الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تناقضات العولمة في سوريا

معتز حيسو

2017 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


من تناقضات العولمة في سوريا
معتز حيسو
شكَّلت طبيعة نظام الحكم في سوريا، وآليات اشتغاله، إضافة إلى عسكرة«الثورة»، مدخلاً لتحويل الصراع إلى حرب مدوَّلة محكومة بتناقضات دولية. والأخيرة تربطها علاقة غير مرئية بتناقض إشكالي يتعلق بما تمرُّ به العولمة من تحولات تخالف الأسس المحدِّدة لطبيعتها القائمة على دمج دول طرفية تحكمها سلطات مركزية، بمراكز العولمة الرئيسية. والتناقض المقصود يتعلق بطبيعة وشكل الكيانات التي يتمُّ الاشتغال على تمكينها. ويتجلى ذلك في سياق تهديم الدول الكيانية المركزية. ويتزامن مع التحولات المذكورة، اشتغال سدنة العولمة على إعادة إنتاج آليات نهب وشفط ثروات الشعوب المفقَّرة وفق أشكال تفضي إلى زيادة حدة الاحتكار، وتمركز رؤوس الأموال. ما يعني إن تجاوز بعض القوانين الناظمة للعولمة، أو حتى استبدلها بأخرى مختلفة، سوف يُزيد من مستويات النهب والاحتكار والهيمنة السياسية. فالشركات العملاقة، منها شركات صناعة الأسلحة وأيضاً الشركات المصرفية والنفطية والمؤسسات المالية «صندوق النقد والبنك الدولي» تتحكَّم بالاقتصاد العالمي. وجميعها تمتلك فائضاً مالياً يجوب العالم باحثاً عن مجالات للتوظيف. وعليه فإنَّ تجاوزها للحدود والأطر القومية يبدوا أمراً بديهياً. ويتجلى ذلك في سياق الاشتغال على تحويل بلداننا إلى مجالات للاستثمار والتوظيف المالي. ما يقود لاستكمال نهب الثروات الوطنية، وتعميق ربطنا بعجلة رأس المال المالي المعولم. ومن المتوقع أن يتجلى ذلك بشكل أوضح بعد إيقاف الأعمال القتالية والانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار.
وإذا عُدنا إلى ما قبل الغزو الأمريكي للعراق، نلاحظ إن شكل الدولة «الوطنية»، بغض النظر عن طابعها السياسي السلطوي. كانت هي الأنسب لتأمين مصالح الدول الغربية المتزعِّمة للنموذج الاقتصادي الليبرالي المعولم. لكن بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة يبدو أن دوائر صناعة القرار السياسية والمالية غيَّرت من نظرتها لطبيعة وتركيبة الدولة في منطقتنا العربية. ويتجلى ذلك في سياق اشتغالها على تدمير نماذج الدولة «الوطنية، الأمة، والقومية». والدفع باتجاه إقامة كانتونات«عرقية إثنية طائفية وقبلية» سياسية حاملة لعوامل التوتر والاضطراب. وذلك يناقض أسس العولمة التي حافظ دعاتها حتى وقت قريب على دول كيانية تحكمها سلطة مركزية تقبض على المجال السياسي، وتفرض إضافة لذلك سيطرتها على كافة المكونات الاجتماعية، والموارد الاقتصادية والبشرية. ويُعتبر أيضاً تقهقراً إلى الدولة الطبيعية. أي أن التحولات التي تشهدها بلداننا وكذلك مجتمعاتنا، تتناقض مع قوانين التطور الموضوعية. علماً إن التوجهات العامة للأنظمة العربية ومنها أنظمة دول«الربيع العربي» ما زالت تحافظ على علاقات التبعية الاقتصادية والارتهان السياسي للغرب الرأسمالي. وإذا كان رأس المال ينزع إلى الاستثمار في مناخات آمنة. فإن شكل الاستثمار في اللحظة الراهنة، وتحديداً المتعلق منه بالمجمعات الصناعية العسكرية المرتبطة عضوياً بالمصارف، يُركِّز على الاستثمار العسكري المرتبط مباشرة بالحروب الدائرة رحاها في سوريا وغير دولة عربية. ولا ينفصل ذلك عن اشتغال بعض دول الشمال، ومنها الولايات المتحدة على صناعة الحروب وإدارتها للخروج من أزماتها الاقتصادية. ولا تشذُّ روسيا عن السياق المذكور، حتى وإن اعتمدت آليات مختلفة. فجميعها يتقاطع على أهداف مشتركة تتمثل في تحويل بلداننا إلى مناطق نفوذ، وأدوات في إطار التناقضات والمشاريع الدولية.
وفي سياق ذلك تشتغل مراكز صناعة القرار العالمي على إعادة إنتاج وتشكيل دول المنطقة انطلاقاً من كونها مصادر للنهب، ومجالات للتوظيف المالي المفتوح والحر. ويتصل ذلك مع ما يتم العمل على تمكينه في سوريا وغير دولة عربية من سيناريوهات جيو سياسية تقسيمية تقود إلى زيادة تفتيت البنى الاجتماعية. ما يعني استبدال سوريا المنفتحة على ذاتها، بسورية متشظية ومغلقة على مكوناتها الأولية. ورغم الصعوبات الإقليمية والدولية التي تكتنف تحقيق ذلك. لكنه يبقى احتمالاً قائماً، وذلك نتيجة ارتباط الحرب السورية بمصالح وتناقضات دول كبرى وأخرى إقليمية. ويدلل على ذلك إنَّ الجهات المتحكمة بأطراف الصراع تؤكد إن شكل الدولة السورية وبنيتها المركزية لن تعود كما كانت قبل «الربيع السوري». ولن يكون ذلك محصوراً على سوريا فقط، لكن من المتوقع أن ينسحب على مستقبل غير دولة عربية.
ننوّه أخيراً إن تفكيك الدولة المركزية، أو إضعافها وتحويلها إلى أداة وظيفية لخدمة رأس المال المعولم. يثير تساؤلات كثيرة وأساسية عن طبيعة الترابط بين المستويين السياسي والاقتصادي للعولمة. ويدفع للبحث في جوهر التناقضات البنيوية للعولمة.
------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط