الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلاح وفرويد والمرأة الشبح!

مريم القحطاني

2017 / 3 / 8
حقوق الانسان


الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ..

كان بيت حافظ ابراهيم هذا قديماً يشبه اللغز. حين لقنونا إياه، أتذكر أنني سألت إمرأة عملاقة حينها، تدعى أمي “كيف يعني الأم مدرسة؟” فقالت لي بشيء من طفش، “يعني الأم مدرسة يا بنتي” وفاتها أنني لم أفهم الاستعارة. ولم أسأل بعدها إذ اتضح لي أن أمي أيضا- وقد كانت امرأة متعلمة حسب معايير جيلها آن ذاك- ربما هي مثلي لا تعرف ما المقصود من ذلك، أو ربما تعرف ولكنها تطبخ لنا الغداء الآن، مالها ومال حافظ ومدرسته وأمه؟

وعندما كبرت قليلاً، فهمت أن الأم مدرسة ما يعني أنها تعدّ أجيالاً وأنها هي من يتحمل المسؤولية الكبرى، إن لم تكن المسؤولية الكاملة في تأسيس الرجل والطفل والمجتمع. وللحق، كان يعجبني هذا الكلام! بل وكنت أتفق معه. فكمبدأ شديد التبسيط، ربما لا غبار على هذه العبارة متسعة المدى، فالأم هي التي تنجب الرجل وتربيه وتزوّجه وترشده. - على الأقل كان هذا هو الحال السائد في الماضي، قبل انتشار ظاهرة الطلاق في الثمانينات واجتياح المرأة معترك العمل.

إلا أنني عندما كبرت قليلاً، وفهمتُني نوعاً ما، وفهمت أن العالم ليس له ملامح واضحة يُستدلُ بها عليه، وأن الأبيض والأسود ليست هي ألوانه الوحيدة كما حاولوا إقناعنا، بدأت هذه العبارة تقلقني، خاصة عندما تأتي لمغالطة المرأة وتضليلها عن واقعها واسقاط المسؤولية عن رفيقها الرجل لرمي عبء الخلاص والتصحيح عليها. فهي عبارة غالباً مستخدمة لتذكير المرأة أنها هي السبب وهي وراء ما يحدث، خيراً كان أم شراً، ولكي يصلح حال المجتمع فلا بد لها أن تصلح من حالها، فصلاح المجتمع هو من صلاح المرأة.

فيا ترى ... من هو "صلاح" هذا؟ من هو أو ماهو “صلاح المرأة”؟ كيف يجيء ما شكله ما لونه ما صفته؟ ماهو تعريف المرأة الصالحة؟ هل المرأة الصالحة هي المرأة الشبح، التي تسمع عنها ولا تراها؟ أم هي المرأة الخارقة التي تراها ولا تراك؟ من هي المرأة الصالحة لأنني كنت أظن أن المرأة الصالحة هي المحجبة التي لا تدخن ولا تتأخر في العودة الى المنزل ولا تتكلم مع الشباب، حتى سمعت من أحدهم أنها طالحة لأنها تلبس الكعب أو لأنها تتعطر. يعني أن صلاحها لا يدوم وهو آيلٌ للسقوط بحمرة شفاه أو رشة عطر! ثم قيل لي أنها الأم المربية الصابرة الحنون المعطاء، لكنها نُسفت أيضاً عندما خلعت الحجاب، ما يعني أن صلاحها يتوقف على حضور منديل! فمن هي “صالحة” هذه وما هو “الصلاح”؟

في علم المنطق هناك عدد من المغالطات النقدية، أحدها يعرف بـ”Ad hominem” أو كما نسميها “الشخصنة”، فبدلاً من الهجوم على الحجة نفسها يُهاجم صاحب الحجة. فمثلا، إذا قالت صالحة أن صالح طالح ولا خير فيه (يضربها أو يحرمها) يقال لها أنها هي السبب، ولابد لها أن تبحث عن شيء في شخصها، دون التعرض أو التعرف إلى حقيقة طلاح صالح الفعلية، وبالتالي اضعاف صاحبة القضية صالحة ونسيانها وتنزيه وتبريء صالح. وخلال هذا النوع من المغالطة في النقد والنقاش، تندرج مغالطة منطقية أخرى “Argument from Popularity” وهي الاحتكام إلي ماهو أكثر شعبية، أي المعتقدات السائدة فقط لأنها سائدة ولها جمهورها، كأن تقول مثلا “الأم مدرسة..” وهو بيت شعر متداول لا سند أو دليل علمي له.

يقول مؤسس علم التحليل النفسي، سيغموند فرويد “لا أستطيع أن أتصور حاجة في الطفولة أقوى من حاجة الطفل للأب”. فإذا كانت الأم هي نبع الحنان والعطاء والحب، فالأب هو مصدر القوة والثقة والعزيمة وهو عصب الأسرة. معظم شعوب وثقافات الأرض تتفق على هذه النظرية تطبيقيا فتدعو الأطفال لآبائهم. وكما يتعلم الولد من أمه يتعلم من أبيه.

أخيراً، قصيدة حافظ ابراهيم "العلم والأخلاق" جميلة حقاً، ولائقة بزمانه وظرفه ولكنها لا تتناغم مع مجتمعنا اليوم الذي لا يشبه مجتمع الأمس ولا تحاكي واقع الرجل والمرأة الآن. ولكن لنتفق. نعم، لقد قال حافظ أن الأم مدرسة، ولكنه أيضاً حمّل الرجل والمجتمع مسؤولية اعداد المرأة ودعمها "الأم مدرسة... إذا أعددتها” فهي ليست صدفة أو نتيجة لطاريء، بل هي مشروع يتطلب الاهتمام والرعاية والبناء. إن كانت المرأة هي نصف المجتمع فإن الرجل هو نصفه الثاني وبالتالي فإن المسؤولية أمام المجتمع واحدة. لقد حان الوقت ليتفق الرجل والمرأة على مفهوم العدالة والمساواة الاجتماعية وأهمية تقاسم المسؤولية وكيف بامكان ذلك خدمة الجميع.

على الرجل أن يجد طريقة ليفهم أن حرية المرأة تصب في صالحه أيضا وأن المضي الى جوارها لا يقلل من رجولته. وعلى المرأة أن تتذكر أنها طالبت بالمساواة لتكون أخت، زوجة، حبيبة، صديقة، زميلة، رفيقة الرجل وليس ندَّه أو سيده.



مريم القحطاني كاتبة يمنية أمريكية
Mqahtanite@









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ناشطون يتظاهرون أمام مصنع للطائرات المسيرة الإسرائيلية في بر


.. إسرائيل تفرج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين عند حاجز عوفر




.. الأونروا تحذر... المساعدات زادت ولكنها غير كافية| #غرفة_الأخ


.. الأمم المتحدة.. تدخل الشرطة في الجامعات الأميركية غير مناسب|




.. تهديد جاد.. مخاوف إسرائيلية من إصدار المحكمة الجنائية الدولي