الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللجوء إلى الوطن 3

موفق الطاهر

2006 / 1 / 18
كتابات ساخرة


العلاقة بين الأزبال في بغداد ومهرجان السفن في أمستردام

كم كنا نسمع ونقرأ ونشاهد المسؤولين في الدولة الصدامية وهم يلومون المواطنون والشعب على كل مصيبة يعانيها الفرد العراقي... فالكهرباء تنقطع باستمرار لأن المواطن لا يعرف كيف يقتصد بها، ولأن المواطن يكوي ملابسه كثيراً ومثل ما هو معروف فالمكواة الكهربائية تهدر الكثير من الطاقة...! مع العلم حينها لم يكن في السوق العراقية ما يستحق شرائه من الأجهزة الكهربائية... والماء دائماً ضعيف ولا يصل حتى إلى مبردة الهواء، وفي إنقطاعات متتالية لأن المواطن أيضاً لا يمنع نفسه من الإسراف بصرفه الماء وهو يستحم كثيراً ويغسل بيته بإستمرار...! والشوارع مكتظة بالنفايات لأن المواطن يرمي الأزبال كيفما يحلوا له!
الكثير من الأزمات كان يتحدث بها النظام الساقط ويرمي اللوم على المواطن، حتى قال أخي في أحدى المرات متندراً: وأفضل وسيلة للخلاص من هذه الأزمات هي في القضاء على المواطن!
خلصنا وخلص العراق من ذلك النظام. وخلصنا من بلد المليون ممنوع، ليسمى اليوم بعد السقوط بلد المليون أزمة! ولكن هل خلص مواطنونا الآن أو تخلصوا من تلك الاتهامات التي ترمى عليهم جزافاً بمناسبة وبغير مناسبة من قبل المسؤولين والحكومة؟ حتى قام يصرح البعض من المواطنين بدون شعور بما يردده المسؤول على مسامع القنوات الفضائية التي يتكلم معظمها على لسان الحكومة طبعاً؟ بالتأكيد لا! نفس الأسطوانة تتكرر وتعاد يومياً: أن أزمة الكهرباء ليس المسبب الأكبر بها هو تقصير الحكومة السابقة والحالية، ثم لحقتها العمليات التخريبية، بل أن المواطن هو من يعمد إلى تشغيل كل الأجهزة الكهربائية التي لديه عندما تأتي الكهرباء حسب البرمجة المخصصة في تلك المنطقة (ربما ثلاثة ساعات أو ساعتين مقابل خمس قطع في بعض المناطق!) أما الماء فهو ليس فقط قليل ولا يستطيع المواطن حتى غسل وجهه به بغير أستخدام مضخة الماء، بل أنه أيضاً في كثير من الأحيان وفي كثير من المناطق تشم به رائحة عفونة تسبب للكثيرين الإسهال وغيره من الأمراض... ولكن طبعاً فالمواطن هو المسؤول عن كل هذه الأزمات، وهو المسؤول أيضاً عن تقصير المسؤول!
ربما يتساءل أحدهم وما علاقة كل ما أقوله الآن أو ما أكتبه بعنوان المقالة هذه؟ وما علاقة الأزبال في بغداد بإحدى المهرجانات في بلد أوربي!؟
في شهر آب أغسطس من السنة المنصرمة نظم مهرجان السفن الشراعية في أمستردام، وهو يقام كل خمسة سنوات، وتشارك به العشرات من دول العالم، ويحضره مئات الألوف من المشاهدين، وحضر المهرجان السابق طوال أسبوع من أقامته ما يقارب المليونان ونصف زائر. بالتأكيد يحضره أيضاً العشرات من الصحفيين من كل بقاع العالم. ولا يخفى على أحد أيضاً مدى أهتمام الحكومة في هولندا بالسياحة وبنظافة الشوارع وبخاصة في المدن الكبيرة، وأولها أمستردام العاصمة. ولكن هنا أستغل عمال النظافة حضور مئات الآلاف من السياح والصحفيين في تلك الأيام وأضربوا عن العمل لمدة أسبوع! يطالبون برفع أجورهم... ولو جئت وشاهدت شوارع أمستردام في تلك الأيام لما صدقت بأنها لهذه المدينة العريقة الجميلة. ولشاهدت أكوام النفايات في كل مكان هناك بأعداد كبيرة ورهيبة!
هذا فقط لأنه قد أضرب عمال النظافة عن العمل لمدة أسبوع (فقط!) فماذا تقول عن بلد قد أضرب فيه عمال النظافة عن العمل منذ سنوات ليست بالقليلة أبداً؟ أكاد أجزم بأن الأزبال في أمستردام في ذلك الوقت كانت تفوق شبيهتها في بغداد! التي أهملت منذ عقود. ومنذ ما يقارب الثلاثة سنوات يحضر شوارعها عمال النظافة القليلين جداً فقط كي يدخنوا السكائر هناك، ويأخذوا الرواتب القليلة ويذهبوا إلى بيوتهم. وفي الوقت الذي دخلت فيه العراق خلال هذه المدة ما يقارب على المليون سيارة من أزبال أوربا والخليج، لا تجد أية سيارة جديدة للنفايات سوى تلك السيارات القليلة جداً التي تبرعت بها بعض دول (الأحتلال!). ولم تجرؤ الدولة على شراء تلك السيارات بحجة الوضع الأمني، بينما دخلت كل تلك السيارات ولم يوقفها الوضع الأمني، بل كانت في خدمة الإرهابيين ليصعّدوا من أزمة الأمن في البلد. وتجد سيارات النفايات هي عبارة عن قلاب وسخ ينبغي هو نفسه أن يرمى في الأزبال. وتجد أيضاً المسؤولون عن النظافة يشغّلون معهم عشرات الأسماء الوهمية ويستلمون بها رواتب من الدولة، تلك التي تغاضت عنهم بعد أن أعطوا رشاوى لهذا وذاك كي يغمضوا عيونهم عنهم ويصموا آذانهم! ولا تجد هذا المسؤول أيضاً يحاسب موظفيه من عمال النظافة، لأنه لا يريد أن يكشف المستور...!
والمضحك في الأمر هنا أن أمانة بغداد قد باشرت بحملات التوعية، التي أقتصرت على أعلانات كبيرة في بعض الشوارع تحث المواطنون على أن يحافظوا على نظافة عاصمتهم، عاصمة الثقافة... في الوقت الذي لن تجد شارع في بغداد أو ساحة ليست مليئة بالقاذورات والأزبال والسكراب وغيرها من النفايات... ألم يكن من المستحسن أن يباشروا قبل هذه الإعلانات بحملات تنظيف الشوارع ورفع الأنقاض والسكراب الذي يعيق في الكثير من الأحيان حركة سير المواطنين!؟ وبعدها حين يجد المواطن تلك الشوارع نظيفة ويقرأ تلك الإعلانات، فأنه ساعتها يشعر بقيمة تلك الإعلانات. لو وجد طبعاً في تلك الشوارع بعضاً من الأماكن المخصصة لرمي النفايات قريبة منه...
لا أخفي طبعاً بأن المواطن عليه مسؤولية كبيرة أتجاه نظافة بلده ومنطقته. ولم أغمض عيني عما رأيته من أن الكثير من السيارات كانت ترمي أعقاب السكائر وعلب السكائر الفارغة من الشباك وهي تسير! ولكن كيف للمواطن أن يحافظ على نظافة مدينته وهي بهذا الإهمال؟ كيف له ذلك وهو لا يجد من يبيعه أكياس النفايات؟ كيف له أن يضع أكياس الأزبال بمكانها المخصص وهو يجدها فائضة ويرى حول حاوية الأزبال أكياساً من النفايات تمتد إلى عشرات الأمتار، تحيطها المياه الآسنة والذباب متعدد الجنسيات! ومن يريد أن يصل إلى هناك فعليه أن يكون بارعاً بالطفر العريض والقفز بالزانة! كيف له أن يحافظ على نظافة منطقته وهو يرى عمال النظافة يأتون فقط في الأعياد يطلبون الإكراميات!؟
وللحديث بقية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07