الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيتو مزدوج و رسائل قاتلة

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2017 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



محاولة جديدة لإدانة مجرم الحرب في سورية، أجهضها الفيتو الروسي – الصيني، في دلالة تامة على أن هذه الأطراف شريكة نظام الأسد في كل ما يرتكبه من جرائم بحق المدنيين، وهي وفقًا لتصنيف القانون الدولي: جرائم إبادة منظمة. كانت ولا تزال الدول الكبرى الخمس، دائمة العضوية، ترفع العصا في وجه كل دولة تحوز على نوع من المخزون الكيماوي الذي يُشكُّ في إمكانية استخدامه في إنتاج مواد تستعمل في الأعمال العسكرية، وشبه العسكرية، وتدعم تهديداتها باتخاذ قرارات عجولة في مجلس الأمن ضد تلك البلدان، كما حدث بشأن ليبيا والعراق.

أما اليوم، فإن المجتمع الدولي يمتلك تقريرًا أنجزته لجنة دولية، بموجب قرار أممي مُلزم لكل الأطراف، وقد خلص هذا التقرير إلى تحديد الجهة/ الجهات التي استخدمت الأسلحة الكيماوية، وهي النظام بشكل رئيس. ومع ذلك؛ لم يستطع مجلس الأمن تمرير عقوبات محدودة بحق أفراد من النظام؛ بسبب تورطهم في استخدام الكيماوي، فذلك سوف يقود –بصورة ما- إلى إدانة الفاعل، بوصفه مجرم حرب. روسيا في موقفها المتكرر للمرة السابعة بمنع إدانة النظام تحت أي قانون، لا تزال ترفض نتائج التحقيق، وترى أن المعارضة المسلحة هي من استخدم المواد الكيماوية، على سبيل المثال في ريف حلب.

لكن في غوطة دمشق، حيث لا أدلة سوى ما يدمغ استخدام النظام لجزء من مخزونه الكيماوي، لم يستطع أي طرف إخفاء الجريمة أو التضليل بشان الفاعل، لكن الإرادة الدولية حتى اليوم، تبدو منشغلة عن وضع نقطة في نهاية السطر في قضية الإبادة الجماعية المنظمة، وكانت جريمة الغوطة حلقة في سلسلة طويلة منها، لكنها الأشد، بدأت في كانون الأول/ ديسمبر 2012، ولم تتوقف حتى اليوم.

تعمل موسكو والصين، على وأد أي مشروع عقوبات بالخصوص، فهما شريكتان للنظام، موسكو بطبيعة الحال تقوده وتتحكم فيه أمنيا وسياسيًا وعسكريًا. وهما مصدرا السلاح المُورَّد إلى دمشق بأنواعه كافة، بما فيه الكيماوي، وأي إنتاج أو استخدام له لا يمكن أن يحدث من دون موافقتهما، السلاح الكيماوي، شأنه في ذلك، شأن أي سلاح استراتيجي تحوزه دمشق، وتمنع من استخدامه دون الرجوع إلى المصدر الآمر، لذلك؛ فإن تمرير أي قرار، أو تقرير، بشأن سلوك النظام وجرائمه، سوف يكون مدخلًا لإدانة موسكو والصين.

مشروع القرار، على الصعيد السياسي والقانوني، لا يؤثر بصورة مباشرة في نظام الأسد وشركائه، لكن مواجهته بالفيتو المزدوج يحمل أكثر من دلالة، في مقدمها منع الدول الغربية من التدخل في مسار القضية السورية، وبصورة خاصة تعد رسالة للإدارة الأميركية، لإظهار مدى قدرة موسكو على مواجهة التحديات التي يمكن أن تعيق التدخل الروسي، لتوجيه مسارات الحل والتسوية المحتملة، في سورية.

واشنطن التي ساهمت في صوغ المشروع، وتقدمت به الى جانب باريس ولندن، جاء ردها إنشائيًا فضفاضًا، وكأنها غير معنية بالقرار، وأنها ليست راغبة في اتخاذه، ما يعني -أيضًا- قدرتها على عدم تمرير الفيتو الروسي لو شاءت. في المقابل؛ يؤكد سعيها لخلق شراكة مع موسكو في الحرب على الإرهاب، أو في شؤون عالمية أخرى.

بمقدور واشنطن التوصل إلى توافق مع موسكو بشأن العقوبات، وإصدار القرار، لكن مواقف الإدارة الأميركية لا تزال حتى اليوم حيال الوضع السوري مريبة! وهي تتكامل في الحقيقة مع سياسة أوباما بشأن السلاح الكيماوي السوري، حين جرى الاكتفاء بمصادرة المخزون، ولم تكلف نفسها إجبار “الأسدية القاتلة” على التوقف عن استخدام أنواع متعددة من السموم والغازات الكيماوية ضد السوريين. وموقف إدارة ترامب ينسجم مع تلك الرؤية القاضية بالاستمرار في التغاضي عما يرتكبه النظام من مجازر بأسلحة محرمة دوليًا، ومنح موسكو مزيدًا من الثقة المتبادلة بينهما في الشأن السوري، كتدريب لا بد منه بين القوتين الكبريين في العالم، لاستئناف مرحلة جديدة من التعاون المشترك، تبدو ملامحها في الحرب على “داعش”، كما سماها ترامب في خطابه الأخير أمام الكونغرس الأميركي.

أيًّا تكن طبيعة الرسائل المتبادلة بين القوى الدولية، فهي رسائل قاتلة ودامية، تمنح المجرمين فضاء آخر للمزيد، ويتعطل بموجبها أي جهد – كما يفترض – للتوصل إلى تسوية ما. ولعل تزامن توقيت مشروع القرار والتصويت عليه، مع الإخفاق في إحراز أي تقدّم في مفاوضات جنيف، من شأنه خطف الأضواء؛ بعيدًا عن وضع الأطراف الراعية في موقف تساؤل حرج، حول حقيقة إجراء مفاوضات جادة، تفضي إلى نتائج ملموسة، تظهر أولى نتائجها في إلزام النظام بتثبيت وقف إطلاق النار، وليس العودة إلى المربع المغلق الأول: أستانا.

ولكن إلى أي درجة قًبِلَ المجتمع الدولي، تسويغ موسكو استخدامها الفيتو رفقة الصين؟ وهل حقًا فرض العقوبات على قادة عسكريين سوريين سيقوّض مفاوضات لم تجد مناخًا مشجعًا لاستمرارها؟

الحقيقة إن ما أقدمت عليه روسيا، ليس مشينًا، بحسب تعبير نيكي هايلي المندوب الدائم للولايات المتحدة، فحسب. بل إنه يقوّض كل إمكانية لبناء الثقة بروسيا، بوصفها طرفًا ضامنًا وراعيًا للمفاوضات، ومن ثم؛ تعزز من موقعها شريكًا في ارتكاب المجازر المستمرة، وكان حريًا بها أن تجبر الجميع على وقف العمليات العسكرية. لكن موسكو مصرة على أن تمسك بكل الخيوط دفعة واحدة، أن تقتل وتفاوض، وتمنع العدالة من أن تأخذ مجراها، وعلى السوريين ارتضاء ما يحيكه القيصر لهم من مسارب جديدة للدم والخرائب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب