الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدمر عروس الصحراء

عيسى محارب العجارمة

2017 / 3 / 3
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تدمر عروس الصحراء

خاص – عيسى محارب العجارمة – ما هو السر وراء زيارة رئيس الوزراء الاردني الدكتور هاني الملقي المزمعة هذا الاسبوع لتركيا ونقله لرسالة خطية من جلالة الملك للرئيس التركي رجب طيب اردوغان ؟
فالرسالة الخطيرة وشديدة اللهجة اليوم صوب الاردن الهاشمي بتسخين حدوده الشمالية مع سوريا، وحقيقة تحرك داعش والنصرة، وإعادة انتشارها في الجنوب السوري وهذا ما يفسر الاستيلاء على تدمر والتحرك في مناطق السويداء ودرعا تحت بصر كل الأقوياء والفاعلين في المشهد السوري.
ودور الأردن في هذه المسألة دور مباشر ولن يكون من خلال أطراف أخرى عسكريا وامنيا وسياسيا .
فالجيش السوري وحلفاءه حرروا مدينة تدمر من تنظيم داعش، الذي عمد إلى تلغيم وتفخيخ نقاط كثيرة في المدينة.
ومشّط الجيش السوري وحلفاؤه الأحياء الغربية من تدمر بعد استعادتها وطرد داعش منها، والطائرات السورية دمرت رتلاً للتنظيم كان منسحباً باتجاه طريق السخنة شرقاً.
ونشر الإعلام الحربي مشاهد للجيش السوري وحلفائه أمام قلعة تدمر.
بدورها، أعلنت وزارة الدفاع السورية إحكام السيطرة على قلعة تدمر الأثرية وتلة الاتصالات غرب مدينة تدمر.
هذا التقدم الميداني الذي يحرزه الجيش السوري وحلفاؤه بدعم من سلاح الجو الفضائي الروسي, وانما ايضا في انهيار ما يُسمى الهيئة العليا للتفاوض المنبثقة عن مؤتمر الرياض وسقوط الرهان عليها، وفقدانها لأي تأثير (ولو معنوياً) على الكتائب والفصائل المسلحة في الداخل السوري، والتي وان وصل عديدها الى الف فصيل واكثر, الا انها مجرد عصابات سرّاق وقتلة وقُطّاع طُرق, اكثر منها تنظيمات تنتمي «لثورة» لطالما تغنى بها الاميركان وبعض العرب وخصوصا حكومة اردوغان والظاهر أن الجولاني اختار أن يلعب الدور القديم نفسه وهو دور الوصيّ على "الجهاد" بأدبيّاته وأهدافه وخطابه.
والحملة الشعواء التي يقودها المرجع "الجهادي" الأردني أبو محمّد المقدسي ضدّ "هيئة تحرير الشام" بسبب خطابها الذي وصفه بـ "المتميّع" و"المنحرف فمسعى الجولاني للترقيع مع المقدسي وتيّاره، وفي هذا السياق لا تُخفى رمزية وقوف الجولاني أثناء كلمته المصوّرة وراء منصّة تشبه تلك التي يستخدمها مسؤولو الدول في خطاباتهم الرسمية.
وهنا لابد من التذكير بطَرَح شمعون بيريز (مهندس كل ما يجري في المنطقة) مشروعه عن الشرق الأوسط الجديد، وقد استكمله لاحقاً باقتراح آخر باسم (كونفدرالية الأراضي المُقدّسة).
فأما الأول (الشرق الأوسط الجديد) فيدعو جهاراً نهاراً إلى تفكيك (الجيران) وهدم بيوتهم (السياسية) وإعادة ترتيبها على نحو جديد تماماً تتجاوز الحدود إلى البنية نفسها.
ويُركِّز بيريز على أن ما يُسمّى (السلام السياسي) يأتي لاحقاً للسلام الاقتصادي، أي تحويل الإقليم كله إلى شبكات وبنى تحتية ودمجها في (المشروع الصهيوني) وتحميل التكاليف والنفقات إلى صناديق خليجية ودولية من أجل السلام و(دَحر الإرهاب).
ومَن ينظر إلى تفاصيل كتاب بيريز (الشرق الأوسط) يلحظ منذ الوهلة الأولى أنه صورة عن (إسرائيل الكبرى) وعن مشروع أو ملحق آخر هوالتقاسم الوظيفي (الأرض بين البحر والصحراء لإسرائيل يعيش عليها سكان عرب).
ويقترح في دراسة أخرى لإدارة (المواطنين اليهود) في الأرض المُحتلة (مع السكان العرب) إقامة كونفدرالية من مراحل عدّة:
الأولى: تأمين المناخات الملائمة (من نمط ربيع الفوضى).
الثانية: إعلان كونفدرالية بين الأردن والضفّة الغربية (كونفدرالية أشلاء وسكّان من الضفّتين).
الثالثة: إعلان كونفدرالية الأردن الكبير التي تضم أشلاء من العراق وسوريا وكانتوناً أو برلماناً درزياً يضم ممثلين عن دروز سوريا والأردن وفلسطين وبحيث تضع إسرائيل يدها بموجب هذه الكونفدرالية على درعا وحوض اليرموك المائي والجولان بصورة نهائية وتؤمّن أو تبعث الحياة في خط نفط كركوك - حيفا.
الرابعة: إعلان كونفدرالية الأراضي المُقدّسة بعد تمزيق الشرق العربي إلى هويّات طائفية (مسلمون، مسيحيون ، دروز) يُشكّلون مع اليهود اتحاد أديان مُقدّس وتكون القدس(أورشليم) عاصمته المركزية.
وبالعودة إلى المراحل الأولى السابقة الذكر من الكونفدرالية ينطلق المشروع الإسرائيلي من المُعطيات التالية:
1. إن الحصة المُتاحة للفلسطينيين كإطار أو كيان (مستقل) هي قطاع غزّة أولاً وأخيراً، أما الضفة الغربية فهي موضوع تقاسم وظيفي مع الأردن وفي الإطار المُشار إليه (سكان عرب على أرض إسرائيل).
2. لم يعد المقصود بالضفة الشرقية (الأردن) أو الغربية واقع أو شبه واقع السلطة السياسية (المركزية)، بل أشلاء من الكانتونات والجزر الإدارية و الأقتصادية المُنعزلة عن بعضها سواء داخل (الأردن) أو داخل الضفة، وبالتالي ليس المقصود بالكونفدرالية كونفدرالية دولة أردنية مع سلطة فلسطينية ولا كونفدرالية شعبين، بل كونفدرالية أشلاء هنا وهناك، وبالتالي كذلك ليس المطروح التوطين السياسي للفلسطينيين وإحلالهم سياسياً محل السلطة الأردنية والأردنيين، بل كونفدرالية مجاميع (سكّانية) من الجهتين لا ناظمَ لها.
3. بالإضافة إلى إحياء مشروع التقاسم الوظيفي المذكور في طبعته الجديدة، فالأخطر هنا تحوّل الأردن من دولة فاصلة (بافر ستيت) على (نحو عمودي) إلى دولة واصلة على نحو أفقي (عمّان - رام الله مثلاً ، الكرك مع الخليل، إربد مع شمال الضفّة وهكذا).
4. وفي ما يخصّ القيادة السياسية المطلوبة في الأردن، كما الضفّة الغربية، لم تعد المسألة مسألة درجة موافقتها على وادي عربة وأوسلو وعلى الاستراتيجيات الأمريكية المزعومة ضدّ الإرهاب (الذي ترعاه أمريكا أصلاً)، بل مسألة أخرى من صميم الأمن الإسرائيلي وهي أن تكون هذه القيادات بلا أنياب وبلا أيّ وزن.
5. ولهذه الغاية لا بدّ من إجراء تعديلات دستورية تكرّس هذه الحال باسم الديمقراطية والدولة المدنية والمواطنة.
6. ويجب أن يتم كل ذلك على نحو كوميدي مستذكرين عبارة هيغل - ماركس الشهيرة (يُعيد التاريخ نفسه على شكل كوميدي) وعندما يفكّر أحد ما بتحدّي هذه الفكرة ، عليه أن ينتظر نهاية تراجيدية، وهو ما حدث مع ياسر عرفات كما حدث من قبل مع الملك طلال الأول في الأردن, عندما حاول توظيف الدستورالمتقدّم المصمّم لوحدة الضفّتين بعد نكبة فلسطين على غير الهدف الحقيقي في رأس التاج البريطاني آنذاك.
7. الأسوأ في كل ما سبق أن كل مناخات الوحدة السابقة بين الضفّتين لم تعد قائمة، فالبرجوازية المدنية الناشئة تحوّلت إلى مافيات والكتل الأجتماعية عادت سيرتها الأولى (مجاميع ما قبل رأسمالية) ولم يعد الرعيل الأول من رجال الدستور والوحدة والقانون والهويّة القومية، لم يعد قائماً وحلّ محلّه رعيل السماسرة الصغار.
إيران وتركيا هما اليوم من اللاعبين الإقليميين الكبار في المنطقة، بل إنهما أكثر هؤلاء اللاعبين أهمية بالنظر إلى أزمة العدو الصهيوني منذ تراجعه أمام حزب الله في تموز 2006. وبالنظر إلى ما تعرّضت له المراكز الحضرية العربية الأساسية (القاهرة ودمشق وبغداد) ومع موجة الانبعاثات الإمبراطورية شرقاً وجنوباً لروسيا وتركيا وإيران، فإن ظلال الماضي تحوم على الحاضر على نحو أو آخر.
فما شهدته المنطقة في القرن السادس عشر عبر معركتين قرّرتا مصيرها لقرون عدّة، وهما معركة كالديران، (1514) ومعركة مرج دابق (1516) فقد تمكّن الأتراك من خلال السُلالة الثانية لهم بعد السلاجقة، وهي السُلالة العثمانية من إخراج العرب من التاريخ وتطويق الإيرانيين في رُقعة محدّدة ...
وإذا كانت معركة (مرج دابق) التي وضعت العرب تحت ظلام العثمانيين عدّة قرون، حاضرة في الأذهان والمُقاربات، فقد كانت عملياً نتيجة معركة كالديران وهزيمة الإيرانيين فيها، فماذا عنها:
1. وقعت المعركة بين عائلتين، الأولى كانت تحكم آسيا الصغرى والثانية كانت تحكم بلاد فارس، وهما عائلة آل عثمان والثانية العائلة الصفوية.
2. إن العائلتين من أصل تركي، بل أن الصفويين يعتبرون أنفسهم أكثر نقاء في نَسبَهم التركي إلى صفيّ الدين الطوسي من أذربيجان، ومن إسم (صفيّ الدين) عُرفوا بالصفويين.
3. مقابل تشيّع اسماعيل الصفوي، فإن خصمه العثماني سليم الأول، لم يكن سنّياً بالمعنى الشائع، فهو كما عموم (الإسلام التركي آنذاك) كان خليطاً من أفكار أبو حنيفة (الذي كان يُجاهر بعلاقته بالإمام جعفر الصادق، مؤسّس الطريقة الإثني عشرية الشيعية) ومن الأفكار الصوفية وخاصة طريقة الدراويش ومنها البكتاشية (أيديولوجيا الإنكشارية في الجيش العثماني)، بل أن السلطان سليم الأول عُرِف بملاحقته للحنابلة (أنصار الإمام أحمد بن حنبل) وبإعجابه بإبن عربي المُتصوّف الكبير المعروف.
4. إن مذهب ولاية الفقيه الذي تبنّاه إسماعيل الصفوي كان من بنات أفكار شيعي عربي هو الشيخ اللبناني علي الكركي الذي تعود أصوله إلى قبائل عاملة التي هربت من الأردن بعد ملاحقة صلاح الدين الأيوبي للفاطميين.
5. جرت المعركة بين جيشين غير مُتكافئين لا في العدّة ولا في العتاد، فقد كان الجيش العثماني مزوّداً بالمدفعية وينوف عديده على ال 150 ألف مقاتل مدرّب، مقابل حوالى خمسين ألفاً في جيش إسماعيل الصفوي، معظمهم من القوزال باشي (أتراك من أذربيجان)
6. بخلاف ما أعلن من حرص مُتبادَل على (صحيح الدين) عند الطرفين كعنوان للمعركة فقد جرت للسيطرة على طُرق التجارة وخاصة تجارة الحرير والعبيد.
ويُشار هنا إلى أن الصِراع على تجارة العبيد كان من أسباب الصِراع اللاحق بين الاستعمار البريطاني وبين ما عُرِف بالثورة المهدية في السودان، ومما يؤكّد ذلك بالنسبة للسلطان سليم الأول الدور الذي لعبه العبيد وخاصة الخصيان في البلاط العثماني لاحقاً.
7. في خلفيّة هذه المعركة والجانب التجاري فيها لا بدّ من الانتباه إلى عنصرين هما:
الأول، دعم بل تحريض تُجّار البندقية وجنوى للسلطان سليم الأول مقابل دعم البرتغاليين لإسماعيل الصفوي.
الثاني، تحوّل طرق التجارة الدولية نفسها إلى محورين جديدين: رأس الرجاء الصالح جنوباً، ومحور قزوين – الأسود شمالاً، ما يُفسّر أيضاً أفول دولة المماليك في مصر مقابل دولة العثمانيين في آسيا الصُغرى.
8. إن هذه المعركة التي يحتفي بها بعض العرب بإسقاط على ما يجري، هي التي أسّست أيضاً لسقوط العرب تحت سيطرة سلاطين آل عثمان طيلة قرون كاملة بعد معركة كالديران بسنتين.
9. وفي ما يخصّ إيران الحالية، ومع التطوّر الذي جرى على ميزان القوى بين البلدين، فإن معركة كالجيران أو كالديران، أكثر من ذاكرة، وتؤشّر إلى أن إيران، ربما ترى في المحاولات التركية في سوريا والعراق ظلالاً لاستعادة مناخات هذه المعركة بصورة أو بأخرى. وربما تذهب أكثر من ذلك في ثأر استراتيجي مستند إلى اختلال ميزان القوى الإقليمي والدولي لمصلحتها، بالإضافة إلى الإتفاق النووي، ولعلاقتها القوية مع الدول الكبرى في البريكس (روسيا والصين).
ومن المُفارقات الأخرى ذات الصلة، هي الظلال الروسية المُبكرة على الانبعاثات الإمبراطورية المذكورة لكل من أنقرة وطهران..
فلولا الدعم العسكري الذي قدّمته روسيا (بعد الثورة الاشتراكية فيها) لمصطفى كمال أتاتورك لما تمكّن الأتراك من ترميم جسد ما تبقّى لهم بعد الحرب العالمية الأولى واستبدال اتفاقية "سيفر" باتفاقية لوزان التي كرّست السيطرة التركية على أراض ٍوأمم عديدة شرق تركيا وجنوبها وغربها.
كما إن العائلة التي حكمت إيران بعد سقوط دولة القاجار في الحرب العالمية الأولى، عائلة تنتمي إلى الحرس الأبيض القيصري الروسي...
وبالمجمل، فإن ظلال مرج دابق العربية الناجمة عن ظلال كالديران الإيرانية، تحتاج إلى التمعّن وهي تعود من جديد وتستدعي البحث عن قواسم عربية – إيرانية مشتركة قد لا تسمح للتاريخ بأن يُعيد نفسه.
وفي الختام فأن تحرير تدمر عروس الصحراء ودحر داعش منها هو مصلحة اردنية عليا وتحرك الاردن السياسي عبر زيارة الرئيس الملقي لانقرة لقطع الطريق على اردوغان حتى لا يواصل تقدمه عبر منبج للرقه وصولا لتدمر قرب الحدود الشمالية للاردن فالثورة العربية الكبرى تجدد نفسها تاريخيا والصراع العربي العثماني اطل برأسه من جديد على جبهتنا الشمالية خدمة لمخططات اسرائيل الكبرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدبلوماسية الأمريكية: أي أمل لغزة ولبنان؟ • فرانس 24


.. هاريس - ترامب: أيهما أفضل للعالم العربي والمنطقة؟




.. تونس: ماذا وراء حبس -صنّاع محتوى- بتهم أخلاقية؟ • فرانس 24 /


.. ما أسباب توقيف طالب فرنسي في تونس بقرار من القضاء العسكري؟




.. تونس: السجن أربع سنوات ونصفا لناشطة تونسية على إنستغرام بتهم