الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات العراقية السعودية نموذجا,, نحو سياسة خارجية ليبرالية معاصرة

يوسف الاشيقر

2017 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


عاد مؤخرا موضوع العلاقات العراقية السعودية الشائك لواجهة الاخبار في البلدين وفي المنطقة مع الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى بغداد يوم 25-2 والتي اثارت الكثير من التكهنات والامال والتحليلات المستبشرة وخاصة من اتباع الاحزاب والتنظيمات والحكومات الذين طبلوا للموضوع من باب التصفيق الاعمى للقيادات ومبادراتها وليس من باب العقلانية والتوازن والهدوء والمصالح بعيدة المدى والقابلة للاستمرار. ولم نسمع اعتراضا واحدا عليها من كل اطياف التنوع العراقي والسعودي تقريبا وكأن الجميع تسامى بلحظة نشوة فوق كل الخلافات والمهاترات والتخوين والشتائم المتبادلة منذ عقود, ولم يجرؤ احد بعد على تفتيت وتحليل كل تبعاتها. صحيح انها اول زيارة لوزير خارجية سعودي الى العراق منذ 1990, مع ان كل مسؤولي العراق تقريبا عبر هذه السنوات زاروا السعودية لسبب او اخر, ولكن لم يصاحب زيارة احد منهم هذه الهالة التي رافقت زيارة الجبير الخاطفة غير المتوقعة. ومع ان الهاجس الامني (السعودي بالتاكيد) ربما كان هو سبب عدم الاعلان المبكر عن هذه الزيارة ولكن برايي تظل مفاجاة الترحيب والتهليل غير المتوقع بها ومن كل الجهات تفوق على كل رمزية. وما خرج به المؤتمر الصحفي بختام الزيارة بين الجعفري والجبير, بالاضافة للابتسامات العريضة لم يكن شافيا للغليل ويحتمل كل السيناريوهات. وقد ذهب هذا الاسبوع اول وفد رسمي فني عراقي للرياض ولا نعرف بعد جدية ما تناولوه من مواضيع ولا مدى نجاهم بتذليل عقبات مزمنة.

العراق والسعودية هما الدولتان العربيتان الاكبر والاهم والاغنى اقتصاديا وبشريا وتاريخيا في المشرق العربي ولا شك في ذلك. صحيح ان الاولى تتفاخر وتتعالى بحضارة وتاريخ وكلمة وحرف يمتد ل 8000 سنة واكثر, ولكنهما اشتركا بموروث وهم ومصير مشترك منذ حواي 1400 سنة حتى اليوم مع كل تقلباته. وصحيح ان الاولى تتباهى وتتبختر بتقدم علمي ومدني معاصر في القرن الاخير حينما كانت الثانية والى فترة قريبة تعيش القرون الوسطى, ولكن علينا ان لاننسى ان رعاة وملوك نهضة ومدنية العراق المعاصر كانوا سعوديين بالمولد والنسب والاصل. فلا يمكن ان ينكر عراقي ان قادته ومؤسسيه حتى عام 1958 هم حجازيون تربية وتعليما وثقافة. ولكن يحق للسعودية ايضا ان تفتخر باستقرارها الامني والاقتصادي وطفراتها العمرانية والتعليمية والصناعية والزراعية وغيرها خلال العقود الماضية بينما كان العراق بتراجع وتدهور مستمر. وباعتبارهما دولتان كبيرتان متجاورتان متنافستان ومتداخلتان فان العراق والسعودية يمكن ان يشكلا بؤرة حميدة او خبيثة لاي مشروع او تحالف او محور مؤثر اقليميا او بالعالم. والاخطاء الكثيرة المتبادلة او المشتركة بينهما لاسباب مقصودة او موروثة ساهمت في ابعادهما عن بعض لثلاثة عقود او لقرن وربما اكثر. والتنافس الحضاري والمعرفي والاقتصادي بين البلدين هو ليس اقصائيا للاخر وانما يمكن ان يكون مكملا له ومحفزا للطرفين ولدول اخرى.

المشتركات العراقية السعودية بمفهوم اليوم والعصر كثيرة. بل وكثيرة جدا وتفوق التصور. ويجب ان نبعد منها العروبة والاسلام وحتى التاريخ. فانا كعراقي لو تكلمت باسم العروبة كرابط اساسي بيني وبين السعودية فانا ساستعدي جانبا كبيرا ومهما من شعبي الذي امثله ممن لا ينتمون للعروبة باي شكل مع انهم عراقيين, بل ويعيشون حقيقة واثار استعبادهم واذلالهم من قبل العرب. وعلى رأس هؤلاء الكرد والتركمان والايزيديين والشبك وغيرهم. ولا يوجد ما يدفعني كعراقي للانحياز لعروبتي والتمسك بها ولي بنفس الوقت جارين ايراني وتركي يفوق كل منهما عددا وعدة وامكانيات كل ربعي العرب باسيا. فلماذا اؤطر نفسي كعراقي ومتنوع بقومية مجاورة لي مثلها مثل غيرها, بل واثبتت فشلها بالتاريخ المعاصر على الاقل ولن تضيف لي شيئا, خاصة وان ذلك سيجلب لي استعداء قوميتين مجاورتين ومنافستين, شرهما قد يفوق خير عروبتي؟ اما اسلاميا فهذا ما يبعدني عن السعودية اكثر من غيره هذه الايام, فهناك اختلاف وتناحر وتقاتل وتشاتم طائفي اسلامي داخلنا من سنة وشيعة ووهابية ودواعش وغيرهم. ولن تستكين هذه الطوائف الاسلامية المتحاربة والمتخاصمة باصلها وعقيدتها يوما. ونشترك بجمهور طائفي معقد محمل بكل اوهام الدين والتعصب الاعمى واستحضار الماضي والعيش به وبخلافاته, وارهابي احيانا. فاخراج الدين او الاسلام من معادلة المشتركات ضروري جدا باي حوار مع السعودية او مع باقي دول المنطقة.


ما يجمعني كعراقي جغرافيا مع السعودية وشعبها ليس الدين ولا العروبة ولا اللغة, وانما الجوار الجغرافي المشترك منذ الازل وحتى الازل, وتاريخ شائك مشترك عمره 1400 عام ابتدأ مع وصول طلائع سعد ابن ابي وقاص من المدينة عام 16 للهجرة لتحرير البلاد من الفرس المحتلين وزواجه بسلمى قرينة زعيمنا المثنى بن حارثة الشيباني وانتصاره بيوم القادسية على 200 الف جندي مجوسي بعد يومين من الحرب الضروس وكنا نحن كثائرين على المحتل اغلبية جنده ال 30 الف او اقل. ثم قاتلنا واستبسلنا واستشهدنا مع علي ابن ابي طالب وولده الحسين مع انهما سعوديين غريبين عنا ولا يمتان لنا بصلة, ورغم ذلك وصفانا بابشع الكلمات؛ وقال احدهم على الاقل بغتة باننا اشباه رجال واننا خذلناهما. ثم وقفنا بعدها مع ال بيت مكة والعباسيين والحجازيين. وكان منا صلاح الدين الايوبي التكريتي الذي انتقم من ذلة الحرب الصليبية التي عاثت بارض الاعراب المسلمين الاغراب عنا ايما عثة! وفي بداية القرن التاسع عشر هجم علينا الوهابيون النجديون وارتكبوا ما ارتكبوا من مجازر في النجف وكربلاء. وحتى بالعصر الحديث مع قدوم الهاشميين كملوك للعراق فان المنافسة والتصارع التاريخي بين ال سعود وال الشريف حسين انعكست سلبا على علاقاتنا لعقود مع انها كانت مطبعة بالواجهة. وفي زمن الانقلابات بين 58 الى 68 وبعدها كانت العلاقات متوترة ان لم تكن عدائية, خاصة وان النظام الملكي السعودي متحفظ عموما ولا يميل للمهاترات والمجازفات التي قام بها الشيوعيون ومن بعدهم القومجية البعثية. ولم تشهد العلاقات العراقية السعودية تحسنا الا مع انطلاق حرب الخليج الاولى مع الايرانيين عام 1980. فقد وقف السعوديون معنا وقفة قل نظيرها بالتاريخ وساعدونا بالاموال والسلاح ونقل النفط وبالمحافل الدولية, ولولاهم لسقط العراق بيد الخميني وثورته ولربما سقطت السعودية ودول خليجية اخرى تاليا, وهذا ربما يفسر سبب "عقد العسل" بالعلاقة الذي استمر 10 سنين, والذي انتهى مع غزو صدام للكويت عام 1990 وهجومه العسكري على الخفجي وضرباته الصاروخية لباقي مدن السعودية, فعادت العلاقات من جديد للمربع الاول. فورثنا بعد 2003 تركة ثقيلة مع العربية السعودية يبدو اننا لم نستطع التغلب بعد على تبعاتها. والتاريخ المشترك بيننا, كما هي في علاقاتنا مع كل باقي دول الجوار والعالم ليس مبشرا ولا مفتاحا صحيحا للولوج للمستقبل.

ما يجمعني اليوم كعراقي مع السعودي ليس فقط 814 كيلومتر من الحدود البرية المشتركة وسياج فاصل مكهرب كلف حوالي مليار دولار واربعة منافذ حدودية مغلقة, وانما مصالح اقتصادية وتجارية وعلمية وزراعية وسياحية بالاضافة للسياسية والامنية, التي اذا امكن تفعيلها فسنجلب الخير لشعبينا وبلدينا. ويبدو ان الانتصارات المبهرة لقواتنا الباسلة في الانبار والموصل على جرذان داعش, الذين لايمكن نكران انهم حصلوا بمراحل على دعم تركي وسعودي وقطري, قد لفتت انتباههم كما لفتت انتباه العالم. فالجيش العراقي وعلى راسه جهاز مكافحة الارهاب الذي سيخرج منتصرا من هذه المعركة التاريخية والمصيرية والتي لم يشهدها تاريخ الحروب من حيث وحشية وقذارة العدو وضراوته واستعداده لكل حماقة وجنون بما فيه تفخيخ نفسه واطفاله, سيكون هذا الجيش وخاصة اذا توحدت وتلاحمت صفوفه وقياداته وامكنه استيعاب المليشيات وقوات الحشد وربما البيشمركة لاحقا والتي تفرعت منه او ضمت اليه, اخذين بالاعتبار ان هذه المليشيات مثار قلق وخوف ونقد بالسعودية ودول مجاورة اخرى, بل ان بعض وحداته تعرضت فعليا لاراض سعودية منطلقة من العراق, سيكون الجيش العراقي الموحد عندها رقما صعبا ومؤثرا باية معادلة اقليمية ومجاورة. وستعود السعودية للنظر اليه كحارس لبواباتها المفترضة او الحقيقية مقابل اموال خليجية سخية كما حصل بالثمانينات. ولايمكن ان ننسى ان انتصارات الجيش العراقي المؤخرة ماكان لها ان تتم بهذا اليسر والنظافة والحسم وباقل خسائر ممكنة بين المدنيين لولا تلاحم المكون السني والكردي والليبرالي مع باقي المكونات ومع الحكومة والقيادة المركزية. فسنة العراق اقتنعوا اخيرا وبعد ان وقع الفاس بالراس ودفعوا ثمنا غاليا لمواقفهم السابقة الداعمة او المترددة حيال داعش, اقتنعوا بان حكم بغداد مع عيوبه الكثيرة والجيش المركزي ارحم واستر واوثق من كل القوى الارهابية والخارجية والمتخيلة. وكان هذا متغيرا داخليا ثانيا لفت انتباه السعوديين وتعجبهم, وربما كان من اسباب زيارة الجبير العديدة. اذ ان الخطاب السني العراقي خفت حدته وتغيرت نبرته مؤخرا وزاد تلاحمه مع الخطاب العراقي العام المميز للعملية السياسية الديمقراطية المتعرجة والفاسدة والمتكالب عليها, ولكنها تظل محط رجاء وامل الجميع باصلاحها. اما المتغير الخارجي الاهم بالفترة الاخيرة فهو انتخاب وتولي ترامب للرئاسة في امريكا وما يحمله ذلك من تهديدات وتغيرات متوقعة وخاصة بمنطقتنا واسلاميا, فكانت السعودية هي السباقة في تقديم نفسها كذراع لترامب تجنبا لمخاطره وللاستفادة من عدوانيته الواضحة والمستبطنة للايرانيين. وما كان ليتم لها ذلك بدون ان تقوي ملفها وحظوظها بمد يد سلام حقيقية او مصطنعة للعراق من خلال زيارة وزير خارجيتها. ولن نصدق النوايا السعودية للمستقبل او نبني عليها امالا افتراضية حتى نرى زيارات متبادلة اخرى بمستويات اعلى ويصاحبها انجازات فعلية تصالحية وتعاونية على ارض الواقع, ربما اهمها فتح نقطة حدود الجميمة على بادية السماوة مقابل رفحاء.

ومن الناحية الامنية والاستخبارية المشتركة مع السعودية ومع دول اخرى فان مصير مئات الدواعش الذين سيهربون من العراق او يلقى القبض عليهم والاف الوثائق عن التنظيم وطرق تمويله وتجنيده وادارته وخططه, هي محط اهتمام شديد بالمدى المنظور ومن مصلحة الجميع التعاون والتشارك فيه. اما علميا واكاديميا وزراعيا وبيئيا وصناعيا فان العراق والسعودية يمكن ان يكملا البعض لدرجة كبيرة خاصة مع تشابه الظروف الطبيعية والسكانية وتداخلهما. ومعظم النشاطات والمنجزات بهذه المجالات هي مكررة بين البلدين وسيكون من الاوفر والانجع لهما اذا توحدت وتكاملت الخطط حولها. وبمجال الاستثمار والنقل فان الساحة العراقية مفتوحة وضخمة وعطشى لاية مساهمة سعودية, وستكون عائدات راس المال اعلى بكثير من استثمارها بداخل السعودية او بدول اخرى وسيخدم الطرفين ويقارب بين الشعبين. والتبادل التجاري بين العراق والسعودية الذي لايصل حتى 500 مليون دولار حاليا يمكن خلال سنوات قليلة ان يرتفع الى 20 او 30 مليار دولار وبسهولة. ومن الناحية السياحية التي وصلت الى الصفر باستثناء الحج والعمرة ومن طرف واحد, فيمكن للعراق من خلال تنوع ما يعرضة بهذا المجال من مصايف جبال كردستان وحتى مواقعه الاثرية والتاريخية والصحراوية, يمكنه استيعاب ملايين السعوديين سنويا باسعار منافسة واجواء قريبة وخلابة. خاصة وان معظم سكان السعودية البالغ حوالي 30 مليون ( 10 غير سعوديين) لم يروا العراق بحياتهم ويتمنون زيارته بعد كل ما سمعوا وبسمعون عنه. اما نفطيا فالدولتان من اكبر منتجي النفط بالعالم ومصالحهما مشتركة ومتشابهة تماما ومن المعيب والمخسر انهما لا ينسقان مواقفهما وتعاونهما. وربما كانت اعادة فتح انبوب تصدير النفط الى ينبع من اوائل اهتمام العراقيين, املا بتطويره الى التصدير التعويضي كما نقوم به حاليا مع ايران والى تعاون اكثر وافضل. ومقابل ذلك فان تطوير خطوط النقل البري وسكك الحديد ( القناة الجافة التي يخطط لها العراقيون) ستفيد السعوديين كثيرا في تصدير بضائعهم وتجارتهم من جبيل والدمام وكل مناطق المملكة الى تركيا واوروبا والعالم.

سوء الفهم والتخوين والتنابز الذي ميز العلاقة العراقية السعودية بعد 2003 والى الان, ومع انه كان موروثا من نظام صدام البائد وواحدا من سيئاته الكثيرة التي لانزال ندفع ثمنها, ولكن ربما ساهم به العراقيون اكثر من السعوديين. فالخطاب الخارجي العراقي لم يكن موفقا ولا موحدا وكان استعدائيا واستعلائيا قوبل باستعلاء واستعداء اكبر. وعلاقاتنا الخارجية ليست سيئة مع السعوديين فقط كما يدعي البعض, انما هي سيئة ومتذبذبة مع كل دول العالم. ولايمكننا كعراقيين الان ان نفاخر باية علاقة خارجية مميزة ومثالية مع اية دولة بالعالم. ولاننسى ان هناك خوف سعودي متاصل بالعائلة الحاكمة وباقي دول مجلس التعاون الخليجي من بروز وانتشار ديمقراطيات ناجحة وجاذبة على حدودها. ولكن فشلنا كعراقيين في انضاج التجربة الديمقراطية وتحويلها الى ليبرالية مدنية متحضرة, والنفس الطائفي المقيت للقيادات الاسلامية التي تصدت للحكم من خلال استغلال الديمقراطية بابشع الصور وفسادهم الخيالي وحرمنتهم وتخاذلهم وتخبطهم, كل ذلك ساهم في تخفيف الرهبة السعودية من عدوى هذه الديمقراطية الناشئة. وجاء بعدها الربيع العربي بما حمله من خيالات جامحة بالتغيير الشامل القادم والتي تكسرت بسرعة الى اقتتال داخلي وفشل وعودة للشمولية, فتراجعت وتبخرت اخر مخاوف ال سعود من حمى الثورات والديمقراطيات. بل واستطاعوا التحكم باطراف داخل كل تلك الدول لضرب اطراف اخرى بما اوصل مواطنيهم السعوديين للتقزز والنفور من مجرد التفكير بشيء مشابه على المدى المنظور على الاقل.

علينا كعراقيين اصلاح جبهتنا الداخلية اولا, وهذا موضوع طويل وعريض لا مجال لتفكيكه وطرحه هنا, وبما يمكننا من توحيد خطابنا الخارجي ليس مع السعودية فقط وانما مع كل الجوار والعالم لنبني ثقة متبادلة وصدق بالتعامل يمكن تطويره بما يخدم الجميع. ويجب ان نوضح نقطتين اساسيتين بصورة اكثر تفصيلا؛ اولهما علاقتنا مع ايران والثانية تتعلق بحقوق الانسان. فنحن كعراق تجمعنا مع ايران حدود مشتركة طويلة وتداخلات سكانية وتاريخية وغيرها مثل التي تجمعنا مع السعودية وتركيا وربما اكثر. وعلى كل العالم تقبل واحترام هذه الفرادة والتميز. ومن مصلحتي كعراق ان احافظ على كل اواصر وعرى علاقتي بالايرانيين بل واتمنى لهم الخير والتقدم بما يخدم شعبينا ومصالحنا. وحدودي مع ايران اريدها جسورا للتبادل والتواصل لا خنادق ولا اسوار ولا مواضع عسكرية, كما اريد كل باقي حدودي الاخرى, ولا تفضيل تمييزي لاحد على احد. صحيح اننا بالعراق نعاني من فئات داخل الشيعة وغيرهم لها ولاءات لايران تفوق ولاءها للعراق وربما تتلقى دعما عسكريا وماديا من ايران. ولكن هذه الحالات مشخصة ومعترف بها ولا ننكرها واو نكذب حولها بل نستهجنها سواء على المستوى الرسمي او الشعبي العام. وربما من خلال تطبيع علاقاتنا مع كل دول الجوار بضمنها السعودية يمكننا محاصرة هذه الفئات وتغيير قناعاتها املا بانهائها. يقابل ذلك فئات وان كانت اصغر ولكن ولاءاتها لتركيا او السعودية ومدعومة منهما. وبتوحيد صفوفي داخليا وخطابي خارجيا ومع الجميع على نفس الاسس ساتغلب على هذه الولاءات الداخلية للخارج. وبنفس الوقت لا اقبل ان يزواد علي احد ويبني علاقات مع ايران اقوى من علاقتي معها. اما عموم الشيعة بالعراق فليس لهم موقف انحيازي لايران على حساب الاخرين. وهنا يمكن تذكر انتفاضة شيعة العراق على نظام صدام بشهر اذار عام 1991 بعد الانسحاب من الكويت, فبمجرد فشل الانتفاضة هرب قادتها ورجالها ومعظمهم من شيعة الوسط والجنوب الى السعودية التي استقبلتهم ورعتهم بمخيم الرفحاء, ولم يهربوا لايران مع انها كانت فاتحة لذراعيها وحدودها وخطابها لهم. نفس طريق الهروب هذا عبر بادية السماوة نتمنى له ان يكون معبرنا للتبادل التجاري والصناعي والحضاري بالمستقبل.

النقطة المهمة الثانية التي يجب ان تكون واضحة وبارزة في خطابنا الخارجي الموحد الصادق المواكب للزمن؛ وهي ان قضايا انتهاك حقوق الانسان والاقليات وحرية التعبير لم تعد من المحرمات والمحظورات في العلاقات بين الدول اليوم, وليست ضمن تابو عدم التدخل بشؤون الدول المستقلة الاخرى. بل هي الان من صميم عمل كل الخارجيات بالعالم وواجبة على الافراد والمجتمعات. فليكن واضحا للعالم اننا لن نسكت على اي انتهاك فاضح لحقوق الانسان المعاصرة للشيعي بالسعودية والخليج وللعربي باحواز ايران وللكردي في كردستان بتركيا, وخاصة باعتبارهم كاقليات ومتواصلين مع فئات مهمة من شعبي. مع اننا لن نسكت ايضا وسنحتج ونعارض اي انتهاك للاغلبيات ايضا بتلك الدول المجاورة والتي يضاف لها سوريا. وكما اننا سنتدخل بهذه الامور ان رسميا او شعبيا فنحن ايضا لا نمانع من الاخرين التدخل بشؤوننا بهذه القضايا ونطلب منهم ذلك بصراحة وعلى اسس جديدة وواضحة وجريئة. العالم اليوم صار قرية كونية صغيرة ووسائط المواصلات والتواصل سريعة وملهمة وحماسية وتنقل الحدث بكل بشاعته او جماله بنفس اللحظة. ولا تستطيع حكومة بالعالم ان تمنع شعبها من التعاطف والتواصل بهذه القضايا حتى لو ارادت ذلك, وصار من واجب تلك الحكومات الوقوف مع قضايا حقوق الانسان بالدول الاخرى من باب احترامها لشعبها وللشعوب الاخرى اولا وللاقليات المشتركة ان وجدت بين الدول.

بالمختصر يجب علينا كعراقيين حل مشاكلنا الداخلية بسرعة اذا اردنا التطور والتواصل مع العالم, وتوحيد خطابنا الخارجي على نفس الاسس والمعايير مع كل الدول المجاورة والعالم بما يحقق اقصى مصلحة لشعبنا وللشعوب الاخرى, وان يكون خطابنا الخارجي معاصرا ليبراليا وصادقا وان يبتعد عن قضايا التاريخ والعروبة والدين بالمطلق, لنعود كعراق واحة للاستثمار والتحضر والتواصل بين الشعوب والثقافات بما يساعدنا على اللحاق بالركب العالمي الذي سبقنا كثيرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و