الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ذاكرة الراهن (9)

نور الدين بدران

2006 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


(1)
حين قررت الإدارة الأميركية الديمقراطية ،أي التي كانت بقيادة الحزب الديمقراطي وتحديداً بزعامة الرئيس بيل كلينتون ،التدخل العسكري في يوغسلافيا ، ابتسمت مخلفات الحرب الباردة وقالت :" جاءت نهاية الإمبراطورية الأميركية" ، وانتهت قضية يوغسلافيا وانتصرت الولايات المتحدة وحلفاؤها ، ولم تفارق ابتسامة الغرور وجوه المغفلين الذين لم يفهموا أن العالم يتغير ،وأن عملية انزياح جديدة لقارات وبلدان العالم تحدث على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
(2)
في غمرة سكرات الموت لمخلفات العالم القديم ، حيث كانت ومازالت بقايا العقائدية اليسارية والقومية والدينية (من الظلم الحديث عن الإسلامية فقط ، ولو أنها الأبرز والأكثر حضوراً) في نزعها الأخير ، صعّدت الأصولية الإسلامية بشخص أشد أجنحتها عنفاً ودموية، مقاومتها لموتها الخاص الذي لم تصدقه ، وكانت عملية 11 أيلول كعنوان بحبر غامق على موقفها من قائدة العالم الجديد ، وكان الرد على الرمزية برمزية أشد عنفا وشمولا، حتى قال كثيرون أن الحرب الكونية القادمة هي الحرب بين الولايات المتحدة ومنابع الإرهاب المتفجرة في أصقاع وأعالي وأودية الاستبداد والفساد والتخلف وسائر بقايا العالم القديم،وإبان الغزو الأميركي لأفغانستان كان الحديث يجري على العراق وإيران وسوريا وكوريا الشمالية ...وبقية الجزر المتفرقة في محيط العالم الجديد.
(3)
كان المغفلون الذين حتى اليوم لم يفهموا أو يصدقوا (وهم يتوزعون على محاور أو بقايا محاور مختلفة بل شديدة التنوع ) أن هذا العالم الجديد سينتصر ، شاء من شاء أو أبى من أبى ، لذلك بدأ كل وعاء ينضح بما فيه من أشكال المقاومة اليائسة ، بدءاً من الأشكال السلمية الراقية والساذجة كمناهضة العولمة في العالم الغربي نفسه، ولا يليق غير الإهمال بأصدائها المتخلفة في المناطق المتخلفة ، وانتهاء بالأعمال العنيفة اليائسة ضد العالم الجديد، وتحت يافطات مختلفة.
(4)
المعزوفة عينها : من مستنقع افتراضي إلى آخر :يوغسلافيا ..أفغانستان ...العراق ، جوقات كثيرة على كافة الآلات تعزف وتردد غرق الولايات المتحدة هنا وهناك ، وفي كل مرة يفاجأ المغنون ومعلقوهم على الشاشات وفي مراكز الاستطلاع وكذلك المنجمون ، وتجترح الولايات المتحدة التأكيد تلو الآخر ، رغبت أوروبا العجوز فعلاً بذلك أو لم ترغب، وهكذا نحن أمام النكتة المعروفة :" أكل ستين كفاً على غفلة" والعالم يتغير والمغفل له الله حاميه ، مع أن هذا الأخير بات من أعتق الابتكارات.
(5)
اليوم صار الملف النووي الإيراني في طريقه إلى مجلس الأمن ،وربما مع نشر هذه السطور يكون قد وصل ، بالطبع ليس أنا من أرسلته ، وبمعزل عن إرادتنا جميعا ورغبتنا جميعاً يتحرك العالم في صيرورته الجديدة، والمغفلون أو اليائسون أو الانتحاريون.......إلخ مازالوا يشيخون في موالدهم ويضربون مزاهرهم ويرددون : أميركا غارقة في المستنقع العراقي ولن تتورط في حرب مفتوحة مع إيران وحلفائها، وشر البلية ما يضحك : من إيران ومن حلفاؤها؟ وليست أميركا وحدها بل العالم كله هذه المرة.
(6)
لا شك أن كل عملية تطالعنا في هذه الصيرورة الخطيرة هي أصعب وأخطر من سابقتها ، وحسب المقولة الشهيرة : التاريخ كالإنسان يولد مولولا ومسربلا بالدماء، وهذا لا يمنع استمرار الولادة.
نعم ستكون المواجهة أخطر بكثير مما جرى في أفغانستان والعراق ، وربما أكثر دموية وكلفة مما جرى في يوغسلافيا ، لكن من الحماقة التصور ولو لبرهة : أن يستسلم العالم لإيران التي مازالت في أول الطريق ، بينما هو في نهايته.
"الجميع" وتحديدا من بيدهم الحل فعلياً ،وانطلاقا من معرفتهم الدقيقة بخطورة العملية ونتائجها ،مازالوا يؤكدون على حل العقدة بالطرق السلمية ، ولكن حين يجد الجد سيتم نشر هذه العقدة بأشرس المناشير حداثة ودموية ، لأن الكلفة مهما كانت باهظة في هذه الحالة هي أقل منها وبما لا يقارن في حالة الاستسلام للدولة الفارسية.
يبدو أن هذه الأخيرة ووصيفاتها أو دُماها سيواصلون لعبتهم الدموية الرهيبة ، وستشهد المنطقة حربا كونية إقليمية عاجلا أو آجلاً ،إلا إذا عاد العقل للمغفلين الفارسيين وتوقفوا فعلا عن مشروعهم المستحيل.
(7)
يقول الفيلسوف الكبير سبينوزا بما معناه : "ليس المهم أن نبكي أو أن نضحك ، المهم أن نفهم" ، وأصحاب عدم الفهم هم الذين يعتبرون أن الموقف من ظاهرة ما (ضحكاً أو بكاء /إدانة أو تأييداً .....إلخ) هو الفاعل أو نائب الفاعل لدى جماعة المؤامرة من أولئك (أصحاب عدم الفهم).
إن أكثر ما يمكن الكاتب أن يفعله هو الكتابة ، والتوصيف أو التفسير ، لا يعني الموافقة أو الارتياح لما يجري، وهذا هو حال الفنان أيضا.
بعد المجزرة الرهيبة التي تعرضت لها مدينة جيرنيكا رسم الفنان العظيم بيكاسو لوحته الشهيرة "جيرنيكا "، حين رآها الوزير الدموي ، ذهل وأشار إلى اللوحة سائلاً بيكاسو :" أنت فعلت هذا؟" أجابه الفنان:" كلا ، بل أنت".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحافي رامي أبو جاموس من رفح يرصد لنا آخر التطورات الميداني


.. -لا يمكنه المشي ولا أن يجمع جملتين معاً-.. شاهد كيف سخر ترام




.. حزب الله يعلن استهداف موقع الراهب الإسرائيلي بقذائف مدفعية


.. غانتس يهدد بالاستقالة من الحكومة إن لم يقدم نتنياهو خطة واضح




.. فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران تعلن استهداف -هدفاً حيوياً-