الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتل النساء على خلفية الشرف الذكورى الضائع !

كريم عامر

2006 / 1 / 19
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


تتعرض النساء فى مجتمعاتنا لإعتداءات جسيمة من قبل أقاربهن وذويهن ، تصل فى ذروتها إلى سفك دمائهن تحت ذريعة الحفاظ على الشرف ، ويبدو أن المطاطية التى تتميز بها هذه العبارة قد نجحت فى إثارة مخيلة الكثيرين من الرجال ذوى النزعات السادية الشاذة ، فبرعوا فى إختلاق ذرائع أخرى يبررون من خلالها وتحت مظلة هذا الشرف المزعوم عدوانهم الدائم ضد نسائهم وإقدامهم على التخلص منهن بإزهاق أرواحهن بتلك الصور البشعة المروعة التى تطالعنا فى وسائل إعلامنا بصفة شبه دائمة .
فالرجل العربى يؤمن تماما أن الحفاظ على شرفه يعنى إمتهان كرامة نسائه وتقييده لحرياتهن ، وأن تحرر المرأة أو تمردها على المفاهيم الإجتماعية السائدة يعنى ضياع شرفه أوفقدانه حتى إشعار آخر ( قتلها ) ، ولذا فإنه يرى أن إستعادته لهذا الشرف لن تتم إلا بإهانة تلك المرأة وإمتهان كرامتها وإراقة دمها على جوانب الشرف العربى الرفيع !! .. يقول الشاعر العربى :-
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ...
حتى يراق على جوانبه الدم !! .
ويؤسفنى أن أقول هنا أن هذا التصور السطحى جدا لمفهوم الشرف منتشر بصورة مفزعة بين قطاعات عريضة من أبناء مجتمعاتنا ، فالرجل منهم يمكنه أن يكذب ويرتشى ويسرق ويزنى ويرتكب كافة الموبقات والحماقات والأعمال المخجلة ، ويحتفظ بشرفه فى ذات الوقت عن طرق إمتهان الأنثى وتقييد حريتها ومنعها من ممارسة نشاطاتها الحياتية بالطريقة التى تحلو لها .
فالمجتمعات الذكورية لا تعترف بأن للمرأة كيان قائم بذاته ، ولا يمكنها - بسبب موروثاتها الثقافية والإجتماعية - إستيعاب فكرة إستقلال المرأة ماديا عن الرجل ، ولا تستطيع أن تتقبل إضطلاع المرأة بدور قيادى داخل مجتمعها ، بل تنظر هذه المجتمعات إلى المرأة من خلال مرآتها المشوهة بإعتبارها كائنا متطفلا ، لا يمكنه أن يعيش سوى على فتات مائدة الرجل ، ولذا فإن هذه المجتمعات تتعامل مع المرأة التى تحاول نيل حريتها وتحقيق إستقلالها التام عن الرجل أو تلك التى تسعى للحصول على دور قيادى داخل مجتمعها بإعتبارها مارقة عن النظام الإجتماعى ومتمردة على عرفه السائد ، ولذا فإن المواجهة بين هذه المرأة وبين ممثلى المجتمع الذكورى تصبح حتمية وتنتهى إما إلى فوز المرأة وقدرتها على التغلب على الصعاب والتحديات التى تمثلها تلك الأفكار الرجعية المنحرفة ، وإما أن ينتهى بها الأمر إلى خضوعها للرجل وعودتها إلى سجن حريمه مرة أخرى .. أو قتلها كما يحدث كثيرا تحت ذريعة الحفاظ على الشرف أو غسل العار الذى سببته للرجل بتمردها عليه ! .
وعندما يسفك الدم الأنثوى البرىء بهذا الأسلوب اللاإنسانى البشع على يد ممثلى المجتمع الذى تنتمى إليه المرأة ، يدفعنا هذا الأمر بشدة إلى التساؤل : فى أى هاوية سحيقة تتردى مجتمعاتنا ؟؟!!! ، فالمجتمع الذى ينتمى إليه الفرد والذى يفترض أن يقوم بحمايته ودرء الأخطار عنه ومساعدته فى أوقات المحن والأزمات والشدائد ، كيف يمكن أن يتحول بين عشية وضحاها إلى خصم لدود له يترصده ليؤذيه ويقتله ؟؟؟ ، وإذا كانت الإجابة هنا هى أن هذا الفرد قد خرج عما تعارفت عليه الجماعة البشرية التى ينتمى إليها وخالف قوانينها ولذا فإنها وقعت عليه الجزاء الذى يستحقه ، فهنا تطرح إشكالية أخرى عن حدود سلطة المجتمع على الفرد وهو الأمر الذى يقودنا إلى الوراء كثيرا للتساؤل عن الهدف الذى من أجله تم تكوين الجماعات البشرية والنظم الإجتماعية التى تحكمها ، هل هو تقييد حرية الفرد ؟؟ أم هو حماية الفرد من الأخطار الخارجية التى تهدده ؟؟؟ أم أن الهدف من وراء ذالك هو تنظيم علاقة الأفراد بعضهم البعض داخل المجتمع بحيث لا يتعدى أحدهم على حقوق الآخر ولا ينتقص من حريته ؟؟ .
رأيي الخاص يستبعد الإحتمال الأول ، كما يميل إلى الفرض الثانى بدرجة أقل من تحمسه لفكرة الإحتمال الثالث ، فلا يمكننا أن نتصور أن الفرد قد تنازل بكامل إرادته عن حريته لصالح تنظيم إجتماعى ما ، لأنه من غير المنطقى بالمرة أن يتنازل الإنسان عن أثمن ما يمكنه تملكه فى الحياة لصالح تنظيم إجتماعى لا يضمن الحقوق التى يعده أن يكفلها له فى حالة تنازله عن حريته ، كما أميل إلى أن حماية الفرد من الأخطار الطبيعية التى كانت تهدده يعد أحد أهم الأسباب التى دفعت الإنسان إلى التعاون مع غيره وخلق هذا النوع من التعاون حتى يتمكن من درء هذه الأخطار عنه ، ولكننى أميل وبقوة إلى أن الهدف الرئيسى والدافع الأساسى وراء سعى الإنسان لبناء هذه النظم الإجتماعية المختلفة هو أن حرية الفرد كانت تتعرض للإنتقاص نتيجة تعدى بعض الأفراد الآخرين ممن هم أشد قوة منه عليها ومحاولتهم سلبها منه أو تقييدها لصالحهم ، وهذا - على حد إعتقادى - هو السبب الرئيسى والهام وراء سعى الإنسان لتشكيل نظام إجتماعى يحدد للفرد واجباته ويضمن له حقوقه ويبين له الحدود التى لا يحق له تجاوزها حتى لا يتعدى على حرية الأفراد الآخرين مع التشديد على المساواة بين جميع الأفراد فى هذا المضمار ، ويتم ضمان ذالك عن طريق سلطة إجتماعية عليا تتولى حسم المنازعات بين الأفراد ومعاقبة كل من يحاول الخروج على هذا العقد الإجتماعى الذى يهدف منه - أساسا - إلى الحفاظ على حرية الفرد ومواجهة من يحاولون الإنتقاص منها أو تقييدها .
وعندما نعود مرة أخرى إلى قضية العقاب الذى تتعرض له المرأة إذا حاولت أن تحصل على حريتها بالتمرد على قيود المجتمع ورفض الخضوع لأعرافه المقيدة لحريتها ، فكما يبدو من الطرح السابق ، فإن سلوك هذا المجتمع الذكورى يختلف جذريا عن السلوك المفترض إنتهاجه من قبل المجتمع المبنىُّ على فكرة تنظيم علاقة الأفراد بعضهم ببعض داخله ، فالمرأة تعاقب فيه بالقتل ، ليس لأنها حاولت التعدى على حرية غيرها ، ولكن لأنها سعت إلى نيل حريتها !! .
وهنا يكمن التناقض الفكرى الذى يضطرنا للعودة مرة ثانية إلى الوراء لنتسائل عما إذا كانت فكرة دونية المرأة - التى تعد إحدى أهم مسلمات العقلية الذكورية - سابقة على فكرة تكوين المجتمعات ، وهل كان إمتلاك الرجل للمرأة وإستعباده لجسدها قد سبق نشأة التنظيمات الإجتماعية المختلفة ؟؟ .
وهنا قد تطل الحقيقة المفزعة علينا بصورة أكثر وضوحا وإيلاما فى ذات الوقت ، فالمجتمع منذ بداية تكوينه لم يتعامل مع المرأة - قطُّ - بإعتبارها كيانا إنسانيا كاملا ومستقلا بذاته ، وإنما عدها من ضمن متاع الرجل وحاجياته الخاصة ، ولذا فإن المرأة لم تكن طرفا فى العقد الإجتماعى لهذه المجتمعات عند ظهورها لأنها لم يكن معترفا بها - من الأساس - كإنسانة كاملة ، بل كانت - فى نظرهم - مجرد متاع يمتلكه الرجل بحيث يمكنه أن يتخلص منها فى أى وقت ببيعها أوقتلها دون أدنى مسؤلية عليه ، ونظرا لعدم إستسلام المرأة لتجاهل تلك التنظيمات الإجتماعية لقيمتها الحقيقية ، مع نزوعها الدائم إلى الثورة والتمرد للحصول على حقوقها الكاملة ، فقد لجأت هذه المجتمعات إلى سن بعض الأعراف التى أرادت من ورائها إضفاء نوع من الشرعية على الوضع الدونى للمرأة داخل المجتمع ، وعملت من خلال هذه التشريعات على إقرار الوضع الدونى للمرأة بالمزيد من القيود التى فرضتها على حريتها والتأكيد على تبعيتها للرجل فى كل شىء وإباحة التخلص منها بقتلها إن أبدت سخطا أو تمردا على هذا الوضع أو حاولت تحطيم قيودها .
مما سبق بيانه يتضح لنا - جليا - أن المجتمع الذكورى الذى نعيش فيه ماهو إلا مجتمع ظالم ، قام على أفكار لا أخلاقية مجحفة ورؤى سادية شاذة ، تهدر كرامة المرأة ولا تحترم إنسانيتها وتعدها من سقط المتاع ، بل وتسمح للرجل بإراقة دمها إن حاولت الحصول على حريتها وتحقيق إستقلالها الذاتى .
فمطلوب منا جميعا فى هذه الأوقات الحرجة أن نقف متضامنين مع أمهاتنا وشقيقاتنا وبناتنا وزوجاتنا اللائى يتلظين بنيران هذه النظم الإجتماعية الفاسدة ، ويواجهن خطر الموت كل يوم على أيدى ذويهن فى الوقت الذى يقف فيه المجتمع والقانون بجانب القاتل ، يحميه ويساعده على النخلص من المجنى عليها ، علينا أن نطرق كل الأبواب وأن نسلك كافة الطرق للعمل على نبذ كل مايهين المرأة ويجرح كرامتها وينتقص من حريتها وإستقلالها ويعوقها عن الإضطلاع بدورها الذى وجدت من أجله كقيادية ناجحة فى مجتمعها .
إن أردنا - حقا - إصلاح مجتمعاتنا فما علينا سوى أن نضع أيادينا فى أيادىِّ أخواتنا لكى نساهم معا فى رفع الظلم عنهن وحمايتهن من سكاكين غسل العار التى تنتظرهن فى أى وقت يحاولن فيه ممارسة إنسانيتهن ونيل حرياتهن بتخطى التقاليد الإجتماعية البائدة .
إن أردنا الإصلاح لبلادنا فعلينا أن نبدأ من القاعدة ، علينا أن نتخلى عن الأفكار الذكورية المتخلفة التى لن تقودنا سوى إلى الهاوية ، علينا أن نبدأ بأنفسنا وببيوتنا وأن نتخلى عن القبضات الحديدية التى نحكمها بها ، فبيوتنا لم تعد سوى ماكيتات للنظم السياسية الديكتاتورية التى نشكو مر الشكوى منها ، فإن كنا نطمح - فعلا - إلى إستبدال هذه النظم الديكتاتورية التى تحكمنا بأخرى أكثر ديمقراطية فما علينا سوى أن نبدأ بتطبيق مانحلم به داخل بيوتنا أولا ، ومع الوقت ، ومع إتساع رقعة الإصلاح الإجتماعى سنجد أن أحوالنا - على كافة الأصعدة - قد تغيرت نحو الأفضل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نساء فلسطين عندما تصبح الأرض هي القضية


.. مشاهد تدمير منطقة الزيتون وحي الصبرة بعد انسحاب القوات الإسر




.. رائدة في علم المحيطات حققت نقلة نوعية في علوم الأرض


.. موريتانيا.. دعوة لإقرار قوانين تحمي المرأة من العنف




.. القومى للمرأة يطالب شركات خدمات النقل بالتطبيقات بوضع معايير