الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عود على بدء الدين والعلم

محمد شرينة

2017 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


بدء المسلمون ما سمي لاحقاً علم التوحيد بشكل اضطراري بعد انتشار الافكار الفلسفية في العالم الإسلامي.
من القضايا الاساسية واجهتهم في البداية الاستحالة البديهية لاجتماع العلم والارادة لذلك قال قدامى المعتزلة بان الله لا يعلم الجزئيات ويقف علمه فقط على الكليات للهروب من هذه الاستحالة لكن متأخري المعتزلة رجعوا عن هذا القول بعد ان استغله متكلمي السنة وشنعوا عليهم به. وهكذا استمر الفريقين في تقديم حلول لفظية لا معنى حقيقي لها حتى النهاية.
القضية هي؛ اذا كان الله يعلم الأحداث منذ الازل فانما هو يخلقها حسب ما هي في علمه الازلي ولا يكون عنده حرية تغييرها والا صار علمه جهلا بمعنى أن ما يقع غير ما يعلمه.
اما اذا كان من الممكن ان يخلق الأحداث بطرق متعددة فان هذا يتطلب ان لا يكون عالما بكيف حدوثها منذ الازل.
القضية غير قابلة للحل وسبق المسيحيين واليهود المسلمين في محاولة حل هذا التناقض.
لذلك في كل الأديان عندما تدق ساعة الحقيقة تتقدم الاصولية التي تبني ايمانها على النصوص كما هي دون ادنى اهتمام لتناقض تلك النصوص مع العقل، لانه لا يمكن بناء الايمان اطلاقا على ادنى درجة من العقلانية.
بالعودة لاستحالة اتصاف الله بالعلم والارادة معاً والغير قابلة للحل يبقى امامنا القفز فوق العقل او الإيمان بإله لا يختلف عن الطبيعة.
تصادفنا هذه القضية بشكلها الأكثر وضوحا وحدة عند الحديث عن مفهوم الإله في الفكر الغربي /العالم غرب الهند/ وتحديدا مفهوم الأديان الإبراهيمية للإله أي الإله الشخص. إله الفلاسفة ليس الا الطبيعة والتي لا يفترض أن تكون حكيمة وبالتالي عالمة ومريدة فهي غير غائية. مفهوم الإله في الهند مفهوم غير عقلي وأقرب ما يكون له في ثقافتنا الإسلامية هو إله المتصوفة الذي هو نفس العالم مع أنه متصف بالحكمة وهنا تحل كل التناقضات الحتمية الناتجة عن وصف الله القديم بالحكمة والتي ينتج عنها بالضرورة اتصافه بالعلم والإرادة الأزليتين؛ تحل بوجوب استسلام الإنسان الذي هو جزء أصيل "قديم" من العالم؛ لتصرف القدر أو العالم /الله/ الذي لا يمكن ادراك كنه حكمتها.
في الشرق الأقصى يتعامل المرء بايجابية مع إله يفترض أنه خيّر وهذا الإله هو الطبيعة نفسها لا شيء آخر.
وهكذا حسب المفهومين الأخيرين لا يتحكم الله بالطبيعة بقدر ما هو هي وبالتالي سواء افترضت أن الله-الطبيعة خيرا أم شريرا فان التناقض العقلي المنطقي بين حكمة الله والعالم / بين علم الله وإرادته/ لا يبرز بوضوح.
حسب مفهوم الإله الشخص الإبراهيمي يبرز هذا التناقض بحدة وهذا ما يجعل الأمم المتأثرة بهذا الفكر أكثر تأزما وبنفس الوقت أكثر فاعلية فلا أحد يفعل شيئا لحل قضية محلولة أو مستحيلة؛ ان ابقاء الفكر في حالة الأزمة بحيث يستحيل عليه الوصول إلى حل نهائي /الى وضع الراحة/ يبقيه في حالة فعل.
بتقديري أن هذا هو السبب الرئيسي في أن معظم التغيرات الكبرى وصولا الى العالم الحديث وقعت هنا ولكن هذا الوضع الذي لا شك أنه منتج هو خطير أيضا؛ ففي النهاية لابد لمن لا يرتاح أن ينهار؛ أن ينفجر وأظن أن هذا صار أقرب مما يتخيل أكثر الناش تشاؤما.
من المهم تماما أن نعرف أن المنطق التقليدي اهتز بشدة منذ نهاية القرن التاسع عشر ولا يزال يتلقى الهزة تلو الهزة من الفيزياء تحديداً وبالأخص من خلال عجز الفيزياء النظرية التام عن شرح نظرياتها الحديثة وبالأخص ميكانيك الكم /وهو العمود الفقري للفيزياء الحديثة/ اعتمادا على المنطق حيث تبرز باستمرار تناقضات منطقية فالفوتون مثلا جسيم كتلته تساوي الصف أي أنه جسيم لا كتلة له وبالتالي ليس جسيم؛ وهذا يغري بشدة بتجاوز المنطق التقليدي الذي لا بديل له لأي تفكير منطقي. ان هذا يغري وبشدة بالإعتقاد أن العالم في العمق لا يقوم على المنطق أو أنه يقوم على منطق؛ ليس يصعب علينا فهمه؛ بل لا يمكننا فهمه إطلاقاً وهذا تفكير فلسفي وليس بتفكير علمي أو فيزيائي: انه بوضوح تفكير ديني.
ولكن بالعودة إلى أقدم ما يتوفر لدينا من الأفكار البشرية نلاحظ بسهولة أن هذا ليس بالشيء الجديد فخارج مجال حواسنا الضيق كان التفكير البشري دائما دينياً وحتى ضمن ذلك المجال في كثير من الأحيان. فالحب والتضحية والمجد وغيرها لا يمكن تفسيرها منطقيا كما أنه في مجال العلم نفسه لا يمكن تفسير كون العالم منتهي ولا كونه لامنتهي ولا الصفر كحالة عدم ولا البداية الأولى أو النهاية الأخيرة بشكل منطقي.
يبدو أن الفكر الانساني يعمل حتما بطريقة دينية وهذا ضروري لكون هذا الفكر يحاول استيعاب وتقنين عالم أكبر وأعقد من الفكر بمرات غير محدودة حتى لو كانت متناهية. انه يلجأ الى اختزال شديد ويعطي مفاهيم غير منطقية لكل ما هو خارج مجال الملاحظة الشديد الضيق حيث يفترض الفكر البشري أن هذه المفاهيم تستمر بنفس الشكل والى ما لانهاية فهو كمن يعيش في صحراء واسعة ويفترض أن كل ما يمكن أن يوجد هو صحاري بشكل أو آخر.
من الواضح الآن أن الإستثناء هو العصر النيوتني أو الميكانيكي الذي سيطر على الفكر البشري لحوالي قرنين وسبق أن مررنا بحالة مشابهة ولكن بشكل أضيق لزمن ما قبيل وبعيد الميلاد. كل هذا يدفعني بقوة للإعتقاد أن الترنح الذي اصاب العالم منذ قبيل الحرب الكونية الأولى والذي لا يزال يزداد تفاقما ليس عارض عرضي؛ انه ليس استثناءً بل أشبه بالرجوع الى القاعدة وبالتالي نحن مقبلون على عالم مستقبلي مجهول تماما للحد الذي يكاد يستحيل علينا تصوره وهذا ليس غريب فقد سبق وأن حدث شيء مماثل عند انهيار العالم العقلاني المادي الذي يسمى الآن بالعالم الروماني الإغريقي وهو ليس كذلك فأفكار المادية العقلانية كانت هي المسيطرة في كل حوض المتوسط ربما باستثناء مصر وفارس ومن هذين القطرين أخذ اليهود الأفكار الأساسية التي صاغت لاحقا الديانات الإبراهيمية؛ بل مهماً أن نعي أن اليهودية في صيغتها المتأخرة وبعدها المسيحية في صيغتها المعروفة وكذلك الإسلام بعد القرنين الأولين لم يكن ممكناً ان يكون أي منها بالشكل الذي هو عليه بدون الأفكار الدينية الإغريقية المتأخرة وخاصة أرسطو وأفلاطون وان الفكر الإغريقي بهذا الشكل هو فكر ديني بحت وليس فكرا ماديا أبداً.
لقد وُلد المنطق كما نعرفه عند الإغريق كمحاولة لتفسير العالم المادي بطريقة دينية تبدو متماسكة أو منطقية. وبنظرة بسيطة ندرك أن الوثنية المتوسطية قبل الأفلاطونية أكثر أصالة تماما من حيث كونها مادية ومنطقية بشكل مادي؛ انها ببساطة تركت تفسير كل ما هو غير مادي وكل ما هو غير مفهوم للآلهة ولم تحاول أبدا تفسير ما هية وآلية عمل هذه الآلهة. انها كانت مادية بشدة لأنها لم تفسح مجالا لتفسير الأشياء المادية العادية بشكل ديني فحيث اعترفت بالآلهة فانها اعترفت بها منفصلة وتركت القضايا العادية واليومية أو القضايا الدنيوية لتفسر بشكل دنيوي أو عالمي وهذا هو المقصود بالعلمانية.
قد يغري هذا البعض ليظن أن المستقبل سيكون للأديان التقليدية وخاصة الإبراهيمية لكن هذا غير ممكن أبدً فهذه الأديان لها نسختين حالياً ولنأخذ الإسلام مثلاً؛ النسخة التي تسمى بالمعتدلة وهي تلك النسخة الأرسطو- أفلاطونية التي تقوم على المنطق بشكله الإغريقي والذي قد انهار للتو ولا يمكن البناء عليه. دعني أوضح فالكلام أعلاه يمكن أن يبدو متناقضاً: إن الذي انهار هو المنطق التقليدي الذي أسسه الفلاسفة الإغريق المتأخرين / ارسطو/ هذا المنطق هو آلية العمل الأساسية لليهودية المتأخرة والمسيحية المعروفة والإسلام بعد القرنين الأولين وما يسمى الآن بالإسلام المعتدل. هذا المنطق هو نفسه نفذ الى الفيزياء الحديثة وسيطر تماما على كل تفسيراتها وشروحها النظرية حتى بداية القرن الماضي فالفيزياء النظرية الحديثة فكر ديني دون أدنى شك؛ وهذا كله اما ناهار أو في طريقه للإنهيار.
النسخة الثانية لهذه الأديان ولنتابع مع الإسلام كمثل مع التأكيد أن الأديان الثلاث متطابقة في هذا المجال وبالتالي فان النتيجة تنطبق عليها جميعا؛ النسخة الثانية هي النسخة الأصولية أو السلفية وهي بناء فكري يقوم على وضع تخيلي موغل في القدم/يعود لأربعة عشر قرن مضت من الزمن/ هذا البناء لا يمكن أن ينجح فهو منفصل عن الواقع الحالي وعن أي واقع حقيقي وجد في اي يوم من الأيام فالإسلام الذي يفترض السلفيون المعاصرون أنه قدوتهم لم يوجد اطلاقا في أي زمان وانما هم يعتمدون على نصوص كتبت تماما بشكل متأخر بعد أن انتهى الإسلام الوليد وبروح لا تمت لروح ذلك الإسلام بصلة رغم الكثير من التشابه الشكلي.
لهذا ولأسباب أخرى كثيرة يطول شرحها أنا اعتقد بشكل شبه قاطع //حيث لا يمكن الاعتقاد بأي شيء بشكل قاطع لمن يفكر فهو ممكن فقط لمن يؤمن// بأننا ذاهبون إلى عالم مختلف تماما عن كل ما عرفناه يستحيل التنبوء بشكله. ولكن هل هذا أمر غريب؟ الواقع اطلاقا لا فدائما انتقلت البشرية إلى عوالم كان يستحيل تصورها قبل حدوثها لكن بالنظر خلفا الى هذه المسيرة تبدو لنا عادية وقابلة للتوقع. ببساطة عندما تصعد جبلا مرتفعا وعراً لا يمكنك أن تتوقع التالي لكن عندما تصل الى الأعلى تنظر وتفهم بسهولة الأدنى وهذا يغريك باعتبار أن القادم مشابه للماضي مع أنه سهل جدا معرفة أن هذا خطأ. من كان يتوقع ما حصل في سوريا أو أن الاسكندرية وانطاكيا ثاني وثالث أكبر حواضر الامبراطورية الرومانية ستصبحان جزءا من امبراطرية العرب الجديدة التي لم يسمع أحد بها ولا بالذين أسسوها قبل ذلك بعشرة سنوات أو أن المغول الذين لم يكن أحد قبل ذلك قد سمع بهم سيشكلون خلال أقل من عشرين سنة أكبر امبراطورية برية عرفها التاريخ ليس حتى ذلك الوقت بل حتى الآن أو أن بريطانيا وفرنسا سيدتا العالم لقرون حتى بعد أن ربحتا الحربين الكونيتين ستصبحان دولتين تحتاجان للحماية الاميركية وممن؟ من روسيا أضعف الدول الأوربية! والأمثلة أكثر من أن تعد ولكننا بالنظر خلفا ونتيجة لطبيعة تفكيرنا نعتبر أن ما حدث عادي بعد أن يحدث لكنه ليس كذلك أبدا ولا بأي مقياس قبل أن يحدث. يشبه التاريخ مركبة عملاقة لها أضواء قوية كاشفة فقط من الخلف وما أن تجتاز منطقة حتى تصبح الأشياء خلفها مرئية ولكن الأشياء أمامها تمتد في ظلام دامس لا يُرى منها شيء؛ من طبيعة التفكير البشري أن يفترض أن القادم مماثل لما مضى ولكن هذا لا يصح أبدا في منعطفات التاريخ الكثيرة جدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة