الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
لما لا .. !؟ الفصل الأول 4
محمود الزهيري
2017 / 3 / 1الادب والفن
لما لا .. !؟
الفصل الأول
4
هي لم تكد تنتهي من ترتيب أشيائها التي اعتادت عليها كلما سافرت إلي القرية تاركة خلفها واقع جديد لايسر في معظم زكرياته القريبة منذ انتقلت للعيش في تلك البقعة من الكرة الأرضية , حيث الزحام الشديد والمباني المتلاصقة بلا أدني شكل من الذوق والحس المعماري , وشوارع ضيقة خانقة وشرفات تكاد الروؤس تتصادم كلما اقتربت منها وبلكونات تحجب الشمس والهواء وعلي كل ناصية مقهي شعبي رواده من المتسكعين بلا عمل أو من أصحاب الورش الملازمة للسكن , وبائعي الخضار والطيور والفواكه بلا انتظام , وعربات كارو تجوب مابين العمارات الكالحة تنادي علي بضائعها التي كادت أن تتلف , ونساء صارت ككتل من اللحم البشري بلا أي تفاصيل تشير للصبا والأنوثة سوي تضاريس مهلهلة تتصاعد وتتخافض علي مهل ووخم وكراهية , وأطفال نزعت براءة الطفولة وسرقت من وجوههم , وبنات صارت مقلدات في كل شيء لدرجة أن أصبحن مسخاً أو كعرائس بلاستيك أو هي أفضل , ورجال وجوههم للصفرة أقرب منها للبشاشة , أو صنعت بهم حبائل الوقت ماصنعت , ومنهم من لايعمل ويقتات علي عمل إمرأته أو إبنه الأكبر , ومنهم من هده العمل لأنه يعمل عمل آخر بجانب عمله الوظيفي , وبذاءات منتشرة في معظم الأماكن والنواصي , ودور للمارسة الفحش والرزيلة , وكل هذا يسكن في هذه المدينة التي تشابه مدن كثيرة , وفي ذات الوقت تكثر المساجد والزوايا تحت العمارات , وجمعيات دينية مرخصة , وجماعات دينية خارج دوائر الترخيص , ولحي منتشرة وجلابيب كثيرة , ونساء منتقبات ومختمرات وأٌخر حاسرات الروؤس , وميكرفونات أعلي العمارات للآذان , وأخري لشوادر اللحوم والفاكهة والملابس والخضار , وفوضي عارمة في كل شبر من هذا المكان المسمي مدينة , وكانت كثيرا تتمني أن تكون في مكان آخر قرأت عنه في قصص الحب وروايات الواقع , ولكنه قدر ساقه إليها أبواها ظناً منهما بأنه سيكون افضل الأماكن مادام بعيداً عن تلك القرية التي تستعد للرحيل إليها لقضاء فترة الأجازة , وهاهي الأن بدأت المسير , وبدأت معها رحلة التفكير فيما تنوي أن تصنعه هي وصغيريها , ولعل الأرق والقلق يفارقانها , ولكن هيهات , فكأنهما خلقا صديقين وفيين لها , فما أن استقلت السيارة الأجرة واكتمل عدد الركاب وزيادة فرد علي كل مقعد بجانب مايركبوا خلف السائق , وخلف مقعد يمين السائق بجوار الباب , يبدأ الإيمان يتسربل لقلب السائق ويقوم بتشغيل القرآن بصوت مرتفع , يكاد يتألم منه من المقعد الخلفي حيث مكبرات الصوت التي تستعمل في الأفراح يوجد منهما إثنان ضاغطان علي أعصاب الأذنين ويصيبان الراكب بالتوتر والصداع , ولايمكن لك أن تطلب من السائق خفض الصوت فما بالك لو طلبت منه إغلاقه !!
انطلقت السيارة بعد إكتمال العدد الزائد عن كراسي الركاب , وكأنها حية تتلوي أقصي اليمين وأقصي اليسار بسرعة مرعبة وجنونية , ولكنها كانت سارحة بخيالها بعيداً بعيداً حيث مراثي الزكريات التي تكاد تكون هي الزاد الوحيد لها في شبه الحياة التي تعيشها وكانت تتمني أن تحياها , ولكن البعض يقول القدر , والبعض يقول إنه إختياراتنا , ولكنها تذكرت حديث مع إنسان تمنته أن يكون لها وتكون له ماتبقي من حياة , بالرغم من فارق السن بينهما إذ يتعداها بمايقارب ونصف من العمر وزيادة سنة أو سنتين , وهذا لايهم كثيراً فقد رأت فيه حلمها وما تمنته في رفيق الحياة , فبالرغم من أنه تعدي عمره النصف قرن وشاب شعر رأسه من الجانبين وبعض مقدمة الرأس إلا أن هذا لم يؤثر في وجهه الغض الصبوح المغشي بجهامة صارمة تجعله كأسد في غابة الدنيا اللئيمة , نعم , تمنته , ومازالت كلما ضاقت بها الحياة تتذكره وتتذكر أحاديثه في أمور كثيرة , فهو بمثابة الشاعر والأديب والقاص والروائي , وهم كأنه رجل دين وقور حينما يتعرض لأمور الدين الملتبسة لدي أفهام كثيرة , وهو السياسي البارع , وكدنا في سنة من السنوات أن نغير محل الإقامة ليكون كما كان في الماضي حتي نتمكن من إنتخابه والدعوة لإنتخابه , ولكنه رفض في آخر لحظة متنبهاً لمخططات السلطة وما تنتويه لمجلس الشعب القادم , نعم , له عداوات كثيرة , ولا يكاد يقبل به أهل اليسار ولا حتي أهل اليمين , والعداوة له تزداد كلما اقترب موعد الإنتخابات , أية أنتخابات , لأن الخصوم يعملوا له ألف حساب , وحساب , وهو من وقف ضد النظام كثيراً وأزال الرعب من السلطة بعد أن تمكن من قلوب الكثير من البسطاء , بالفعل هو كذلك : شارك في إزاحة نظام متغطرس جبار , وكانوا كلما شاهدوه في المظاهرات وشاهدوا صوره في الفضائيات والصحف والمجلات كادت الغيرة تأكل قلوب خصومه وأعداؤه علي حد سواء , وكان لايخشي عليه سوي أمه المريضة فقط , وقلة إهتمام من أبيه , ولما لا ؟! , لما لا أحبه وأتمناه وأهواه , فهو لم يظهر لي أي نقائص مما تنتاب الرجال أو الشباب , وهو المتزن العاقل الودود , وهو ما إن أتحدث معه في شأن من الشئون أو مشكلة من المشاكل إلا وكانت حجته راجحة وإقناعه محكم , ولا يترك مسافة للشك في رأيه , وتراك تنحاز لرأيه إنحيازاً كاملاً , لم يراني إلا لمم , ولم ينكشف له وجهي إلا مرة واحدة فقط , وقمت بإزاحة غطاء وجهي مرات قليلة لترتيب غطاء الرأس بوجوده ولم أخشي منه ولم أخجل ولم استشعر أنه غريب عني , أو أنا غريبة عنه , وكأن رسائل الطمأنينة والأمان كانت تحملها عينيه وتحملها شفرات كلماته المقروؤ لي ببساطة ويسر , فلم أجهد نفسي في التعرف علي مايدور بعقله , ومايشغله ويشغل باله , وكأنني أحس بإحساسه وأستشرف توجهات مشاعره , فهو بحضوري كأنه طفل وديع بريء مازال مولود علي فطرة سوية لم تتغير ولم تصيبها مصائب الأنا وتلوثات الذات , وغشاوات الروح , نعم , بالفعل هو كذلك , لم يتصنع في حديثه معي , ولم يتبدل في كلامه , أستشعر مابداخله نحوي من غير كلام , فوجهه صفحة مكتوب عليها مايستشعره ويحسه نحوي , إلا أنه يكاد أن يصيبه الخجل من فارق السن بيني وبينه , وأنا لايهمني هذا , حتي وإن كان عجوز كركوب , يكفيني عقله وأخلاقه وبشاشة وجهه بوجهي وفياضة مشاعره وانهمار إحساسه كلما التقيته لشأن من الشئون أو مسألة من المسائل , فهو دائماً في طريق عودتي , وفي طريق سفري , وتربطنا علاقة عمل ما , وكلما غدوت أو رحت كلما انتويت لقاؤه , ولكن هذا لايتم كثيراً , وكأن الأقدار لها تصاريف في ذلك , تصاريف تمنع عني زيارته , وإلغاء لقاؤه بصور لا أدري كيف واتت الظروف لتكون مرادفة لها ومانعتي من اللقاء , وفي الغالب كلما لم أنوي لقاؤه , أراني واقفة أمامه وجه لوجه تكون المفاجأة كالبشري السارة لي وله , نعم , لما لا , لما لا أتمناه ؟! , ولماذا لم يسعفني القدر وكان من نصيبي , وتقابلنا وتعارفنا , ولكن هل في هذا التوقيت كنت سأقبل به , أم أن الوقت غير الوقت , والظروف ليست هي الظروف , والعمر العقلي له شئون غير شئون عقل مضت عليه مدة تكاد تقترب من عقدين من الزمان ؟!
إنهم يقولون القدر , وأنا مثلما قال لي سابقاً , إنه العقل , والإرادة للفعل , أو إرادة الإمتناع عن الفعل , أين كانت لا حينما داهمتك نعم ؟! , لماذا لم تحضر لا بقوة وعنفوان الإرادة الناجمة عن عقل مثقف واعي مدرك لما يدور حوله وما يدور داخل ذاته ويؤرق أو يسعد قلبه وفؤاده ؟! , أين ذهب لا اللعينة وقتها , ولماذا حضرت نعم , مع أن نعم لاتكلف شيئاً علي الإطلاق , نعم هذه مجانية , مجانية بلا تكاليف , ونتائجها تكاد تكون هي الحياة الجميلة أو التعاسة اللئيمة الأليمة التي ليس لها علاج أو دواء , ولا ينفع معها مشرط الجراح , هي ورم خبيث لايمكن إجتزازه أو علاجه , هي مرض مزمن نعيش معه علي زكريات الماضي بفتراته الجملة , وخاصة الطفولة , وعلي أخص وجه بعض فترات أحاديث الذات وتوهمات وتهاويم النفس وخيالات الروح في مرحلة المراهقة , وآه ثم آه , قلت أنا المراهقة , ليتني ماتزكرتها , فكانت تحيطني كتائب حراسات من الأب والأم والأشقاء وأبناء العم والخال , والعائلة ورقابة إجتماعية صارمة مقيتة وكأنني علي وشك الفجور وهذه الكتائب تمنعني منه , أو كأنني لعوب بغي وهم يحولون بيني وبين ما لا أرغب في الأصل من مقارفته , نعم كانت تهاويم النفس وتباريح الروح تصنع الصنائع بقلبي الغض البريء ,
ولكني علي الدوام كنت ألتجأ للعقل ليس حباً للعقل في هذه المرحلة العمرية بقدر ما هو تفادي لمحاولات الدفاع عن النفس عن جرائم لم ترتكب ولم يبدأ الشروع فيها , إلا مايجول بالعقل والخاطر من أمنيات وتمنيات جميعها تنتحر بحبل الحراسة المغلظة , والعادات والتقاليد الزائفة , والتي تميز بين الولد والبنت والرجل والست , فالأولاد وكأنهم لهم كامل الحقوق غير منقوصة في مواجهة حقوق البنات التي تكاد تتلاشي وتنعدم مما يجعل البنت تحمل واجبات أكثر من الواجبات وتنتقص حقوقها بغير وازع مع عقل أو أخلاق متزنة ومتكافئة , وكأن الأنثي جريمة تستحق العقاب والملاحقة والتربص بها ولها حتي لاتقع في براثن جريمة من الجرائم التي أرادوا لها أن تكون أخلاقية متعلقة بالشرف , فأن مازلت أمثل شرف الأب والأم والعم والعمة والخال والخالة , بخلاف أبنائهم جميعاً , فقد جعلوا العار في مواجهة الشرف , والعار والشرف أنثي / إمرأة / بنت , ومازلت أذكر فيما أذكر حديثه عن العقل والإرادة للفعل , والإرادة للإمتناع عن الفعل , ولكن كان يقول لي ويؤكد علي أن الخطأ في الإختيار أمر وارد , وهذا ليس بمصيبة أو كارثة , ولكن الكارثة والمصيبة هي التنكر للمسؤلية الناتجة عن إختياراتي للفعل أو للإمتناع عن الفعل ’ فالجريمة تكون شاخصة بهيئتها الكاملة حينما تتنكري لمسؤليتك عن ذلك , فهذه إختياراتك , فلا تلومي الأب والأم , ولا تلومي الزوج البغيض الحقود , ولا تلومي القدر , ولاتهربي بخطأك في الإختيار إلي راحة نفسية مؤقتة في الإلتجاء للقضاء والقدر والمشيئة والقدرة , أرأيت الأن : هل مقدر لك أن تأتي إلي هذا المكان , ومن الممكن أن لاتأتي , وما دمت قد أتيت وتحقق حضورك بالفعل , فهذا مايمكن أن نقول عنه " القضاء والقدر " , أما ما دمت لم تأت , ومازلت في مرحلة تفكير وتدبير وتصاريف لأمر المجي , فهذا يعود لعقلك وإرادتك , كمسألة زواجك , فهذه المسألة كانت مجهولة , ولم يثبت لك أو تتيقني أن زوجك البغيض الحقود سيكون لك زوجاً , فهذا مازال في مرحلة الغيب , مرحلة اللامعلوم , وكان عليك أن تختاري بنعم أو لا , وتتحملي النتائج اللاحقة والمسؤليات الناتجة عن إختياراتك , ففشلك في الزواج قد يكون راج لك وحدك , أو راجع للزوج البغيض الحقود , أو ثمة أخطاء مشتركة جعلت هذه الحياة بمثابة مأساة مكتملة الأركان لك أنت , فهل هي مأساة بالنسبة له ؟! , هل سألت نفسك هذا السؤال ؟ , وهل لاحظت عليه آثار سلبية جراء مأساتك وتغير خالتك النفسية والصحية للأسوأ ؟!, نعم نعم . أتذكر أنك قلت أن له حيوات أخري يعيشها في الحرام أو الحلال أو أو , ولكن حيواته هذه تكون له بمثابة علاج لأثار المأساة , فهو يجد مايريده , ويبحث عما يحلو له ويهواه , وأنا , أنا مازلت كما أنا , فمازلت كمن أنقضت عقوبته عن جريمة لم يرتكبها , ومازال أسير سجنه ومحبسه الإختياري , حتي السجناء لديهم لحظة تكون لهم فيها الحياة مشرعة زراعيها لهم والشمس مشرقة في وجوههم , والهواء الغض يلافح وجوههم بشراً وفرحاً بهم , أما أنا , فما زلت أسأل نفسي حتي الأن : من أنا ؟! , وماذا أريد ؟! , وهل ما أريده يحق لي في مواجهة أولادي في المستقبل , ومواجهة أمي وأشقائي البنات بعد أن أنفصلت أختي الوسطي عن زوجها لأمور تافهة تكاد تخص المصاريف والنفقات علي البيت والأولاد , وماذا عن أقاربي , ونظرة زملاء العمل لي , ففيهن من تسر وتصاب بالبشر وكأنها وجدت ضالتها في السعادة حينما تعلم بهذا الخبر , وأمثالها كثيرات , وماذا عن بعض الزملاء ممن كانت لهم نظرات مريضة أراها من خلف غطاء الرأس , وكأنهم يريدوا مني أن أكون وجبة دسمة شهية ثم ينفض الأمر بلا تكاليف وبلا أدني مسؤلية عقلية أو أخلاقية , نعم , هم مرضي مشوهون في العقول والقلوب , ويحتاجوا لمصحات نفسية لعلاجهم من أمراضهم التي صارت مستعصية في مواجهة المرأة التي رضوا لأنفسهم بتسميتها بالحريم وأقرنوها بالحرام , وجعلوا الحرملك ملاذ لهن لايقترب منهن إلا الخصيان والأغوات , واهتموا بأمر ختانها ونقابها وجعلوها بين أسرين متلازمين , هؤلاء هم من أنا منهم وهم مني , وهولاء هم أفاربي وجيراني وزملائي ومجتمعي الأكبر , أراهم في العمل والشارع والمناسبات الدينية والإجتماعية , أراهم في دور العبادة ودروس العلم , حتي رجل الدين الذي يدرس الفقه للنساء في المسجد , لايختلف عنهم بل أسوأ منهم بكثير , لأنه يحمل العلم ولايعمل بما يعظ به , وليس محل للإقتداء , فسيرته الشخصية صارت ملوثة وممجوجة وفجة وقبيحة في آثارها بعد أن تزوج داعرة بغي لثرائها الفاحش , بدعوي أنه سيجعلها تتوب علي يديه , وأمرها بالنقاب والإنتظام في دروس العلم , ولعلها هي الأخري بعد فترات زمنية ليست بالطويلة أو تكاد تكون قصيرة , ثم نفاجأ بأنها واعظة تدرس لنا آيات الكتاب والحكمة , وتحدثنا عن العفة والطهارة والشرف , وتقول لنا أن المرأة عورة كلها وصوتها عورة ولا بد لها من وضع مشبك علي أنفها حينما ترد علي طارق باب بيتها حتي لاتفتنه بصوتها , , , ربما , وما المانع , خاصة وأنه في مساجد أخري توالت الحكايات عن فضائح لنساء أدعت التدين , ورجال مشاهير كان همهم النساء وكأنهم لم يعلموا من الدين ولم يطبقوا منه سوي ما أسموه سنة التعدد للزوجات ,,, !!
ولما لا ؟! , فقد كان زوجي صاحب الأقنعة الكثيرة في بداية زواجنا أطلق اللحية وارتدي القصير من الثياب والتزم بالبنطال والسروال الذي نعته بــ "الشرعي ", وصاحب قنينة المسك الذي يستخدم في تكفين الأموات , ويستجلب زكريات الموت والجنائز والأحزان والبكاء والصراخ والعويل , وتذكر الأكفان ومشاهد تجمع النسوة وتزييهم بزي السواد , ونواحهم علي المفقود موتاً أو قتلاً , وبالفعل هذه الرائحة الفجة التي تملأ أي مكان يحل فيه من تلطخ جسده أو ثيابه بها , وصارت بالفعل تؤرقني بتذكر الأموات من العزاء من أقاربي , فهم يستحضروا هذه الرائحة الفجة مع كل كفن يتم شراؤه , معذرة , فقد ذكرني هذا المنافق الحقود بمثل هذه الزكريات الحزينة , واستجلبت لي كم من الألم والأوجاع , ومما جعلني أري نفسي وذاتي مفقودة حينما حاول إقناعي بإرتداء النقاب , وحاول معي مراراً أن أرتديه , لدرجة أنه كان يكاد أن يقبل قدماي من أجل إرتداؤه , لأنه إستجلب جملة من الموروثات الدينية والأحاديث التي تحرض علي النقاب حفاظاً علي المرأة وستراً لعوراتها , وأن أغلب أهل النار وسكان سقر وسعير هن من النسوة , المتبرجات , وأن هؤلاء النسوة بجانب تبرجهن وسفورهن غير طيعات طائعات لأزواجهن , وأخذ يلح علي في إرتداء هذا الثياب الذي وصفوه بالنقاب وأعطوه مسمي الزي الشرعي للمرأة , وأنا مازلت علي إصراري بأنه ليس بزي شرعي أو زي بدعي , فالأصل في الزي هو مايستر الجسد ولا يظهر منه إلا الوجه والكفين , وهذا هو الشائع لدي غالبية المذاهب علي ما أظن , والمهم أنني نزلت علي رغبته في نهاية الأمر وصرنا نحضر دروس دينية في المسجد القريب من السكن , وواظبنا علي الصلاة فترات طويلة وهو كان يبدوا لي شدة حرصه علي صلاة الجماعة في المسجد خاصة في مرحلة ماقبل الزواج أقصد الخطوبة التي كانت فترتها قصيرة جداً , وكأن الزمن يتربص بي للإقتران بهذا الشيء الحقود الكاره لنفسه ذو الوجوه الكثيرة , إلا أنه ملبث أن تخلي عن الصلاة في المسجد رويداً رويداً , وصارت لحيته التي كان ينوي إطلاقها لإكتمال وجه من وجوه النفاق والحصول علي إحترامهم وتقديرهم , ومالبث أن غير شكل ملبسه وصارت أحواله في تغير شبه كامل وصار شديد الحرص علي المال , لدرجة أنني لا أعلم عن دخله الشهري من عمله الوظيفي في القطاع الخاص , كم يقبض ؟ , ماهي حوافزه أو البدلات التي يتقاضاها ؟ بجانب أنه حريص للتعرف علي راتبي الذي أكاد أنفقه بالكامل علي الإنفاق علي الطعام واللحوم والدجاج والأسماك والخضار والفواكه وحتي زي الأطفال , وهو لايكاد ينفق شيء إلا اللمم من المبالغ التي لاتكاد تكفي ثلث الشهر وبالكاد لاتكفي مصاريف الصغيرين , إلا أنني أحسست أن النقاب قد جعلني في حالة من العزلة النفسية بسبب العزلة الإجتماعية بيني وبين أهلي وأقاربي خاصة أننا لنا تقاليد بسيطة في الزي والطعام والشراب والإختلاط الإجتماعي بيننا وبين أقاربنا بلا تكلف أو تزيد أو تصنع , فالبساطة تحيط بنا من كل الجوانب , ولم يوجد بيننا من يتفحص النساء أو يكاد يعريهن من لابسهن بنظراته السوقية المريضة المبتذلة حتي وان كانت منتقبة , فالمرضي النفسيين ماذنبي بذنبهم , وهل علاجهم كامن في النقاب والحجاب والخمار والزي ؟ , صارت دوامات من الأسئلة والإجابات التي تستجلب أسئلة أخري تراود عقلي علي فكرة الإنفلات من عتق النقاب مادمت ملتزمة بالزي البسيط المحتشم حسب قواعد البيئة الإجتماعية والوسط الإجتماعي الذي أعيش فيه , ومازالت هذه الفورات العقلية تحرضني علي إبدال النقاب بغطاء رأس عادي أياً كان هذا الغطاء وأياً كان مسماه , وتعود بي الأسئلة وكأني أعرضها علي هذا المريض النفسي ذاك الإنسان الحقود ذو الوجوه الكثيرة والمنافق لحد الثمالة , الذي يريد ويسعي في إستجلاب رضا الناس وسرقة تقديرهم الزائف له , فلماذا هو حلق لحيته واستبدل ثيابه وصار يتزيي بالزي الضيق والقمصان المجسمة , ويحرص علي حلق لحيته بإستمرار ووضع الكريمات والعطور حال خروجه من المنزل لأي وجهة يتوجهها ؟ , أوليس كانت فكرة اللحية والنقاب والمواظبة علي صلاة الجماعة وحضور دروس المسجد إتفاقاً بيننا , وهو من أخل بهذا الإتفاق وخلف وعده وعهده بيني ؟! , لا أريد من أحد أن يلقي علي نصائح علي شكل أو صور عظات دينية , فلقد سمعتها مرة من المرات تقول لي : هذا شأن إيماني , فإذا فسد الناس فهل يحق لي أن أكون من الفاسدين , هكذا قالت , وكأنني في حالة إستبدالي للنقاب بزي آخر قد صرت من الفاسدين , لدرجة أنها تمادت في تشبيهها قائلة بصورة تجلب الإمتعاض والقرف محركة حاجبيها ووجنات وجهها المبتظة مع تمايلات خصلات شعرها وحرصها علي إعادة خصلات شعرها للخلف مرات عديدة أثناء وجودي معها , وتقول : هل إذا زني الزوج , فهل يحق للزوجة أن " ........... " فقاطعتها في حالة رفض وتغيرت ملامح وجههي لدرجة أنني كدت أن اوجه لها كلمات تردعها , ولكن ملامح وجهي كانت أكبر مؤشر ودليل علي رفضي لحديثها , وندمي علي إبتدار الحديث معها حول مسألة أري أنها مازالت من الحريات الفردية الشخصية التي لايحق لأحد أن يتدخل فيها حتي وإن كان هذا الزوج الحقود ذو الوجوه والأقنعة الكثيرة , وهذا بالرغم من أن من تتحدث بهذا الحديث ممن يطلق عليها بعض المهووسون بالسافرات الكاسيات العاريات , وكانت تسخر منهم حينما يصفها أحدهم بذلك في صحيفة من الصحف أو فضائية من الفضائيات , واليوم أقصد اللحظة التي أتحدث معها بقليل من الفضفضة أراها صارت واعظة دينية ومرشدة إجتماعية تسدي النصائح وتعرض الحلول , وهي كما هي ..
بصراحة :لقد اصابني التململ وصرت كأنني مريضة بالملل مما صرت إليه , من عجزي عن مواجهة ذاتي , وأخذ قراراتي بقوة ناجزة تلبي لي ما أريده وما أطمح إلي تحقيقه من غير وصايات كاذبة منافقة ملعونة من أي إنسان كائناً من كان , حتي وإن كان هذا المريض الحقود ذو الألف وجه وقناع , حتي وإن كان هذا الزوج العالة علي مشاعري وأعصابي ونفسي التي صارت متوترة ومؤرقة بصنائعه السوء وأفعاله المشينة , بصدق : سيكون قراري نافذ حتي وإن كان الحل يسكن لدي مأذون شرعي , أو قاعة المحكمة , فلن أصير من جملة العبيد الأسيرات لرغبات رجل فقد كل القيم والأخلاق والمباديء , وصارت بينه وبين المثل العليا والفضائل عداوة في السر , ومصادقة في العلن لإسترضاء الناس فقط .. لن أخشي أحد , ولن اكون محل لقبول وصايات أحد !
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس