الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللجوء إلى الوطن 4

موفق الطاهر

2006 / 1 / 19
الصحافة والاعلام


أنفلونزا الطيور ورقم الطوارئ (130)

تطورت وسائل الاتصالات بحيث لا يمكن اليوم أن يظمّ المسؤول رأسه من الشعب ويقول أن لا شيء يحدث، وما تسمعونه مجرد هراء! فقد شبع الشعب العراقي في حكم الرئيس المخلوع من سماع أن لا أزمة في العراق، وأن هناك مؤامرة تحاك ضد الشعب ولابد للعراقيون أن يصمدوا بوجه الأعداء ويحبطوا مؤامراتهم ضده...! في إحدى سنوات الحرب الطاحنة بين العراق وإيران، كانت هناك أزمة في سوق البطاطا، ولم يعد من السهولة أيجاد البطاطا في السوق، وإن وجدتها فسعرها مرتفع بشكل لا يحتمله المواطن البسيط... فكتبت الصحف المحلية عن ذلك وبجرأة لم يعهد العراقي سماعها من الصحف المحلية. ولكن ظهر مسؤولين في وزارة التجارة وأنكروا تلك الأزمة، مع أنها لا أتصور بذات شأن حتى يحاول المسؤولون التخفي عنها، وإخفاء رأسهم بالأرض منها... ولكن كان جميع مسؤولي الدولة يحاول أن يصور للقائد الضرورة بأن العراق لا زال بخير، برغم حربه الطاحنة والخسائر البشرية والمادية الرهيبة الناتجة عنها. بل كان من الممكن أن يحاسب المسؤول لو أنه أوصل مثل هذا الخبر إلى أسماع جنابه الكسيف!
ولكن ذلك العهد قد ولى إلى غير رجعة، وأصبح اليوم الأعلام يتجول بكل حرية في أرض العراق كلها. ويكتب الصحفي ما يشاء، وتنطلق حناجر المراسلين الصحفيين للفضائيات التي أصبحت بالعشرات، تنقل الكذب والصحيح، وتنقل أخبار الإرهابيين وأخبار المسؤولين بكل تفاصيلها! وأصبحت مئات الصحف ومثلها الفضائيات تنقل أية أزمة يعانيها المواطن والفرد العراقي مهما صغر حجمها! وما على المسؤولين إلا أن يتحزموا ويخرجوا لمواجهة تلك الأزمة ويتصدوا لها! هذا ما أعرفه عن العالم المتحضر طبعاً. ولكن المسؤولون العراقيون لازالوا على التربية البعثية وعاداتها الغبية بالهروب من كل أزمة تواجه المجتمع والدولة، ويحاولون جاهدين كي يكذبوها ويبتعدوا عنها؛ مثل أزمة أنفلونزا الطيور.
أنفلونزا الطيور أصبحت وباءاً خطيراً يواجهه العالم أجمع، وأصبح اليوم لزاماً على كل دول العالم أن تتعاون على مواجهة هذا الخطر والقضاء عليه. هذا شأن العالم المتحضر طبعاً. وبما أن العراق لا يدخل هذا العالم إلا بعد ظهور المهدي المنتظر! فهو المخلص الوحيد لكل أزمات العالم، وأزمات الشرق الأوسط، وأزمة النفط والبنزين والغاز...! ولكن، لأكن منصفاً فقد واجهت الدولة هذا الخطر القادم من وراء الحدود وكانت تصرح ليلاً ونهاراً عبر التلفزيون والصحف الرئيسية في العراق، بأنه لو ظهرت أية حالة غريبة لوفاة إحدى الدواجن فعليهم أن يتصلوا ببعض الأرقام التي كانوا يصرحون بها دائماً...
في ذلك اليوم كنا نودع شقيقتي التي سترجع إلى غربتها في لندن هاربة من كل أنواع الفساد الذي لحق بالنفس العراقية للأسف! ولا تعرف كيف تواجه ذلك الفساد وتحاربه، أو تحاول إصلاحه؟! فخرجنا في الصباح الباكر نودعها عند الباب... جاء عمي وقال لقد رأيت طائرين قد نفقا ووقعا على قارعة الطريق ها هنا! وبعد أن أنطلقت الجي إم سي رحت أعاين بنفسي الواقعة وأتأكد منها، وما عليّ إذن إلا أن أواجه الواجب الوطني وأتصل بالدوائر المعنية. لم يكن لديّ رقم الهاتف ذاك الذي كان يعلن التلفزيون عنه، فأتصلت بأبن عمي، وهو مدير إحدى المستشفيات في بغداد، ولابد أن يكون لديه أحد الأرقام التي يسعفنا بها. فأخبرني أنه سيتولى تلك المهمة عني وسيتصل بالمسؤولين. فأغلقت الهاتف مطمأناً بأني قد تركت الخبر عند أمناء على صحة البلد وأبنائه.
رجعت في ظهيرة ذلك اليوم إلى البيت لأجد أخي الكبير وهو يتصل بهذا وذاك ويتكلم مع محدثه بعصبية وحدّة! تبين أنه بعد أن يئس أبن عمنا الدكتور بالأتصال بأي من تلك الأرقام، لجأ أخيراً للأتصال بالرقم 130. أقسم ذلك الرجل بأنه حاول لأكثر من ساعة ونصف مع أحد مساعديه للأتصال بذلك الرقم (130) فلم يجبه أحد. وكان متنكراً لهذا فكيف تعلن وزارة الداخلية طوال اليوم عن ذلك الرقم؟ وكيف تنفق الملايين من الدولارات على إعلاناتها في جميع الفضائيات على ذلك الرقم وهي لم تخصص الخطوط اللازمة والكافية للإجابة عليه!؟
ولكن لأرجع إلى أخي فقد أتصل بهذا الرقم وذاك وكل يحوله إلى رقم يجهله، فيكتبه، ويتصل به. إلى أن يئس هو الآخر من محاولاته المضنية كي يجد ذلك المسؤول عن هذه القضية، قضية أنفلونزا الطيور! فقال لأحدهم: يا أخي أبتعد عن منصبك ووظيفتك الآن، وتصرف كأنك مواطن سمعت بحالة خطيرة في بلدتك من الممكن أن تفتك بإبنك أو أخوك أو أنت شخصياً...! فقاطعه ذلك الموظف بعصبية، وكان جوابه واضحاً على أنه من المنتمين إلى التيار الصدري، أو غيره من التيارات البائسة في العراق: "يا أخي فال الله ولا فالك!"
أغلق أخي سماعة الهاتف وأتصل بإحدى أكبر الصحف في العراق ليطلعهم على هذا الأمر. وما كان من الموظفين في تلك الجريدة إلا أن يسلكوا مسلك أي موظف في الدولة، ويحوله هذا إلى ذاك... ولكن أنتهت المكالمة أخيراً بوعد من أحدهم على أن يكون خير، وبأنه سيوصل هذا إلى رئاسة التحرير إن شاء الله! أغلق أخي سماعة الهاتف، ولم يشعر بالاطمئنان طبعاً، ولم يشعر أيضاً ببعض الرضا على أنه قد حاول جهده... في اليوم التالي ذهب أخي إلى عمله المسائي... يحدثنا هو، بأنه قد جاءه أحد زملائه في العمل بأكبر الصحف تلك ضاحكاً ويسأل أخي بأن يقرأ ما كتبته تلك الصحيفة: "ذكر مصدر مسؤول في وزارة الصحة بأن العراق خال من أنفلونزا الطيور، وبأن الأجهزة المسؤولة قد أستنفرت كل طاقاتها لمواجهة أية حالة إصابة!"
وللحديث بقية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خيم اعتصامات الطلبة تتوسع في بريطانيا | #نيوز_بلس


.. أعداد كبيرة تتظاهر في ساحة الجمهورية بباريس تضامنا مع فلسطين




.. حركة حماس: لن نقبل وجود أي قوات للاحتلال في معبر رفح


.. كيف عززت الحروب الحالية أهمية الدفاعات الباليستية؟




.. مفاوضات للهدنة بغزة مع تحشد عسكري إسرائيلي برفح