الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة أولاً .. الآن وغداً

بدر الدين شنن

2006 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


إن الحجر الذي رماه عبد الحليم خدام في مياه الاستنقاع السياسي السوري رسم حلقات متوالية حول المركز الذي ا ستقر فيه ، وأثار في الشأن السوري ،بغض النظر عن الرغبات والاصطفافات ، مسألة جديدة في غاية الأهمية ، وهي كيفية التعاطي مع حالات الإنشقاقات عن النظام ، التي دشنها باستعراض إعلامي باهر نائب الرئيس السابق . كان الانشقاق عن النظام متوقعاً ، حسب منطق وقوانين تفكك أنظمة الاستبداد ، وإن لم يرتبط بخدام تحديداً ، لكنه كما ظهر لم يكن مهيأ له عملياً من قبل ، ولهذا ، سواء ، كما زعم خدام أنه كان على اتصال مسبق مع رموز من المعارضة أم لا ، فإن الطريقة التي عومل بها الرجل تدل على أنه لم تكن لهذه المسألة من دراسة وإعداد لملاقاتها . ولهذا كان التعاطي معها مجرد ردود فعل محكومة بالإجتهادات الشخصية ، أكثر مما هي محكومة بقواعد مبدئية محددة

ماظهر حتى الآن على مستوى القيادات ، أن خدام مقبول في صفوف المعارضة ، إذا تقدم بإعتذار عما قام أو شارك به من ممارسات وسياسات خلال ثلاثة عقود
من المسؤولية ، كان له فيها اليد الطولى في الداخل .. واليد الأطول في لبنان . وقد أثارت المعالجة الفردية لظاهرة خدام لدى أوساط في أنساق المعارضة المختلفة تخبطاً إجتهادياً متعدداً ، وأحياناً متناقضاً ، كاد أن يشكل موقفاً خلافياً مشحوناً بأبعاد إتهامية

من يقبل بخدام في صفوف المعارضة يتهم بأنه متواطئ مع ما يمثله خدام من ماض ملوث ومتهم ، ومن حاضر له شبكة من العلاقات الدولية لم تكن مقبولة من معارض آخر من قبل
ومن يرفض خدام في صفوف المعارضة يتهم بإضعاف المعارضة والاصطفاف مع النظام .. ويحرم المعارضة مما يمثله خدام من مركز سياسي وعلاقات وإمكانيات

وإذا ما تجاوزنا الحديث عن خدام تحديداً ، وأخذنا ظاهرة تفكك النظام المتوقعة بشل مجرد ، فمن هي المرجعية التي تحدد شرط منح العفو عن هذا المنشق أو ذاك ، من هو أو من هي الجهة التي من حقها أن تقرر أن هذا أو ذاك قد حاز على الشروط الإيجابية للعفو والإندماج . وإذا أجازت جهة ما لنفسها هذا الدور أو هذا الحق .. فهل هي تملك حق التنازل عن حقوق الشعب دون تفويض منه .. ومن يتحمل مسؤولية التنازل عن حقوق الشعب دون تفويض دستوري .. ؟ إنها مسؤولية أكبر بكثير من أي فرد مهما بلغ من الإيجابية والإحترام .. وهي أكبر من أية هيئة أو حزب

لدينا في الوطن العربي أكثر من أنموذج في التعاطي مع مثل هذه الحالة
في المغرب جرى برسوم ملكي تشكيل لجنة إنصاف ومصالحة لتصفية مظالم عهد سابق . تم إبعاد المئات من ضباط القمع عن وظائفهم .. تم التعويض للآلاف من المعتقلين والضحايا . لكن مبدأ المحاسبة العادل قد قيد مسبقاً هذا المسار الايجابي بالعفو عما جرى بالماضي من مظالم ، ويكاد أن ينتهي الأمر بالفشل ، إذ أن هذا الشكل من التسوية الإنصافية لم يكن عادلاً ، وترتفع في المغرب الآن الأصوات لجلب الجلادين والظلمة إلى المحاكم والقصاص منهم
في الجزائر، لم يجرأ رئيس الدولة أن يمنح عفواً سياسياً جرمياً لأحد من المعارضين المسلحين أو المعارضين الجذريين ، دون العودة إلى الشعب بأكثر من ا ستفتاء ، وإذ فعل ذلك ا ستثني من العفو من تلوثت أيديهم بدماء الشعب أو قاموا بأفعال مدانة بالقانون
في العراق .. رغم إختلاف الظروف الموضوعية ، إلاّ أن مبدأ المحاسبة عن الماضي يشكل أنموذجاً يستحق الاهتمام والاعتبار ، إذ ان الشعب العراقي الذي كابد قمعاً فاجراً نوعياً على أيدي صدام ومعاونيه ، بدأ يحاسب جلاديه . وصدام وأعوانه في قفص الحساب . والعراقيون العريقون بالرهافة السياسية والوطنية يؤثرون ولاشك أن تكون هذه المحاسبة في غير أجواء الاحتلال ، إلاّ أنه لابد من حساب الجلادين قبل أن تدور دواليب التسويات والصفقات

وفي ضوء ذلك ، وللتعاطي المبدئي والعملي مع حالات الانشقاق عن النظام ، لاغنى عن القيام بوضع أسس عملية وعادلة ، تكون بمثابة قانون وميثاق شرف في آن لدى كل فصائل وتجمعات المعارضة للتعامل مع هذه الحالات . وألا يترك مجال للإجتهاد الشخصي بالتحكم بهذه المسألة ، وذلك حرصاً على حقوق الشعب أولاً ، وحرصاً على قوة ونقاء المعارضة ، وعلى بناء الثقة مع كل من يصحو ضميره بحق ليلتحق بمسيرة التغيير الوطني الديمقراطي .. وألاّ يترك الإعتذار لوحده مقياساً في هذا الصدد ، فهو قد يستغل للقفز على الماضي هرباً من المسؤولية وغسلاً للمال الحرام، وهو من المؤكد سيثير لدى الشعب مخاوف من هدر حقوقه مرتين .. مرة على أيدي الجلادين .. ومرة على أيدي البراغماتيين .. ويتحول الإعتذار بالتالي .. بالنسبة للشخص المعين إلى وسيط شفيع بين الجريمة والعقاب .. ويطغي ، بالنسبة لحملة مشروع التغيير الوطني الديمقراطي ، الثانوي على الأساسي .. وتصبح السياسة مواقف عملياتية لاهثة في موسم متغيرات متسارعة .. عديمة الوضوح .. عديمة الاستراتيجية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيادة كبيرة في إقبال الناخبين بالجولة الثانية من الانتخابات


.. جوردان بارديلا ينتقد -تحالف العار- الذي حرم الفرنسيين من -حك




.. الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية: تابعوا النت


.. إسرائيل منقسمة.. ونتنياهو: لن أنهيَ الحرب! | #التاسعة




.. ممثل سعودي يتحدث عن ظروف تصوير مسلسل رشاش | #الصباح_مع_مها