الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فنُّ - هارولد بينتر- لتحرير الإنسان من الظلم والاضطهاد

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 1 / 18
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الفن أحد أشكال الوعي الإجماعي و جزء مهم من البنية الفوقية السياسية التي تنشأ من الوجود الاجتماعي ، يلعب دورا فعالا ومؤثرا في عملية التطور الاجتماعي وتغيير المجتمع. فالفن والثقافة الرجعيين يعملان على مسخ الإنسان بتعزيزهما أساس النظام الرجعي القديم ، بإنتاج وإعادة الإنتاج للعلاقات البالية والمتخلفة المساندة للقوى اليمينية و المستبدة المستغلة لطاقات الجماهير المحرومة.
وبلا شك أن الفن التقدمي والثوري سلاح ماضي على القوى التقدمية والإنسانية الالتزام به في وجه الهجمة الرجعية الشرسة لفن الابتذال الذي تروجه الرأسمالية والقوى الرجعية المتسلطة على رقاب الجماهير الكادحة.
,أمام هذه الهجمة الشرسة للفن المبتذل والبرجوازي الرجعي يقف هارولد بينتر بفنه و نتاجاته الدرامية . و يثبت للعالم أن الفن ليس للبيع والارتزاق وإنما هو لتحرير الإنسان من العبودية والذل و الاضطهاد.

هارولد بينتر الحائز على جائزة نوبل للآداب لعام 2005 شخصية مهمة كبيرة. لم يحضر حفل استلام الجائزة بسبب مرضه ، فبعث كلمته الخاصة بهذه المناسبة والمسجلة من المستشفى . و شاهده المشاهدون يلقي كلمته على الشاشات التي نقلتها إلى الحفل المقام بمناسبة جائزة نوبل . كانت حقا كلمة دخلت إلى القلب مباشرة لأنها كانت من القلب. وكانت في الوقت نفسه مناشدة صادقة للدفاع على كرامة الإنسان وحريته و عدم تشويه الحقيقة . هذه الكلمة صدمت أرستقراطية المجتمع السويدي، و النخب العالمية والقيمين على الثقافة المعاصرة.
كلمته الغنية بالمحتوى الإنساني التقدمي لم تكن أهم كلمة في هذه المناسبة فحسب ، بل كانت من أهم أحداث العام 2005 من الوجهة السياسية. لم يكن بينتر فائزا بجائزة نوبل للآداب فحسب، بل كان أيضا منتصرا في معركة جرت في أكبر محفل عالمي على أكبر قوتين تهيمنان على العالم ، أمريكا وبريطانيا، وذلك بانتقاده اللاذع و الصادق لسياستهما الإمبريالية منذ عقود ،و بفضحه لجرائمهما بحق الشعوب المضطهدة في قارات آسيا وأمريكا اللاتينية و أفريقيا. لقد انتصر حقا عندما أكد أن وظيفته الأساسية هي كشف الحقيقة، و الدفاع عن كرامة الإنسان التي تتعرض اليوم إلى انتهاكات فظيعة.
إن كان المسرحي البريطاني الكبير هارولد بينتر يكتب أعماله بالإنجليزية ألا أنه يفكر و ينتج و يتأمل عالميا وإنسانيا.
و إن كتاباته قد غيرت مسير الدراما الإنجليزية و أثرت محتواها إنسانيا. وقد بدأ الكتابة الدرامية منذ حوالي 50 عاما ولا يزال رائدا في هذا الفن. محور أعماله هو الإنسان ، الإنسان المستلب المعاصر وكفاحه في الدفاع عن هويته الإنسانية وعواطفه الجميلة في مواجهة الاغتراب الذي يتعرض له من قبل النظام الرأسمالي. وأعماله الدبية تتناغم دوما مع مواقفه ونشاطاته السياسية ، فالعبث السياسي و الأدب الساخر أسلوبه التعبيري الرائع و حربته الحادة في الكفاح ضد الهيمنة الأمريكية وبلطجية العالم. وفي أحد أعماله التي يسخر فيها من النظام العالمي الجديد ، يقول: لم ننته بعد من العمل ، بل لم نبدأ بعد " .
عنوان كلمته كان " الفن والحقيقة والسياسية" التي عالج فيها الحقيقة في الفن و السياسة و فضح حقيقة السياسة و النظام العالمي الجديد و أصحاب القرار . كما بين الصلة بين الحقيقة والسلطة إذ أكد أن قادة العالم لا تربطهم بالحقيقة أية صلة، بل صلاتهم فحسب بالسلطات والنفوذ.
فالحقيقة و السلطة أمستا نقيضين يقفان في مواجهة بعضها البعض. وبالتالي يقوم المتسلطون بالكذب على الناس وتضليلهم بكل ما أوتوا من وسائل. و من هذا المنطلق بدأ بيتنر هجومه على الحرب الأمريكية البريطانية على العراق ، وكذبة محاربة الإرهاب و تدمير أسلحة العراق للدمار الشامل.
و قد قرأ في بينتر في سياق كلمته قصيدة للشاعر التشيلي بابلو نير ودا، عنوانها" أوضح بعض الأشياء"
في أحد الصباحات شبت النيران في كل شئ،
في صباح ما وثبت المشاعل من الأرض تلتهم البشر ،
فأمسى كل شئ نارا، ودخانا ودماء.
قطاع الطرق بطائراتهم و مرتزقتهم السمر،
قطاع الطرق برهبان يقرؤون الصلوات،
أتوا عبر السماوات يقتلون الأطفال،
ودماء الأطفال سالت في الأزقة والدروب دون أن نسمع أي اعتراض،
دماء تشبه دماء الأطفال.

يا بنات آوى تزدريهن بنات آوى،
أحجارا تعضها الأشواك اليابسة و تلفظها،
أفاعي سامة تمقتها أفاعي سامة!

وجها لوجه ، أمامكم رأيت ُ دم البرج الإسباني مثل الأمواج تلقيكم في موجة الفخر والشعور بالمجد والسكاكين.
الجنرالات الخونة ،
انظروا إلى بيتي الميت،
انظروا إلى إسبانيا الخراب!
فمن كل بيت تتدفق المعادن المشتعلة بدل الزهور،
من كل تجويف في إسبانيا تخرج إسبانيا ،
لكن من كل طفل ميت تخرج بندقية جاحظة العين،
ومن كل قتل تقوم رصاصات ستتخذ مكانا لها في القلب يوما ما!
تسألون لماذا لا تتكلم قصيدتي عن الحلم ، وعن الخضرة، وعن براكين وطني الهائلة؟
فتعالوا انظروا إلى الدم في الشوارع،
تعالوا انظروا إلى الدم في الشوارع،
تعالوا انظروا إلى الدم في الشوارع!


كما أرى بهذه المناسبة من الجدير أن أترجم مقاطع من قصيدته التي قرأها في تسجيله المذكور:

"الموت"
أين وُجدت ْ هذه الجثة الميتة؟
من وجد هذه الجثة الميتة؟
هل كانت هذه الجثة الميتة ميتة حين لقيتموها؟
كيف وُجدت ْ هذه الجثة الميتة؟
من لقي هذه الجثة الميتة؟
من كان والد هذه الجثة الميتة الملعونة ؟ ومن كانت بنتها ، أم أخوها، أم خالها، أم أختها، أم أمّها، أم ابنها؟
هل كانت الجثة الميتة ميتة حين هجرتْ؟
هل كانت هُجرتْ ملعونةً؟
من هجرها ؟
هل كانت هذه الجثة الميتة عارية، أم لبست ْ ثياب السفر؟
ماذا جعلكم تعلنون موت هذه الجثة الميتة؟
هل أعلنتم موت هذه الجثة الميتة؟
هل عرفتم هذه الجثة الميتة؟
كيف علمتم أن هذه الجثة الميتة ميتة؟
هل غسلتم هذه الجثة الميتة غسل الميت؟
هل أطبقتم عينيها ؟
هل دفنتم الجثة ؟
هل تركتموها ملعونة؟
هل قبّلتم الجثة الميتة؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأميركيون العرب -غاضبون من بايدن ولا يطيقون ترامب- | الأخبا


.. اسرائيل تغتال مجدداً قيادياً في حزب الله، والحزب يتوعد | الأ




.. روسيا ترفع رؤوسها النووية والناتو يرفع المليارات.. | #ملف_ال


.. تباين مواقف الأطراف المعنية بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة




.. القصف التركي شمالي العراق يعطل انتعاش السياحة الداخلية الموس