الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أردوغان يُكشر عن ’’أنيابه’’!

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


أردوغان يُكشر عن ’’أنيابه’’!

التصريحات النارية والمهينة أحيانا هي إحدى العلامات الفارقة لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. جرّبها مع روسيا وإيران والعراق ولكنه سرعان ما تراجع عنها بعد أسابيع قليلة. جاء الدور هذه المرة على ألمانيا في ظل توتر خطير في العلاقات بين أنقرة وبرلين. وبدأ هذا التدهور بالأزمة التي أثارها اعتقال الصحفي الألماني من أصل تركي "دنيز يوجل" بدون توجيه تهمة رسمية له. غير أن هذه الأزمة سرعان ما تفاقمت إثر قيام السلطات المحلية في احدى البلدات الألمانية الصغيرة بإلغاء فعالية سياسية لإحدى منظمات الجالية التركية القريبة من حزب التنمية والعدالة الإسلامي حيث كان من المقرر أن يُروج فيها وزير العدل التركي (بكر بوزداخ) للتصويت لصالح الاستفتاء على النظام الرئاسي في تركيا في 16 نيسان/أبريل 2017. إثرها جُن جنون سلطان تركيا الجديد الذي هاجم ألمانيا بطريقة غير معهودة وخارجة عن اللياقة. فقد اتهم الصحفي الألماني المحتجز بـأنه "جاسوس ألماني" وينتمي إلى تنظيم إرهابي. وصعد من لهجة تهجمه على ألمانيا متهما إياها بـ"إيواء إرهابيين"، بل وطالب بمحاكمة ألمانيا. ولم تكن كلمات وزيره لشؤون العدل أقل حدة الذي وصف قرار السلطات الألمانية بـ"الممارسة الفاشية". تجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء التركي (بن علي يلدريم) حضر مؤخرا تجمعا للجالية التركية مواليا للرئيس التركي. كما سبق لأردوغان نفسه أن شارك قبل عدة سنوات في مهرجان انتخابي حضره الآلاف من الأتراك المقيمين في ألمانيا. حينها وصلت به الوقاحة لدعوة المستشارة الألمانية ميركل لتكون "ضيفته" في فعالية يقيمها في بلادها. وفي كل الأحول فإن خوض حملة انتخابية فوق أراضي دولة أجنبية ومحاولة نقل الخلافات التركية-التركية إليها في ظل توتر واضح بين البلدين هو أسلوب "أردوغاني" استفزازي بامتياز وتعبير سافر عن الاستهانة ببلد لا يزال يعتبر حليفا لتركيا.
قطبا الأزمة بين أنقرة وبرلين أبعد ما يكونا عن بعضهما. من جهة هناك الرئيس الإسلامي أردوغان الطامح لتكريس سلطته المطلقة كزعيم أوحد يعاونه في ذلك رئيس وزرائه الذي يعمل بكل "قواه" من أجل تجريد نفسه من صلاحياته الدستورية. ويحاول أردوغان أن يُثبت بأن يده الطويلة تمتد حتى ألمانيا. في الجانب الآخر تسعى إبنة القس البروتستانتي ميركل المعروفة بالهدوء وسياسة النفس الطويل و"برودة" الأعصاب إلى تطويق التدهور في العلاقات لأنها تخشى أيضا ردود الفعل المتشنجة من الجانب التركي.
السؤال الذي يطرح بقوة: هل السلوك العنجهي لأردوغان وتصريحاته العنترية تجاه ألمانيا تنم عن شعور بالقوة أم بالارتباك؟ أو أنها تعبر عن حالة حماس "شرقية" سرعان ما تتلاشى؟ مما لا شك فيه أن الرئيس التركي مقتنع تماما بأنه يملك ورقتين أساسيتين لابتزاز المستشارة الألمانية، هما اللاجئون والجالية التركية في ألمانيا. على مدى الأشهر الماضية لوّح سلطان أنقرة عدة مرات بفتح حدوده لكي تعود أفواج اللاجئين من سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها للتدفق نحو أوروبا وألمانيا تحديدا. من جهة أخرى يعيش في ألمانيا أكثر من ثلاثة ملايين تركي أو ألماني من أصول تركية. ورغم الانقسام العميق داخل هذه الجالية، إلاَّ أن الأغلبية تبدي إعجابا كبيرا بالرجل القوي في أنقرة وتصريحاته العنترية التي تغازل النزعة القومية وأمجاد الماضي العثماني. هذا ما يتضح في مواقف الكثير من أتراك المانيا، ومنها مثلا تأييدهم لاعتقال الصحفي (يوجل) وتقبلهم للنزعات الاستبدادية في موطنهم الأصلي . مثل هذه المواقف لا تعبر عن عدم قناعتهم بالقيم الأوروبية فحسب، وإنما أيضا عن مشكلة خطيرة في الولاء. من الواضح أن ليس لديهم شعور كبير بالولاء لألمانيا على الرغم من أنها يقيمون فيها منذ عقود ويتمتعون بامتيازات نظامها الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي المتطور وبمستوى المعيشة العالي فيها وكذلك بالحريات الأساسية التي تتعرض للقضم التدريجي في تركيا. غير أن الكثيرين من الجالية التركية يعرفون جيدا أن هذا السلوك يمكن أن يُلصق بهم تهمة "حصان طروادة" أو "الطابور الخامس" إذا ما تأزمت العلاقات التركية-الألمانية ووصلت إلى نقطة اللاعودة. كما أن احتمال فقدان امتيازات الحياة في ألمانيا مقارنة بالوضع الصعب الذي تمر بها تركيا حاليا قد تدفع الكثيرين لمراجعة مواقفهم، إذا ما أصبح الوضع جديا.
من جهة أخرى أفقد التلويح المتكرر بورقة اللاجئين من قبل القيادة التركية خلال الأشهر الأخيرة بعضا من مصداقيتها وقدرتها على التأثير، لا سيما وأن أردوغان لم ينفذ تهديداته في مناسبات سابقة. ولهذا تُبدي ميركل عدم اكتراث ملفتا للنظر إزائها. ويعود ذلك إلى أن فتح الحدود لن يعني تكرار موجة تدفق اللاجئين كما حصل في خريف 2015، وذلك بعد إغلاق ما سُمي بطريق البلقان وقيام دول أوروبا الشرقية بتحصين حدودها. كما لا تزال الحكومة التركية تنتظر استلام الدفعات اللاحقة من ثمن صفقة اللاجئين البالغة نحو 6 مليارات يورو، والتي يحتاجها الاقتصاد التركي كثيرا في ظل المرحلة الحرجة التي يمر بها. هنا بالذات يكمن كعب أخيل بالنسبة لأردوغان الذي يدين بصعود نجمه قبل أكثر من 10 سنوات إلى النجاحات الاقتصادية بالدرجة الأولى، بينما تعاني تركيا حاليا من انكماش في الناتج المحلي الإجمالي وانهيار قطاع السياحة وتراجع الليرة وركود في الاستثمارات الأجنبية وارتفاع في البطالة. كل ذلك يهدد بتحويل "نمر الآناضول" ، كما كانت تركيا تسمى في زمن معجزتها الاقتصادية، إلى نمر من ورق. في ظل هذه الظروف سيتردد أردوغان كثيرا في المغامرة بالعلاقات مع ألمانيا التي تعتبر أهم شريك تجاري لتركيا وتستورد قرابة 10% من الصادرات التركية. وعلاوة على التحويلات الخاصة من أتراك ألمانيا إلى عوائلهم والتي تقارب مليار يورو سنويا، تستثمر الشركات الألمانية مئات الملايين سنويا في تركيا. لكن المناخ الاستثماري في البلاد تعرض لانتكاسة قوية نتيجة تدهور الوضع الأمني ودخول تركيا في مواجهة مزدوجة ضد تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش وضد حزب العمال الكردستاني، هذا إضافة إلى اهتزاز الثقة بالضمانات القانونية مع بروز التوجهات الاستبدادية لأردوغان وهجومه على الإعلام المستقل والمعارضة واستمرار حملة الاعتقال والطرد التي طالت عشرات الآلاف. وهي توجهات من شأنها أن تصبح نهجا ثابتا لو نجح أردوغان في الاستفتاء على النظام الرئاسي. غير أن استطلاعات الرأي لا تعطي تفوقا واضحا لمعسكر مؤيدي النظام الرئاسي. وهذا ما يفسر ربما حالة التخبط والارتباك لدى قيادة حزب التنمية والعدالة، فرع حركة أخوان المسلمين في تركيا، ويكشف أيضا سر غضب أدروغان إزاء ألمانيا التي منعت وزيري العدل والاقتصاد التركيين من دق طبول الدعاية للاستفتاء على أراضيها. بعض المحللين يرى بأن أردوغان يعول على أنصاره المتحمسين في ألمانيا في لعب دور بيضة القبان في ترجيح كفة المؤيدين في الاستفتاء الحاسم. ولهذا لا يزال الرئيس الإسلامي يصّر على الدعاية شخصيا لنظامه الرئاسي ليس في ألمانيا فقط، وإنما في هولندا أيضا على الرغم من تعالي الأصوات الرافضة لذلك هناك ودعوة الكثيرين لاعتباره شخصا غير مرغوب فيه.
تبدو العلاقات التركية-الألمانية في أسوأ حالاتها ولا يستبعد استمرار مسلسل التصعيد وصدور تصريحات غاضبة وعنترية جديدة من الرئيس التركي يمكن أن تؤجج الخلافات بين البلدين وقد تؤدي إلى القطيعة بينها رغم محاولات القيادة الألمانية التهدئة ونزع فتيل الأزمة. لكن نهج المهادنة قد يؤدي إلى العكس. مثل هذا السيناريو لن تقتصر تداعياته الخطيرة على البلدين فقط وعلى الجالية المسلمة في ألمانيا، وإنما سيمس أيضا العلاقة المتأزمة أصلا بين العالم الإسلامي وأوروبا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل