشدين لا يعتبر خيارا أمام الإسلام السياسى فإنه بدون ذلك الطرح لا يمكن أن يعيش، ودون الإستناد الى النصوص الدينية الإلهية فلا قيمة أصلا لذلك التيار، وما مشاركة التيار الدينى بمختلف توجهاته فى الثورة الاّ باعتبارها جسرا للوصول الى السلطة، وباستخدام الجماعة والقوى الحليفة قوة تأثيرها الإجتماعى عبر فرض نمط للسلوك على المجتمع وتشكبل الحريات الشخصية والتحكم فى لباس النساء لإثبات مدى قوتها السياسية.
إن أهمية ثورة يناير هى إطلاق أسئلة رئيسية تتعلق بالهوية المصرية أهمها قضايا حرية الإعتقاد والفكر على نحو واسع على مستوى التشريع والممارسة "وهو ما حاول الدستور تأطيره" بما فى ذلك حق إختيار الدين وحد الردة، وقضية إذدراء الأديان وحقوق الأقليات والمرأة، وهى موضوعات ستظل محلا للتصارع لمدة قد تطول وأهمها التجاذب بين حاكمية الله وحاكمية الأمة.
من البديهى أنه فى حالة صعود الإسلام السياسى الحركى فى مجتمع ما فإن ذلك يقوّى منظمات وجماعات متشددة على ضفافه تتبنى العمل العنفى والجهادى للتغيير وترى أن الجماعة الأم لم تعد قادرة على تمثيل مفاهيم العمل الإسلامى أو مناطحة خصومه لإقامة الدولة الإسلامية وتمكين الحاكمية وتعبيد الناس لربهم، كما أنها لحسابات سياسية وتوافقية لا تتبنى أيديولوجية جذرية حقيقية وتقف من المخالفين فى "منزلة بين المنزلتين" لذا فهى غير قادرة على البراء والقطع بين الإسلام وما دونه، ولكن جماعة الإخوان لا تنزعج كثيرا من نمو وصعود تلك القوى لكنها تعتبرها رديفا وظهيرا يمكنها اللجوء اليه حين تعرضها للخطر " وهذا ما حدث بالفعل بعد 30 يونيو"، ولكنها تخبطت كثيرا وانحازت الى قوى السلفية الجهادية بما تمثله من عنف ما يجعل طرق العودة أمامها مسدودا والهوة تزداد إتساعا بينها وبين السلطة والجماهبر أيضا، وخصوصا أن بينها وبين نظام الحكم بحورا من دماء معتصمى رابعة ومئات من ضحايا الشرطة، والآلاف من المعتقلين والمحكوم عليهم بالإضافة الى العديد من أحكام الإعدام على العشرات من قيادييها ومصادرة أموالها وحجب تأثيرهم السياسى من خلال غلق منابرهم الإعلامية ومنعهم من منابر المساجد، وقد أدت الإعتقالات فى صفوف القيادة العليا بما فى ذلك مكتب الإرشاد ومجلس الشورى نزولا الى القيادات الوسيطة والمكاتب الإدارية الى كسر الروابط التراتبية فى التنظيم والدفع بجيل جديد من الشباب المتحمس الى صفوف القيادة الميدانية بما يمثله ذلك من تطرف وانحيازا للعنف، وقد عزز هذا العنف شعور الإخوان أنهم يخوضون معركة وجودية مع النظام، فقد كانوا يعتبرون وصولهم الى السلطة بمثابة "نهاية التاريخ" وتبلور حقبة ممتدة من سيطرة الإسلاميين، وإعتقادهم أن خفض التصعيد لن يصب أبدا لصالحهم إعتمادا على تجارب تاريخية سابقة.
إن تفكك وتحلل مجمل المنظمات الداعمة التى أنشأها الإخوان مثل "التحالف الوطنى لدعم الشرعية" ومجموعات ذات طبيعة مهنية (طلاب وأدباء ومهندسون وأطباء وصيادلة وغيرها ضد الإنقلاب)، وتضاؤل مسيراتهم الليلية ما سرّع بعملية الإنسحاب والإنشقاقات المتكررة داخليا وإضعاف تأثيرهم والمزيد من الصراعات الداخلية والإنشقاقات المتكررة ما يؤشر الى فقدانهم أية قوة تفاوضية مع النظام تؤدى الى مصالحة من أى نوع أو إمكانية إدماجهم من جديد فى العملية السياسية، ولكن قد تكون لدى النظام حسابات أخرى فحسابات الحقل قد تختلف عن حسابات البيدر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انه التاسيس الناصري بجاهليته
محمد البدري ( 2017 / 2 / 27 - 19:06 )
تفسير صمود الجماعة ومقاومتها العنفية فى الوقت الحاضر ومن التاريخ التآمرى المتلون يجب فهمه فى إطار البعد العقائدى للجماعة والبناء التنظيمى لها واختراقاتها للاجهزة السلطوية بكوادر فاعلة ومتنفذة اضافة مموهه وظيفيا برتب ودرجات مهنية الي ان السلطة ذاتها تعتبر عروبة مصر وبالتالي ضرورة تاسلمها امرا واجبا علي الجميع الانصياع له. ان تاسيس عبد الناصر للعروبة في مصر بات كارثة علي هذا البلد العريق الاقدم من كل ما عداه

اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة