الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-فرق الموت- في العراق

سلامة كيلة

2006 / 1 / 17
الارهاب, الحرب والسلام


فرق الموت هي تلك المجموعات التي أسستها الولايات المتحدة في بعض دول أميركا اللاتينية (مثل السلفادور و غواتيمالا و الهندوراس) لبثّ الذعر و قتل الوطنيين و المدنيين، وإلصاق التهم بالقوى اليسارية التي كانت تقاتل ضد النظم العميلة الملحقة بالولايات المتحدة. و لقد إرتبطت بشكل ما بالسيد نيغروبونتي الذي أصبح سفيراً للولايات المتحدة في العراق لفترة وجيزة.
هل أن هذا النمط من العمل المخابراتي قد إنتهى؟ أم أن خبرة ممارسته في أميركا اللاتينية يمكن أن تكون قد أفادت في نقله إلى أماكن أخرى؟
منْ يتابع عمليات تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، و تركيزها تحديداً على قتل المدنيين، و على إستثارة حرب طائفية، دون ممارسة أي عمل عسكري ضد القوات الأميركية المحتلة، يقف متسائلاً عن الدوافع التي تفرض ذلك، و لماذا قتْل المدنيين بهذا الشكل البشع؟ و لماذا تحويل الحرب ضد الشيعة إلى حرب أساسية في ظلّ وجود الإحتلال؟ فبغضّ النظر عن الفتاوى الفقهية المستمدة من إبن تيمية أو من محمد بن عبد الوهاب، كيف يمكن أن يجري تجاهل الإحتلال، و التركيز على الحرب الطائفية التي تخدم وجوده؟
هذه تساؤلات، ربما كانت خطرت على أذهان الكثير ممن يتابع الشأن العراقي، و ربما أيضاً أثارت تساؤلات لدى الذين يتطوّعون للقتال في العراق ضد الوجود العسكري الأميركي. و لاشكّ في أن ما يجري يفرض التساؤل والشك. فـ "التخلف" و "التمسك الديني"، وغياب الوعي السياسي لدى الذين يتطوّعون في إطار الحركة "الجهادية"، لا تقود حتماً الى حرب طائفية في ظلّ إحتلال واضح إلا إذا كان هناك من يبرّر و يوجه، أو يتقصّد ذلك.
و بالتالي يمكن أن نستعيد تكوين هذه الحركة "الجهادية" التي تبلورت في أفغانستان، إستناداً إلى توافق أميركي/ سعودي بالأساس (أشار محمد حسنين هيكل إليه في كتابه مدافع آيات الله، و أكد عبر وثيقة أنه تحقّق سنة 1974 بمشاركة مصرية مغربية كذلك، و تحت شعار مواجهة الشيوعية). حيث رُفع شعار التحالف ضد الإلحاد ( المتمثّل في الشيوعية). الأمر الذي جعل إرتباطها بالولايات المتحدة ممكناً ( كونها تمثّل أهل الكتاب)، و سمح بأن تشرف المخابرات الأميركية على تدريب عناصرها لتوظيفها في حرب منهكة ضد الشيوعية.
وإذا كنا لا نستطيع أن نقول بأن كلّ العناصر التي إنتمت إلى هذه الحركة باتت مرتبطة، لكن يمكن القول بأن الدور الأميركي المشرف و الداعم (مباشرة أو عبر باكستان و السعودية) أسهم في إستقطاب بعض عناصرها لتوظيفهم في حروب تريدها الولايات المتحدة. رغم أن طبيعة الأفراد المنتمين تسمح بتوظيفهم نتيجة القناعات "الأيديولوجية" المغرقة في الجهل، و التي باتت تشكّل قناعاً سميكاً يخفي الحقائق، خصوصاً و أن هذه القناعات تقوم على فتاوى قيلت منذ قرون، و أن متلقيها بسطاء من حيث المعرفة السياسية.
وهذه العملية خدمت الولايات المتحدة خدمة هائلة كونها جمعت آلاف المقاتلين "المسلمين" (بتشجيع من النظم العربية)، للمشاركة في حرب تهدف الى هزيمة الإتحاد السوفييتي، الذي كان يمثّل القوّة المواجهة واللاجمة لقوّة الولايات المتحدة، والمحققة لتوازن قوى عالمي ليس في مصلحة الولايات المتحدة. ولهذا تمركزت قوّة "تخلفنا" المتمثلة بهؤلاء ضد دولة كان وجودها يخدم تطوّرنا لأنه يردع جشع الدولة الأميركية، تحت شعار ساذج هو الحرب ضد الإلحاد. و كأن الحرب الآن هي حرب إيمان/إلحاد وليست حرب ضد النهب و السحق والإضطهاد الذي تمارسه الإمبريالية و الإمبريالية الأميركية خصوصاً، التي وقفت ضد حركة تطوّرنا ودعمت الدولة الصهيونية، و باتت الآن تحتلّ العراق.
هذا الوضع أوجد كتلة "مقاتلة" يمكن توظيفها حيثما أرادت الولايات المتحدة، فقد باتت ممسكة بمفاتيحها، وتعرف الفتاوى التي يجب أن يجري التركيز عليها و إظهارها، كما تعرف أن إنهيار الحركة السياسية العربية جعل من الممكن "اللعب" بكتلة بشرية عبر "المحرّك الديني" دون أن تعرف معنى السياسة، بل بالإستناد الى الفتاوى الدينية ذاتها، وإستناداً إلى نصوص فقهية في الغالب. الأمر الذي يسمح بتحويل الصراع من طابعه الأساسي إلى صراع هامشي يدمّر إمكانية مواجهة الإحتلال، أو يدعم القوى الإمبريالية ضد حركة التطوّر و التقدم و التحرّر.
لهذا سنلمس أن كلّ عمليات " تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" بزعامة أبو مصعب الزرقاوي هي ضد المدنيين، وإنطلاقاً من أن المعركة الرئيسية هي ضد الشيعة (كلّ الشيعة) كما يعلن أبو مصعب ذاته. وإذا دققنا في الرؤية الأميركية لوضع العراق سنلحظ موقع هذا التنظيم فيها، وسيبدو أنه الشكل الجديد لفرق الموت و أكثر. وإذا كان تخريب المقاومة العراقية عبر إغراقها بعمليات مجرمة بإسمها، هو هدف أميركيّ بإمتياز، من أجل إرباك المقاومة و تشويهها، و تأسيس رفض شعبيّ لها، فإن المسألة أكبر من ذلك كذلك. فهذا الهدف أساسيّ لإرباك المقاومة، و منع نشوء مقاومة شعبية خوفاً من "السيارات المفخخة" و الإستهداف و القتل العشوائي، لكنه يأتي في سياق أشمل يتعلّق بالتأسيس لحرب طائفية تقود الى تفكيك العراق.
حيث يأتي التحريض ضد الشيعة و إستهدافهم في سياق الرؤية الأميركية التي عملت منذ البدء على التعامل مع العراق كمجتمع طوائف و أديان، و أن الديمقراطية تعني التعبير عن هؤلاء بصفتهم هذه. وحوّلت الفيدرالية من شكل إداري الى شكل طوائفي يقسم العراق على أساس توزّع الطوائف (إضافة الى الأكراد في الشمال). و سلّمت السلطة للقوى الشيعية الأصولية التي أتت من الخارج مع الإحتلال الأميركي. و بالتالي أصبح من الضروري إيجاد المقابل السنّي الذي يعمل على أن يصبح ممثّل السنّة و رأس الحربة ضد الشيعة لكي يصبح التقسيم ممكناً. وهذا هو الدور الذي يلعبه "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين". ولهذا فهو يعمّم القتل و الدمار و يدفع لبدء الحرب الطائفية عبر ممارسته قتل الشيعة، من أجل إستثارة الشيعة ضد السنّة، وليصبح هو الممثّل القوى السنية. مما يكرّس تقسيماً واقعياً للعراق، بعد أن يكون قد قتل ودمّر وأربك المقاومة و "همّشها".
لنلحظ كيف صُنِعت أسطورة أبو مصعب الزرقاوي. حيث أنه كان مغموراً، و ربما محدودين من الأفغان العرب كانوا يعرفونه، بعد أن إنشقّ على معلمه أبو محمد المقدسي (المعتقل في الأردن بعد أن أفتى ضد ممارسات الزرقاوي في قتل المدنيين و الشيعة مؤخراً)، وذهب الى أفغانستان. لكن كان من "الأهمية" لأن يذكره الريس جورج بوش مرات عدّة بعد إحتلال العراق مباشرة، رغم أن وجوده في العراق لم يكن مؤكداً، وبالتالي لم يكن يمتلك تنظيماً (ربما فقط مجموعة إسلامية كردية هي أنصار الإسلام). ولقد بدا عبر خطابات بوش أنه قائد أركان المقاومة العراقية و الفصيل الأضخم فيها، و الزرقاوي الشخصية الأكثر خطراً فيها، رغم أنه لا يمتلك من المؤهلات ما يجعله كذلك. لقد أصبح أكثر أهمية من صدام حسين، ومن كلّ القوى التي بدأت المقاومة بعد أيام من الإحتلال، وأؤكد: رغم أنه لم يكن يمتلك لا القدرة و لا القوى.
ومن ثمَّ بدأ الإعلام يتجه الى التركيز على أبي مصعب الزرقاوي، و على عملياته المثيرة للشكّ. وأصبح يبدو (في الإعلام) أنه القوّة الأساسية المقاوِمة. وأصبح يُنسج و يصاغ كأسطورة، و كرمز. وهذه عملية صناعة معروفة يلعب الإعلام دوراً أساسياً فيها، فكيف إذا أصبحت المسألة تتعلّق بإهتمام خاص من رئيس أقوى قوّة في العالم. و سنلمس هنا أنه اصبح أكثر أهمية من بن لادن و الظواهري الذين تواريا ليظهرا بين الفينة و الأخرى.
وفي هذا الإطار أصبح الزرقاوي رمزاً مقاوماً للإحتلال. وهو ما مهّد لأنْ تبدأ المجموعات "الوهابية" التي ربتها الدولة السعودية، وأخرى تهدف الى مقاومة الإحتلال حقيقة، التوافد الى العراق ضمن شبكة علاقات أقيمت في فترة الحرب في أفغانستان ضد الإتحاد السوفييتي. وحيث تشكّلت ركائز لهذا التنظيم في العراق تستقبل كلّ هؤلاء لتوظفهم وفق رؤية تنطلق من الحرب ضد الشيعة.
مَن يعرف من كلّ هؤلاء الذين قرّروا الإستشهاد أهداف أبو مصعب الزرقاوي بالضبط؟ أعتقد أن لا أحد.
هذا الرسم الأسطوري لأبي مصعب الزرقاوي كان مقصوداً من قِبَل الولايات المتحدة، وكان يهدف الى أن يتحوّل الى رمز يمكن أن يستقطب قطاعات أصولية لتتحوّل (بالإستناد الى هشاشة وعيها) الى قوّة في مشروع أميركي، وهو مشروع الفوضى وتشويه المقاومة و الدفع بإتجاه حرب طائفية. الأمر الذي يكرّس الإحتلال ويضمن بقاء القوات الأميركية لعقود طويلة في بلد ممزّق. كما يسهم في نهب النفط دون إلتفاتٍ من الشعب العراقي المنهك، ودون إنتباه منه كما يجري الآن.
لهذا فإن "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" هو فرق الموت الأميركية. وإذا كانت بعض تنظيمات المقاومة العراقية باتت تتنبّه لخطر دوره، وإساءته للعراق وللمقاومة، فإن موقفاً واضحاً يجب أن يؤخذ منه دون تردد، إنطلاقاً من أنه فرق موت أميركية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي