الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوغو تشافيز و أضاليل الليبراليين الجدد

محمد بن زكري

2017 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


على مدى الأربع سنوات الفائتة ، انتهزت القوى اليمينية العولمية - المتمثلة في تيار الليبرالية الجديدة - فرصة رحيل الثائر المناضل هوغو تشافير رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية (5 مارس 2013) ، لتنطلق أبواقها المبحوحة ، تتجنى على الزعيم الثوري الراحل ، و تفتئت على تجربته الاشتراكية زورا وبهتانا ، لتشيع عن الرجل والتجربة كل ما يتناقض تناقضا كاملا مع الواقع ، متبنية في حملتها التشويهية المسعورة ما يبثه الإعلام الأميركي المعبر عن مصالح الشركات متعددة الجنسيات ، على نمط ما تبثه شبكة فوكس نيوز وسلسلة الوسائل الإعلامية المملوكة لمردوخ ، وما يروج له المحافظون الجدد و منظرو نظام العولمة الراسمالية ، وفي مقدمتهم المتأثرون بأطروحة فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ ، المتقاطعة مع أضاليل صامويل هنتنغتون الفكرية عن صدام الحضارات و نهائية مبادئ و نظام الليبرالية الاقتصادية عوْلميا ؛ ذهابا إلى أن تشافيز لم يكن غير دكتاتور مستبد ، قاد فنزويلا إلى الفقر والتخلف ، من خلال (اعتناقه) وتطبيقه للماركسية ، التي لا تخرج - في رأي أبواق الليبرالية الجديدة - عن كونها دينا كباقي الأديان المسؤولة عن تخلف الأمم و الشعوب !
وبصرف النظر عن كون تشافيز لم يكن شيوعيا ولا ماركسيا - بالمفهوم العلمي الدقيق للمصطلحين - فإن طلاب السنوات الأولى في كليات الاقتصاد والعلوم السياسية ، يعرفون أن الماركسية هي نظرية في الاقتصاد عموما والاقتصاد السياسي خصوصا ، وضع أسسها كارل ماركس في كتابه الموسوعي (6 مجلدات) الذي يحمل عنوان (راس المال) ، في قراءة موضوعية (مادية / تاريخية) تحليلية علمية بحتة ، وهي بالتالي تتنافي بالمطلق مع مفهوم الدين ، كعقيدة غيبية ليست سوى نتاج ساذج للعقل الخرافي ، في فجر طفولة العقل البشري .
و صحيح أن الشعوب المبتلاة بالتخلف والجهل ، إنما هي مبتلاة أصلا بالاستلابات اللاحضارية ، نكوصا إلى عصور عبادة الطواطم وتأليه الحكام المستبدين ، بمرجعية عبادة الأسلاف ، حيث يكون الزعيم بمثابة الأب المتسلط المحاط بهالة من القداسة الأرواحية ؛ إلا أن هذا التوصيف لا ينطبق أبدا على الزعماء الثوار اليساريين ، الذين أحسنوا الإصغاء لشعوبهم ، وأحسنوا الامتثال لإرادتها ، وأحسنوا الاستجابة لرغباتها ، وأحسنوا التعبير عن تطلعاتها ؛ و إلا لفقدَ النضال من أجل الحرية و المساواة و العدالة الاجتماعية - وسط الفقراء و بالفقراء و لمصلحة الفقراء - مفهومه الفكري و محتواه التقدمي الإنساني ، و لفقدَ مناضل ثوري مثل جيفارا رمزيته النضالية التاريخية .
لقد كانت فنزويلا طيلة حقب الحكم الدكتاتوري الطبقي ، السابقة لتجربة تشافيز البوليفارية ، عبارة عن جزء من الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ، فيما يسمى جمهوريات الموز ، وكانت مجرد دولة متخلفة تدور في فلك التبعية الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأميركية ، التي تحتكر صناعة النفط في البلاد ، ويعيش أكثر من 95 % من سكانها تحت خط الفقر المعياري لدول العالم الثالث ، وتبلغ نسبة الأمية فيها نفس الرقم ، وتستحوذ الطبقة الكومبرادورية الحاكمة على الفتات - الريعي كبير الحجم - الذي تتخلى عنه أميركا من عائدات الاستثمارات النفطية .
و بوصول تشافيز الى السلطة ، أمم صناعة النفط ، و سخّر عائداته لتنفيذ خطة تنمية شاملة ، أعادت توزيع الثروة الوطنية لصالح الفقراء والمحرومين ، و نشرت التعليم المجاني بجميع مراحله على امتداد الأرض الفنزويلية .. مع صرف وجبتين لكل طالب في اليوم الدراسي ، و قضت على الأمية ، و أوصلت خدمات الرعاية الطبية المجانية المتكاملة إلى أقصى قرى الريف الفنزويلي . و بالطبع فإن ذلك يتناقض مع مصالح الطبقة الاستغلالية ، متقاطعة المصالح مع حكومة وول ستريت في نيويورك . و من ثم فقد دبرت أميركا و عملاؤها انقلابا عسكريا (سنة 2002) ، حاول الإطاحة بالرئيس الشرعي ، الذي أتى به الفقراء (للمرة الثانية) إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع ؛ غير أن ملايين الفقراء - الذين أنصفهم تشافيز - أفشلوا الانقلاب ، وأعادوه إلى السلطة .
و على الرغم من بعض المآخذ على تشافيز (كتعديل الدستور بجعل فترات الرئاسة غير محددة المرات ، رغم أن التعديل تم باستفتاء شعبي) ، فإن الرجل عاش و مات نظيف اليد ، مُقرناً القول بالعمل في تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية ، منحازا للطبقة الأقل حظا من ثروة المجتمع ، لم يستطع خصومه و أعداؤه بالداخل و الخارج أن يسجلوا عليه واقعة فساد واحدة مهما ضَؤل حجمها . وإذا كان الفضل هو ما شهد به الأعداء ؛ فإن حكومات النظم اليمينية في أميركا اللاتينية - بل وحتى الولايات المتحدة نفسها - شهدت للرجل بأنه كان زعيما وطنيا ، أخلص في خدمة وطنه وشعبه . بل وشهدت له الحكومات اليمينية في أميركا الجنوبية بالفضل ، في محاولته إرساء مبدأ التكامل الاقتصادي و السياسي بين دول القارة ، بهدف تخليصها من الهيمنة الأميركية ، و تجنيبها الوقوع في فخاخ الارتهان للبنك الدولي و صندوق النقد الدولي .
ومع اختلاف مفهوميْ الديمقراطية والدكتاتورية ، من ثقافة إلى أخرى . ومع الإدانة المطلقة لأي شكل من الدكتاتورية . ومع أن تشافير لم يكن دكتاتورا ؛ فيا ليت كل الدول المتخلفة والشعوب المفقَرة ، تحظى بدكتاتور من طراز هوغو تشافيز . أفليس ذلك أفضل كثيرا - بما لا تستقيم معه أية مقارنة - مما يجري في ليبيا / نموذجا ، من ديمقراطية الفوضى الخلاقة ، التي نظّر لها الليبراليون الجدد في الولايات المتحدة ، والتي بشرتنا بها كوندوليزا رايس ؟ أفليس الزعيم الجزائري العظيم (هواري بومدين) الذي حكم البلاد 13 سنة بيد من حديد ، هو الذي أقام بناء دولة الجزائر الحديثة القوية ؛ دون أنْ تعرف والدته أنّ ابنها رئيس دولة ، و دون أن يميز أي واحد من أقاربه عن بقية أبناء الشعب الجزائري ، و دون أن يتناول وجبة إلا من نفس طعام الإعاشة للجنود في ثكنات الجيش ، و مات فقيرا لم يجدوا في حسابه سوى 2500 دينار جزائري (أي حوالي 25 دولار أميركي) ؟ بل أليس الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة ، الذي كان دكتاتورا مطلقا ، و الذي عاش ومات نزيها فقيرا ، هو من بَنا تونس الحديثة ، وهو من حرر المرأة التونسية من أغلال ثقافة المجتمع البطريركي و استلابات التخلف الاجتماعي ؛ في حين تتعرض الآن تلك المكتسبات الحضارية للانتكاس ، تحت سلطة النظام (الديمقراطي) لتحالف الإخوان المسلمين و الليبراليين الجدد ؟ .
هذا .. على أنه كما نقول : لا للدكتاتورية ؛ فإننا نقول بأعلى درجات صوت النضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية : لا لأضاليل الليبرالية الجديدة ، المكرسة لتشويه رموز ثورة التحرر الوطني / الاجتماعي ، و طمس ما سطروه من إنجازات حضارية ، في تاريخ الإنسانية التقدمية . فالتحية للمناضل البوليفاري هوغو تشافيز (في الذكرى الرابعة لرحيله) ؛ و هو الرجل الذي خرج بوطنه فنزويلا من الدوران في فلك التبعية للإمبريالية الأميركية ، والذي سخّر عائدات بيع النفط للتوظيف في مشاريع التنمية الشاملة لبلده ، والذي كرس حياته منحازا لمصلحة المحرومين والمهمشين من أبناء شعبه ، إلى الدرجة التي جعلت منه رمزا للدفاع عن الفقراء ، والذي عمل للنأي بأميركا اللاتينية عن الارتهان لشروط وابتزاز البنك و صندوق النقد الدوليين ، كأداتين من أدوات العولمة الراسمالية والاستعمار الجديد .
و رغم كل ضجيج أبواق الليبرالية الجديدة و ذيولها من قوى الرجعية العالمية . و رغم كل عواصف الرماد الأسود ، التي يثيرها ذوو الاحتياجات العقلية الخاصة ؛ فإن صورة الكومانتدانتي هوغو تشافيز بقميصه الأحمر ، تظل محفورة في أفئدة الملايين من أبناء شعبه ، و يظل الزعيم البوليفاري تشافيز واحدا من الرجال العظماء ، الذين لن ينسى لهم التاريخ اختيارهم الانحياز إلى الجانب الصحيح من حركته . و أولا .. و أخيرا ، يظل هوغو تشافيز - في ذاكرة ملايين الأحرار بالعالم - الرئيس الذي ينحني ليُقبِّل أيدي أبناء شعبه الفقراء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث