الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
لعنة الدماء في الخلاف الكردي – الكردي
صالح بوزان
2017 / 3 / 15مواضيع وابحاث سياسية
ما حدث في احدى مناطق شنكال من صدام بين قوات كريلا التابعة للحزب العمال الكردستاني (ولو كانوا مقاتلين من اليزيديين) وقوات بيشمركة التابعة لحزب الديمقراطي الكردستاني (ولو كانوا من كرد سوريا) ليس مجرد حدث عرضي. إنه يعكس التناقضات الاستراتيجية داخل الحركة الكردية.
فما هي هذه الاستراتيجيات المتناقصة ؟.
اختزل السيد مسعود البرزاني استراتيجيته في هدف كبير وهو إعلان دولة كردية على الجزء الكردستاني التابع للعراق. ويعتبر هذا الهدف نقطة مركزية للحركة الكردية كلها، وعلى جميع أطراف هذه الحركة اخضاع أهدافها لصالح هذا الهدف العام حالياً. لكن هذا التوجه يعاني من معوقات داخلية وإقليمية ودولية جدية.
هناك خلاف داخل الاقليم نفسه حول الاعلان عن دولة كردية. فحزب الاتحاد الوطني غير موافق على هذه الخطوة ما لم تحل الخلافات المتعددة بين التيارات الأساسية في الاقليم. يسانده في ذلك حركة كوران. ترى هذه التيارات المعارضة أن تشكيل هذه الدولة ستكون دولة خاصة بالسيد مسعود البرزاني وحزبه. وسيحق له أن يرشح نفسه لدورتين انتخابيتين جديدتين حسب دستور الاستقلال. مع العلم أن هذه الأطراف الكردية ليست ضد إقامة دولة كردية من حيث المبدأ. لكنها تريد أولاً حل الخلافات السياسية وتقاسم السلطة قبل اعلان الدولة سبق القول.
لا بد الاقرار بحقيقة مؤلمة، وهي أن الرئيس مسعود البرزاني لم يستطع خلال دورتين ونصف من رئاسته توحيد القوى الأساسية في الاقليم حول حكومة واحدة قوية. فلم يستطع تشكيل جيش وطني بتوحيد بيشمركة الحزبين الرئيسيين. ومازال الاقليم مقسماً بين هذين الحزبين ومالياً وسياسياً. هناك من حيث الواقع حكومتان إحداها في هولير يقودها مسعود البرزاني وأخرى في السليمانية يقودها جلال الطلباني( والآن ورثته).
من ناحية أخرى، فبغداد لن توافق على استقلال كردستان العراق على الطريقة التشيكية - السلوفاكية. زد على ذلك أن الخلاف مع بغداد لا ينحصر في هذه المسألة فقط. فهناك خلاف على موارد النفط وعلى مساحات واسعة من الأراضي المتنازع عليها.
عندما ننتقل إلى الساحة الاقليمية نجد أن المعرقلات أمام الدولة الكردية كبيرة. ايران لن توافق على قيام هذه الدولة لكونها ستكون تابعة لتركيا نتيجة التحالف القائم حالياً بين السيد البرزاني وأردوغان. وبالتالي ستهدد هذه الدولة مصالح ايران ليس في الاقليم وحده، بل في العراق وربما في مجمل منطقة الشرق الأوسط. من جهة أخرى فالصراع الايراني - التركي قديم. وهو صراع مركب من الناحية المذهبية والسياسة. ايران دولة دينية شيعية وتركيا في عهد أردوغان دولة دينية سنية. وبالتالي سيكون الصراع بين الدولتين في طريقه إلى التصعيد وليس التهدئة مستقبلاً. وبروز دولة جديدة في المنطقة خاضعة لتركيا سياسياً واقتصادياً يشكل خطراً فعلياً على مصالح ايران.
موقف تركيا أكثر وضوحاً. فهي من حيث المبدأ ضد أي كيان كردي مستقل تاريخياً. وعلى هذا الأساس تعاملت مع البرزاني والطلباني لغاية دخول أمريكا للعراق وفرض واقع جديد في المنطقة. تدرك تركيا أن البرزاني لا يستطيع أن يشكل دولة مستقلة قابلة للحياة إلا إذا كانت هذه الدولة تابعة لتركيا. وبالتالي هو مجبر للتفاهم معها. لكن موافقة أردوغان على دول كردية بزعامة البرزاني مقيدة بشروط صارمة. الشرط الأول أن تكون هذه الدولة تابعة لتركيا سياسياً واقتصادياً ومتفاهمة معها عسكرياً( ربما يصل إلى تحالف عسكري). الشرط الثاني أن لا تلعب هذه الدولة دوراً استراتيجياً في الحركة القومية الكردية على سعيد أجزاء كردستان الأخرى خصوصاً على صعيد كردستان تركيا وكردستان سوريا. والشرط الثالث هو أن يكون البرزاني حليفاً سياسياً وعسكرياً للحكومة التركية في حربها ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي بعد سيطرة الأخير على كردستان سوريا.
من الناحية الدولية كان البرزاني يتأمل موافقة أمريكا على تشكيل الدولة الكردية. بل كان يطمح بأن تقوم بحماية هذه الدولة الفتية من دول الجوار. لكن أمريكا لم توافق حتى الآن على استقلال الاقليم. هناك أسباب متعددة. أولاً لا تشكل هذه الدولة موقعاً استراتيجياً في تأمين مصالح أمريكا في المنطقة. وثانياً ستكون دولة صغيرة لا يمكن أن تلعب دوراً محورياً في المنطقة.. وثالثاً أمريكا غير مستعدة للقيام بحماية هذه الدولة المهلهلة. فالقوى السياسية الداخلية تتصارع على النفوذ والموارد المالية، وبالتالي سيستمر هذا الصراع بعد الاستقلال مما يحتم فشلها مثل دولة جنوب السودان بع الاستقلال. ورابعاً ستفجر هذه الدولة عداء شرساً من قبل دول الجوار التي لا تعترف بأدنى حق للشعب الكردي في جزئها، ناهيك عن الموافقة على ظهور دولة كردية. وأخيراً يعرف ساسة أمريكا أن وضع هذه الدولة ضمن استراتيجية حمايتها الدائمة، كما تفعل لحماية اسرائيل، ستكون مكلفة، بل ستضر بمصالحها مع دول جوارها.
ما هو وضع الطرف الثاني في الصراع الكردي - الكردي. أقصد حزب العمال الكردستاني.
قيادة الحركة الكردية في كردستان العراق وكردستان تركيا تعتقد كل منهما أن الهدف المركزي لعامة الحركة الكردية هو الانتصار في اقليمها أولاً. ومن ثم التمدد باتجاه بقية أجزاء كردستان إن أمكن. هذه كانت سياسة المرحوم ملا مصطفي البرزاني، وهي مستمرة حتى الآن لدى مسعود البرزاني وجلال الطلباني (ورثته). وهذه رؤية حزب العمال الكردستاني ولا سيما استراتيجية قائده عبد الله أوجلان بغض النظر عن الشعارات التي تتناغم مع عواطف الجماهير.
يعتبر حزب العمال الكردستاني أن الحركة الكردية في اقليم كردستان العراق لا تستطيع أن تحقق انتصاراً كردياً كبيراً ودائماً. فهناك عامل الجغرافية حيث الاقليم صغير. وهناك عامل السكان فعدد كرد الاقليم لا يتجاوز خمسة ملايين. كما أن الإقليم محاط من الجهات الأربعة بالأعداء التاريخيين. زد على ذلك أن تركيا قادرة على نسف أي انتصار كردي في هذا الاقليم سواء بالاتفاق مع بغداد وطهران ودمشق أو من خلال التدخل المباشر. يرى هذا الحزب أن أمريكا وأوروبا لا يمكن لهما أن تقفا مع الكرد في وجه حليفتها الاستراتيجية في الناتو، إضافة إلى تشابك مصالح اقتصادية ضخمة مع هذا الحليف. يعلم القاصي والداني أن أمريكا والعديد من الدول الأوروبية أدخلت حزب العمال الكردستاني في قائمة الارهاب بناء على طلب تركيا وليس لسبب آخر. بالمقابل مارست الحكومة التركية ارهاب الدولة ضد الكرد خلال قرن كامل دون أن تحرك أمريكا وأوروبا ساكناً. بل صمتتا على ارتكابها للمجازر وانتهاكات للقانون الدول تجاه حقوق الانسان. كما نتذكر أن أمريكا وقفت مع تركيا ودعمتها في قرارها باجتياح سوريا لوجود عبد الله أوجلان فيها أواخر القرن الماضي.
يعتقد حزب العمال الكردستاني أن القضية الكردية المركزية هي في كردستان تركيا. فنجاح الكرد هنا سيؤثر بشكل مباشر على الأجزاء الأخرى. فهذا الاقليم هو الأكبر من حيث المساحة. وهو الأكبر من حيث عدد السكان. وبالتالي على أجزاء كردستان الثلاث الأخرى تجنيد أرضها وسكانها لخدمة القضية الكردية في كردستان تركيا. ولهذا الهدف بالذات شكل حزب العمال الكردستاني فروعاً له في الأجزاء الأخرى من كردستان. نلاحظ في أدبيات حزب العمال الكردستاني وبياناته تقيماً سياسياً صحيحاً لسياسة تركيا تجاه الكرد منذ عهد آتاترك. يجزم هذا الحزب أن تركيا غير مستعدة للتصالح ليس مع كردها فقط، بل كذلك مع كرد أجزاء كردستان الأخرى. وبالتالي دون الانتصار في كردستان تركيا لن يكون هناك انتصار حقيقي لأي جزء آخر من كردستان.
يجب عدم الاستخفاف بهذا التقييم. فلنستعرض سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه ثورات الربيع العربي ولا سيما تجاه الثورة السورية.
وقفت تركيا مع هذه الثورات من أجل التمدد السياسي والاقتصادي نحو العالم العربي. وانحازت إلى جانب الثورة السورية بقوة لهذا السبب. لعبت تركيا مع السعودية والقطر دوراً مباشراً لتحريف الثورة السورية باتجاه الأسلمة والعسكرة، وبالتالي القضاء على توجهها العلماني والمستقل الذي برز في بدايتها. لاحظنا خلال ثلاث السنوات الماضية كيف تحولت المعارضة السورية المسلحة التي دعمتها تركيا إلى منظمات ارهابية اسلامية تهدد العالم كله. الخلل الذي أصاب استراتيجية تركيا هو صعود الدور الكردي بقوة في الساحة السورية وعلى طول حدودها الجنوبية. تماهى هذا الدور مع استراتيجية أمريكا والدول الأوروبية ضد المنظمات التكفيرية المسلحة في سوريا. أدرك أردوغان أنه فشل في اسقاط نظام بشار الأسد بواسطة داعش والقاعدة والإخوان المسلمين. فاختزل كل أحلامه العثمانية في هدف صغير واحد وهو منع كرد سوريا من إقامة كيان لهم داخل الدولة السورية القادمة. سعى بكل الوسائل لتحقيق هذا الهدف بالتعاون مع أمريكا. وعندما فشل في مسعاه هذا ذهب مذلولاً إلى روسيا ليقدم أوراق اعتماده لبوتين.
بالرغم من صحة تقيم حزب العمال الكردستاني لسياسات تركيا فإنه هو الآخر فشل في توحيد الحركة الكردية في الأجزاء الأربعة من كردستان حول استراتيجيته عن طريق الاقناع والمفاوضات والتحالفات. فالتجأ إلى استخدام القوة لتصفية الأحزاب الكردية أو اضعافها في هذه الأجزاء الأربع. ومازلنا نتذكر دخوله في صراع دامي مع بيشمركة جلال الطلباني وبيشمركة مسعود البرزاني في فترات سابقة.
المتتبع لسياسة هذا الحزب يلاحظ أن جميع تحالفاته الاقليمية تعتمد على استراتيجية مركزية القضية الكردية في كردستان تركيا. فالتقارب المبطن مع طهران ومع دمشق وكذلك مع بغداد المالكي والعبادي مبني على هذه الاستراتيجية. وليس كما يوصف البعض هذه العلاقات بالعمالة لهذه الجهة أو تلك.
يرى حزب العمال الكردستاني أن تشكيل دولة كردية في كردستان العراق بقيادة مسعود البرزاني وبالتحالف مع تركيا سيشكل خطراً كبيراً عليه. هو يدرك أن كل دولة لها الحق في حماية حدودها وإقامة أفضل العلاقات مع جيرانها. وبالتالي سيقوم مسعود البرزاني حينئذ بطرد حزب العمال الكردستاني ليس من شنكال ومخمور فقط، بل كذلك من جبال قنديل. لأن الدولة الجديدة تريد أحسن العلاقات المتعددة مع تركيا. وهذا هو السبب الجوهري في صراع حزب العمال الكردستاني مع مسعود البرزاني وحزبه. وهو نفس السبب في وقوفه إلى جانب حزب الاتحاد الوطني وحركة كوران ضد البرزاني.
أعتقد أن البرزاني غير قادر على اخراج حزب العمال الكردستاني من شنكال. ويعود ذلك أولاً أن بغداد وسليمانية تدعمان هذا الوجود. وثانيا أن قوات كريلا ليست قوة عسكرية شكلية. فهي مدربة بشكل جيد وقادرة على القتال في أصعب الظروف. أفرادها لا يتقاضون رواتب مثل البيشمركة بل هم مجرد فدائيون. ومعروف عن قيادة حزب العمال الكردستاني عدم الاعتراف بأية خطوط حمراء، سواء على صعيد السياسة أو في التحالفات والانقلاب عليها أو على صعيد اقتتال الأخوة (الأطراف الكردية الأخرى لا تلتزم هي الأخرى بخطوط حمراء). سيدخل هذا الحزب في حرب استنزاف مع بيشمركة حزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة البرزاني. وكلما استمرت هذه الحرب الاستنزافية كلما تبخر حلم السيد البرزاني في إقامة دولة كردية مستقلة. ثالثاً هناك وضع جديد على الساحة الكردية. فحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا قوة سياسية وعسكرية مسيطرة على كردستان سوريا كاملة ومعترف دولياً بقوته العسكرية. هو في تحالف مع أقوى دولة في العالم هي أمريكا. وبينت الأشهر والأيام القليلة الماضية أن أمريكا لن تتخلى عن هذه القوة لعقد قادم على الأقل. أمريكا ترامب جاءت إلى سوريا لتبقى لمدة لا أحد يستطيع تخمينها. وقد امتحنت أمريكا المعارضة السورية المسلحة فتبين لها أنه لا توجد قوة موثوقة بها داخل سوريا وبالإمكان الاعتماد عليها سوى وحدات حماية الشعب. وهذا هو السبب الذي دفعها لتحييد حليفها التركي في العلاقة مع كرد سوريا.
نعلم أن حزب الاتحاد الديمقراطي تشكل كفرع تابع لحزب العمال الكردستاني. ومهما اتخذ هذا الحزب من أولويات خاصة نتيجة الواقع الجديد في كردستان سوريا ( وهذا ظاهر للعيان) سيبقى حليفاً استراتيجياً لحزب العمال الكردستاني على مستوى كل كردستان. وبالمقابل فحلفاء السيد مسعود البرزاني في كردستان سوريا ضعفاء وليس لهم تأثير على كرد سوريا. هم غير قادرين على مساعدة البرزاني ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي. بل استمرار وجودهم السياسي مرتبط بولائهم للبرزاني.
لا أعتقد أن الساسة الكرد قادرون حالياً على توحيد الصف الكردي رغم كل الدعوات والنيات السليمة والفخاخ المنصوبة على هذا الطريق. المعرقل الأساسي لا يعود لتحالفاتهم الاقليمية المتشعبة كما يشاع. وإنما للبنية العقلية السياسية التي يحملونها. هذه البنية لم تصل بعد إلى مستوى الأولوية الوطنية والقومية. فالزعماء الكرد، بدون استثناء، مازالوا يحملون عقول الأمراء الكرد منذ زمن البدليسي. كل زعيم ينطلق من اولوية نفوذه وأولوية اقليمه (إمارته). ومن ناحية ثانية لا يستطيع أحدهم السيطرة على الآخر أو تصفيته إلا من خلال التحالف مع الأعداء (وهذا ما كان يتم طيلة التاريخ الكردي). قد نجد في برامج وأدبيات الأحزاب الكردية الكثير من البنود والتحاليل التي تشير إلى وعي وطني وقومي معاصر. لكن هذا مجرد كلام في الكتب. أما الحقيقة فهي شيء آخر. كل زعيم كردي يجد أن الوطنية والقومية تتماهى مع زعامته الشخصية ومع حزبه حصراً. وبالتالي لا يوجد أي معنى للوطنية والقومية خارج الزعيم وخارج حزبه.
أعتقد من المستحيل أن يقف حزب العمال الكردستاني مكتوف اليدين حين يضحي به البرزاني في سبيل الحصول على موافقة تركيا لاستقلال اقليمه. كما أعتقد من المستحيل أن يستطيع حزب العمال الكردستاني اخضاع البرزاني لإستراتيجيته في صراعه مع الحكومة التركية. وعلى هذين المستحيلين يجب أن تجري المفاوضات الصريحة بينهما. وإلا.. فكلما استفحل الصراع بين الطرفين سيبتعدان عن أهداف الشعب الكردي من حيث يدرون أو لا يدرون.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أوكرانيا تطالب بعضوية الناتو.. كيف سترد روسيا؟ | #الظهيرة
.. شبكات | المعارضة تتقدم نحو ريف حماة وعودة للحديث عن اتفاق أس
.. شبكات | ترمب: أطلقوا الرهائن الآن وإلا فانتظروا -الجحيم- في
.. شبكات | -فرسان الأقصى- لعبة تحاربها إسرائيل وحظرتها بريطانيا
.. القسام: كمين مركب ضد جنود وآليات الاحتلال بحي الجنينة شرق رف