الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة أبي

مختار سعد شحاته

2017 / 3 / 6
الادب والفن


سأضع صورة أبي الذي مات...
وأكتب أن الأعوام مرت على رحليه سريعًا،
وأن الدنيا صارت أكثر ضراوة من بعده، كأنني أكتشف ذلك الآن
وحين يأتيني إشعار بتعليق على الصورة، سأحزن جدًا
وأقول للمعلقين بأني أحمد الله، وأتفهم القدر، وأتمنى لكل دعواتهم الافتراضية أن يقبلها الله الحقيقي الموجود في مكان ما في تلك اللحظة يضع الكلمات في رأسي...
سأضع صورة أبي الذي مات...
سأجعل منها غلافًا لصقحتي على الفيس بوك، أو صورتي الشخصية في وسائل التعارف الاجتماعية، ولن أضع على جانبها شريطًا أسود مائلاً، حتى لا أصيب الناس بالحزن إذ اكتشفوا أنه ميت منذ زمن، وأنني أمارس جريمة الحياة من بعده...
سأكتب جملة عميقة جدًا، وربما سأضع آية قرآنية، أو أحكي حكاية عن الصالحين الذين كافأهم الله على الحزن حين صدر قرار يشبه قرار موت أبي...
سأقوم بدور اجتماعي للغاية وأضع علامك الإعجاب لكل من يترك تعليقًا على صورة أبي الميت، وسأبالغ في الدعاء لهم، ومحاولة رسم صورة الثبات في ردودي الافتراضية، لكنهم لن يروا في الواقع قهري ودموعي كلما رأيت صورة أبي الميت، واكتشفت أنني وحدي الذي أعاني الحياة، وأنه كان محظوظًا جدًا بالموت؛ فلأبي كان قلب طفل، لم يكن ليحتمل كل تلك القسوة التي تجرفنا إليها الحياة والعلاقات المعقدة...
سأضع صورة أبي الذي مات...
وأجلس أراقب الضوء الأخضر في الهاتف حين يخبرني بأن أحدهم تأثر لثانيتين أو ثلاث بصورة الرجل الذي مات وما زال قلبي يرفض فكرة غيابه المفاجيء عن عالمي...
وفي كل ليلة سأجتهد أن تمر دون أن أواجه نفسي بالحقيقة وأنني لن أراه مجددًا، وأن كثيرًا من أسئلتي التي كنت أجهزها له ستبقى يتيمة الإجابات من بعده...
وحين أقابل الناس في الشوارع الحقيقية سأحاول الابتسام هربًا من دموعي التي أسرتني ليلتين كلما صحوت من حلمي معه، وأنه عاد من سفره الطويل...
ربما أستمع في يوم إلى نصيحة محب أو صديق أو شخص صار قريبًا مني جدًا إلى حد مربك لم أستطع معه تحديد علاقته بي، وأدعي أنه يحل محل أبي...
حين نصحني بأن أجرب أن أضع صورة لنفسي وأنا مبتسم، معللاً بأن الابتسام يمنحنا تجربة جديدة مع الحياة، وأن الراحلين -مثل أبي- سيكونون أكثر راحة في أماكنهم حين يرون ابتساماتنا رغم الحزن والألم الفظيع...
سأضع صورة أبي الذي مات...
فصورة الأموات أكثر نبضًا من صور الأحياء هذه الأيام، فهم مبتسمون، أو تلمع عيونهم بالأمل، أو يضعون أيديهم إلى جانبهم في ثبات وتحد أكثر منا نحن الذين نمارس جريمة الحياة...
سأضع صورة أبي الذي مات...
حتى يأتيني ويخبرني بأنه لا مانع من تغيير الصورة، وأن ذلك مسموح به إذ أنا الذي أحيا، وأواجه أزمة بعده القاسي...
ساعتها سأغير صورة أبي الذي مات، وأضع صورة تشبهني كثيرًا تقول للناس:
أنا حي.. أنا موجود...
وانتظر شاشة الهاتف التي تأتيني بإشعارات الإعجاب للصورة الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف