الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقارير المنظمات الدولية عن الأردن: وجهات نظر وليست اعتداء على السيادة!

باتر محمد علي وردم

2006 / 1 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أثارت التصريحات الصحافية لمسؤولين من منظمة "هيومان رايتس ووتش" كبرى منظمات حماية حقوق الإنسان في العالم حول تعارض إلزامية العضوية في نقابة الصحافيين الأردنيين مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان غضبا كبيرا من نقابة الصحافيين ونقابة المحامين إلى الحد الذي أعتبر فيه نقيب المحامين هذه التصريحات "اعتداء على سيادة الأردن" واتهم المنظمة الدولية ذات المصداقية الكبيرة أنها "منظمة مشبوهة".

وربما يكون التقرير التالي للمنظمة متعلقا بأوضاع حقوق الإنسان في الأردن أو أوضاع السجون وفي هذه الحالة أتوقع أن تقوم النقابات والأحزاب بإعادة نشر هذه التقارير وتداولها كأحد الأدلة على "تراجع المسيرة الديمقراطية" في الأردن، وقد حدث ذلك سابقا في عدة مرات، حيث لا تعود المنظمة "مشبوهة" في هذه الحالة إلا من قبل الحكومة التي لا ترضيها هذه التقارير. أين الخطأ إذا، وهل المشكلة في مضمون التقارير أم في رؤيتنا لها؟

في الواقع أن منظمة "هيومان رايتس ووتش" ليست معنية برضا الحكومة الأردنية ولا رضى نقابة المحامين ولا حتى بنوعية التشريعات الأردنية، ولو قامت المنظمة بمراعاة ومحاباة الحكومات والتشريعات القطرية لأغلقت أبوابها منذ عقود وفقدت مصداقيتها تماما. منظمة هيومان رايتس ووتش هي منظمة دولية مدنية تؤمن بقيم "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه المبادئ هي التي تحكم وجهة نظرها وعملها، وعندما تتم ممارسات في دول مختلفة ضد هذه المبادئ فإن دور المنظمة هو في التحذير منها والمطالبة بالعودة إليها. وفي سجل المنظمة مئات البيانات والتقارير التي تعتمد على الأدلة الدامغة ويتم فيها انتقاد أوضاع حقوق الإنسان ورصد انتهاك معايير إعلان حقوق الإنسان في كل دول العالم ومنها الأردن والولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا وبوركينا فاسو وجزر القمر وبدون أي محاباة لدولة أو استهداف استثنائي لدولة أخرى.

الرد على تقرير المنظمة بسيط جدا. إما أن تكون المنظمة مخطئة في تقييمها وأن الحقيقة هي أن إلزامية العضوية لا تتعارض مع العهد الدولي، وهنا يمكن بالدليل العلمي والقانوني إثبات ذلك، أو أن يكون تقييم المنظمة صحيحا وفي هذه الحالة يجب أن نعترف بالواقع، ولكن لا داعي لزج الصهيونية والإمبريالية في كل الانتقادات التي تصدر عن مؤسسات دولية حول قضايا تنموية وسياسية تحدث في الأردن.

إن التطورات الجديدة في العالم سمحت بظهور منظمات دولية مدنية تنبثق مهامها من بعض القيم والمبادئ الدولية مثل حقوق الإنسان ومناهضة العولمة وحماية البيئة وحقوق المرأة وحرية الصحافة. وبعض هذه القيم لم يتجذر بعد في مجتمعاتنا العربية، ولا تزال هذه القيم مرفوضة في العقل الباطن العربي وبالتالي فإن عمل هذه المنظمات يصبح محل انتقاد وتشويه من قبل الحكومات التي لا تعجبها الحقائق التي تكشفها المنظمات الدولية، وكذلك بعض التنظيمات ذات الطابع الإيديولوجي المتناقض مع التوجهات الليبرالية العالمية.

وبما أن الغالبية العظمى من المنظمات السياسية في العالم العربي تعتمد على الإيديولوجيا القومية والإسلامية والوطنية المتعصبة، فإن الإصطدام مع المنظمات الدولية وارد ومتكرر، فهذه المنظمات السياسية الأردنية والعربية من أحزاب ونقابات تحمل فكرا "شموليا" متناقضا مع الفكر التعددي والحر للمنظمات الدولية.

ومن هنا تكاثرت الاتهامات للمنظمات الدولية بأنها مشبوهة وتخترق الخصوصيات العربية وتتناقض مع الثقافة الإسلامية فقط لأن القيم والأفكار التي تؤمن بها تختلف عما تعودنا الايمان به. وفي هذا السياق يظهر عجز هذه المنظمات العربية التي تطالب بالديمقراطية والتعددية عن قبول تعددية أخرى في الفكر حيث يتم اتهام المنظمات التي تؤمن بتنظيم النسل بأنها تستهدف "النيل من الموارد البشرية العربية" ويتم اتهام منظمات حقوق المرأة بتشجيع "الإنحراف والرذيلة" ويتم استهداف منظمات حقوق الإنسان باختراق "الخصوصية العربية الإسلامية" ومنظمات حماية البيئة "بعرقلة التنمية الاقتصادية" ومنظمات السلام والتسامح بالدعوة "إلى التطبيع مع إسرائيل"!

والطريف في الأمر إننا نتعامل بانتقائية وإزدواجية في المعايير مع هذه التقارير. فعندما يتم نشر تقرير من منظمة اقتصادية وتنموية عالمية يمتدح الإنجازات الأردنية، أو يشير إلى تقدم في ترتيب الأردن في قائمة الدول، ربما من المرتبة 50 إلى 45 يتم الاحتفاء بهذا التقرير من قبل الحكومة فورا، وتعقد المؤتمرات الصحفية وتوزع النشرات الإعلامية حول هذا النجاح بينما تقوم المعارضة باتهام هذه التقارير بعدم المصداقية والترويج للحكومة. وعندما تنشر منظمة دولية انتقادا لسياسات الحكومة في قطاعات ما تحتفي بها الأحزاب والنقابات والتيارات السياسية المعارضة وتنشر في وسائل الإعلام غير الرسمية بينما تقوم الحكومة بانتقاد التقرير. ولو كان من أعد التقارير مختصين أردنيين فالويل والثبور لهم حيث يصبحون عملاء للصهيونية والإمبريالية لو مدحوا الحكومة وانتقدوا المعارضة، وعملاء مشبوهين أصحاب أجندات خاصة يحاولون تشويه النجاحات الوطنية ويصيدون في المياه العكرة لو كان التقرير ناقدا لسياسات الحكومة.

ليست كل المنظمات الدولية ذات مصداقية، فهناك دكاكين للتكسب، ولكن بالنسبة لمؤسسات مثل منظمات الأمم المتحدة المختلفة وهيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وصحافيون بلا حدود والمادة 19 فهذه المنظمات بنت مصداقيتها عبر سنوات من الجهد والعمل الجاد المعتمد على الأدلة، ولا يمكن أن نقذف اتهامات "الشبهة" بحقها لمجرد قيامها بتقديم وجهات نظر تختلف مع قناعاتنا المسبقة. ومن المهم أ، نتعلم كيفية تقبل الرأي الآخر واستيعاب مدى التغيرات الهائلة في نظم الاتصال والتنسيق الدولي ومدى الأهمية الكبرى لهذه المنظمات الدولية والاستفادة ما أمكن من مضمون هذه التقارير لمعرفة أوجه النقص أو توجيه النصح لهذه المنظمات في حال وجود خلل جوهري في التحليل أو خطأ في البيانات والمعلومات، ولكن نتمنى أن نتوقف عن تكرار التهم المبالغ بها واتهام كل منظمة أو إعلامي أو تيار فكري ينتقد بعضا من قناعاتنا القومية والإسلامية والوطنية بأن له "أجندة صهيونية وإمبريالية" وأن نبذل المزيد من الوقت والجهد في قراءة واستيعاب هذه التقارير والاقتناع بحق تبادل وجهات النظر، الذي هو أساس الثقافة الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د