الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انعكاسي المفقود

يارا خليل

2017 / 3 / 15
الادب والفن


أركض خلف القطار
في اللحظة الأخيرة ألتحق برحلتي
يغلق الباب على حقيبتي
أسحبها بكلتا يدي
.. ثم أسقط
أجلس على كرسي لا يتسع خيباتي الصغيرة
أتلمس رأسي
شيء ما انفجر..
فقاعة من الحنين.
ألملم ما تبقى من دماغي ..
رأسي الآن مكشوف أمام العالم…
يرمقني الجميع .
كأنني غريبة.. أسأل وجهي المنعكس في زجاج القطار .
أمِنَ الغريب رؤية شخص ما بنصف رأس مفتوح ؟
أتجاهل سيدة عجوز تحدق بي من تحت نظارتها السميكة..
أنظر جهة النافذة .. أتجاهلها.
هناك حيث الأفق الذي ألتهم الظلام حوافه.
لأرى انعكاسي من جديد..
هل هذا وجهي ؟
لا أعلم إن كان هذا الانعكاس يعود إلي أم لشخص آخر..
أهذه أنا أم لا!!؟
هل يعقل أنني كبرت بهذه السرعة.
.. ما زلت أحب البوظة بالقشطة و أحب أيضاً الطائرات الورقية.
لا أدري ...
لكن من المؤكد فيزيائيا أن هذا الوجه يعود لي أنا.
كيف لا.. وأنا الوحيدة الجالسة قبالة النافذة .
و هذا المنفلق كثمرة رمان هو رأسي.
أرى تفاصيل ذاكرتي.
هذا بيتنا و تله هي غرفتي و هذه الثياب الصغيرة المعلقة على المشجب تعود لي أنا.
.. أكشر عن أسناني و أرمق انعكاسي بنظرة غضب.
أريد ان أتأكد أن هذا وجهي.
أتسلى مع انعكاسي.
أشاكسه.. أعبِّر عن سخطي واستيائي من هذا العالم الجلي كما الخراب .
المليء بالحواجز و الجنود..
أمد لساني و أسخر من وجهي.
لا يشبهني بشيء هذا الانعكاس..
سوى بالتجاعيد الرفيعة، كأنها رسمت بقلم رصاص مدبب الرأس.
.. فجأة تمطر .
المطر هنا غفلة الغرباء عن الوجع.
نسيت كل شيء، وجهي و رأسي المنفلق و تفاصيل ذكرياتي.
يستهويني انزلاق قطرات الماء على النوافذ.
.. أتحسس برودتها برؤوس أصابعي من خلف الزجاج.
أدس يدي الأخرى في جيب معطفي حتى يمر الوقت في عقارب ساعتي.
.. فجأة أنتبه .
لم يعد لي انعكاس .
يساورني القلق.
أبحث عن وجهي ..
أين هو .. ذاك الانعكاس اللعين.
أشعل عود ثقاب .
أعرف أن عيدان الثقاب ممنوعة هنا ، لكن ماذا أفعل. أريد انعكاسي.
ألعن إضاءة القطار السخيف ..
تقع عيني على السيدة العجوز مجدداً.
مازالت تحدق بي ..
أتجاهلها.
ماذا يجري، هل هناك كارثة عظيمة حلت بالعالم .
ماذا لو كنت الأن جالسة أمام التلفاز. تخيلت للحظات أن كل شاشات العالم تعج هذه اللحظة بالفيزيائيين وهم يعتصرون أدمغتهم المجعدة كزهرة القرنبيط ليفسروا سر اختفاء الانعكاسات من العالم ..
كيف نعيش بدون انعكاس؟
تصبح حياتنا مثل فيلم من الخيال العلمي .
نركض مذعورين في الجهات، نبحث عن انعكاساتنا..
أعود وأنظر خلسة نحو زجاج القطار.
لم يخطر ببالي من قبل أن أفتش عن انعكاسات الأخرين..
يا إلهي السيدة العجوز تملك انعكاسا جميلا كقوس قزح. يبدو أجمل من وجهها الحقيقي ، وأنا فقدت انعكاسي كقطعة نقود معدنية سقطت مني و تدحرجت ثم اختفت ..
لملمت ذكرياتي التي أخذت تتساقط من رأسي المفتوح في حقيبتي الصغيرة، وعلى عجل نزلت من القطار الذي توقف في محطة ما، لا أعرفها.
صعدت سلالم المحطة الكئيبة. الموحشة، في الشارع توقفت أمام واجهة محل. امرأة بثياب مثيرة مصنوعة من البورسلان المصقول تقف خلف زجاج نظيف. أرى انعكاس المارة وهم يمضون بسرعة. من خلفهم تبدو المدينة بلون رمادي كالح. أبحث بين الوجوه التي تمضي عن وجهي. علني أمشي بينهم. لا أرى سوى وجوه غريبة. كأنني لست هنا.
أحك رأسي و أرفع يدي ملوحة.
أرقص و أقفز في الهواء.
أخلع قميصي الأزرق و أرميه على الرصيف.
لا فائدة ، لا انعكاس لي. كأنني اختفيت كنسمة هواء مضت .
أشد المارة من أيديهم. أسألهم، هل ترون انعكاسي. ألست هنا؟؟ قلت لأحدهم أن أحداً ما سرق انعكاسي ، وأنا أكاد أجن. لا أستطيع العيش بدون انعكاس. خاف مني و ركض مسرعاً دون أن يلتفت خلفه.

.. خلف الزجاج النظيف لمحت شخصاً قادماً نحوي . مبتسماً . مثل ملاك من نور و ضباب. كأنه كان يعرفني. لم يكن رجلاً ولا امرأة . التصق بالزجاج. عض على شفته السفلى و قال: لا انعكاس لمن فقد وطناً. حاولت أن أقترب منه. أدار ظهره و مشى. حاولت اللحاق به. ارتطمت بشيء قاسي تكسر من حولي وتلاشى كل شيء.
منذ ذلك الحين أتسكع في حواري المدينة الغريبة مثل شبح خفي. أقف أمام زجاج واجهات المحلات. أرفع خصلات شعري و أمط شفتي. أقفز و أرمي حذائي في الهواء. دون جدوى أبحث عن انعكاسي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ترجمة النص الهولندي مخلة كانتخاب اليوم
خائب خ الراوي ( 2017 / 3 / 16 - 01:50 )

في النص يحيى يموت كفيفا، في عيد ميلاده اليوم قبل 78 ربيعا، من عام ثورة ماوستي تونغ في الصين.

اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس