الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإزاحات النسقية في المجموعة القصصية (الغزل ليس حكرا على الرجال ) للقاص كريم صبيح.

حيدر جمعة العابدي

2017 / 3 / 8
الادب والفن


الإزاحات النسقية في المجموعة القصصية (الغزل ليس حكرا على الرجال ) للقاص كريم صبيح.
الغزل ليس حكرا على الرجال، مجموعة قصصية تتألف من أربع وعشرين قصة ما بين قصص طويلة وقصيرة جدا، صادرة عن مؤسسة ثائر العاصمي ،لسنة (2017) تشترك المجموعة في خيط مركزي ناظم لجمع الحكايات باعتمادها على المفارقة والتهكم في نقد الواقع والتأكيد على أهمية بناء الأحداث بموازاة الواقع ،كون جميع القصص تعتمد اليومي والمعيش ثيمة أساسية في بنائها وتطور أحداثها .
يعتمد الكاتب في بناء حكاياته على الصدمة والتجاوز لكشف أثر التحولات الفكرية والنفسية التي تحكم واقعنا اليوم من خلال شخوص حكاياته التي تحاول جاهدة تجاوز صدمتها بأحداث إزاحات نسقية مختلفة لإنتاج واقع موازٍ قادر على التجاوز والبحث عن واقع جمالي مختلف ، وهو ما دفع الكاتب اختيار عنون مجموعته (الغزل ليس حكرا على الرجال )والذي يمثل عتبة أولى لفض شفرة المجموعة للدخول إلى العتبات الفرعية وعوالمها المضمرة والظاهرة ، لذا كان اهتمام الكاتب منصبا على رصد هذه الصدمة وتفكيك أبعادها ال سسيو- ثقافية لكسر حاجز الثبات الاجتماعي وإحداث إزاحات نسقية في بنية المعنى السائد عن طريق إعطاء صورة واقعية مختلفة للنموذج المهيمن اجتماعيا، وهو ما اختاره الكاتب ليكون على الغلاف الأخير أو العتبة الأخيرة للمجموعة (جلس رامز وحيدا ينتظر أن يعيد التاريخ نفسه ..وعندما فصل التاريخ ذلك ،وجد رامز نفسه غريبا وعاجزا ) .
استخدم القاص لغة مباشرة سهلة في سرد حكاياته، ما أضفى جوّا واقعيا حسيا انعكس ذلك على نوعية الصراع وطبيعة الأحداث داخل المجموعة، كونهما يشكلان الواقع اليومي والمعيش وينهمكان في تفاصيله .
شخوص القصص أغلبها ذات أنماط ثقافية ونفسية قريبة من بعضها، لذا تشعرك أننا أمام شخصيات تمتلك نفس الرؤى اتجاه الواقع، أي شخصيات مسكونة بهاجس الشك والقلق من الواقع ساهم ذلك في كسر أفق التوقع لدى القارئ، بالرغم من كون هذه الشخصيات تختلف بالأسماء أو الأشكال أو الجنس، لكن في عمقها النفسي تتشابه في ردة فعلها، فأبو مرداس ذلك التاجر البخيل الذي يقع نتيجة خوفه من المتسولين في ممارسة التسول (انتاب أبا مرداس قلق شديد من تلك العبارة المقتضبة الحازمة ) ص14 ،أبو عصام الموظف الذي يخاف لحظة إحالته على التقاعد فيسقط أسير لحظة الموت ،عرفان الذي تقتل حبيبته بالانفجار ،حامد الذي يصاب بجرثومة التغيير التقني، سوسن التي تمارس دور إغواء الرجال لغرض الضحك ... .
اعتمد الكاتب في الكثير من القصص أسلوب مسرحة الأحداث لتكون أكثر تأثيرا وإيحاء لدى المتلقي (كان ممسكًا بطرف ورقة تدلى جزء صغير من طرفها الثاني من سريره عندما توقف نبض قلبه ) ص31 من قصة وثيقة إعدام رسمية .
هناك غياب للتعددية الصوتية في جميع القصص لذا كان فعل الروي على لسان راوٍ عليم كل العلم ومشارك يتدخل في رسم الأحداث والذي يعكس وجهة نظر الكاتب من الواقع . اختار مكانا مركزيا، بغداد وضواحيها كمكان يتصف بالتنوع والاختلاف الثقافي والاجتماعي ليكون الأنموذج الأكثر محاكاة للواقع العراقي بكل تنوعه العرقي والديني والثقافي ، كما اعتمد زمنا آنيا حاضرا ( هنا والآن ) في سرد الأحداث أي السرد المتزامن مع ما هو كائن، اتخذ الكاتب الحبكة النازلة في معمارية القصص والتي تبدأ من الحدث الاعتيادي ،والتحديات الذروة ،ثم الاستسلام، في دلالة واضحة من الكاتب على سطوة الواقع المعيش السائد (التقاها على موعد أراده فعلا أن يكون الأخير ،وقبل أن يطلق العنان لثورة تنتهي بنبذها من حياته ) ص38 من قصة حصانة افتراضية . استخدم طريقة الوصف الممزوج بالتحليل للشخصيات والأحداث وذلك لإظهار الجانب النفسي المضمر لشخصياته (انشغل بالجثث المحترقة تي كانت قريبة منه جدا... ،لكنه لم يتمكن من معرفة أي منها ،كان احتراقا هندسيا ) من قصة جحيم في الكرادة ص33.
امتازت قصص المجموعة في تنوع موضوعاتها لكنها لم تكن متسقة مع عنوان المجموعة إلا في ثلاثة قصص (صفر.. صفر.. سبعة، وفرسان من ورق، والغزل ليس حكرا على الرجال، كما افتقرت بعض القصص للجانب الفني لكن هذا لا يمنع من وجود الكثير من قصص المجموعة توفرت فيها الشروط الفنية . شكلت قصة (عشرة أيام هزة عالم أبي مرداس) الحكاية الأكثر اختلافا؛ كونها ذات نمط سردي تاريخي، أي التي كانت تتداول في الأمثال والحكايات الشعبية عكس ما كان في باقي القصص الأخرى والتي تمتاز بطريقة السرد الحديث الذي يمتاز بتسريع الأحداث المتزامن مع الوصف الدقيق أو ما يسمى بتقنية السينما ، سعى الكاتب إلى إبراز دور المرأة بوصفها فاعلا مؤثرا في تشكل واقع حياتنا، لذا جاءت شخصية المرأة شخصية قوية ومنتصرة دائما قادرة على مسك زمام المبادرة في كل الأحداث بل وتتلاعب بالرجال عن طريق وأخذ دوره المركزي ، فالازاحات النسقية التي يسعى الكاتب الى تحقيقها في السرد داخل النص ترفض المعيار السائد الذكوري وترسخ معيارا مختلفا (نذرت أن تتزوج بقرعة يشترك فيها الرجال الذين ليس لديهم ثأر تاريخي مع النساء) ص42 ، هناك بعض قصص الومضة ذات المضمون الفكري أكثر منه فنيا، والتي خلقت شكلا من التنوع المميز عن نمط القص الطويل منها :(اعادة جدولة الأحلام،واشتعال،واغتسال،و قراءة،وتجديد،وهندسة ،ملكتان،انتفاضة ورق) .
حاول الكاتب عبر مجموعته القصصية التركيز على إحداث ازاحات فكرية وأسلوبية في المعيار السائد (الذكوري) وترسيخ لأنساق ثقافية أنثوية كونها، تنطلق من موقع المبادرة، وهو ما يسهم في تغيير قناعتنا اتجاه الواقع والثقافة، كما بين أن هناك فعلا إقصائيا واضحا في طبيعة تعاملنا مع بعضنا البعض يتضح من خلال العنف والتهميش الذي يمارس اتجاه بعضنا البعض بفعل الأنساق الذكورية الساردة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي