الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يتحول البغض إلى حب ..!

هادي فريد التكريتي

2006 / 1 / 20
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


" من كان يفكر قبل 20 أو 10 أو 5 سنوات أن شيلي ستنتخب امرأة رئيسة لها " بهذه العبارة صرحت مبتهجة السيدة طبيبة الأطفال ميشيل باشيليت ، المعارضة النشطة للجنرال بينو شيت ، الذي سجنها وأمها ، وقتل أباها تحت التعذيب ، في أحد السجون ، إبان انقلابه الفاشي ، على حكومة الرئيس ، المنتخب ديموقراطيا في العام 1973 إليندي سفادور. ، والتي شغلت منصبي وزارة الصحة ووزارة الدفاع على التوالي في العام 2000 ـ 2005 في الوزارة التي شكلها تحالف يسار الوسط .
الظروف السياسية التي عاشتها شيلي منذ إنقلاب بينو شيت وحتى العام 1990 ، تكاد تكون نفس الظروف التي عاشها العراق ، تحت الحكم الفاشي البعثي ، من حيث أسلوب الحكم وطبيعته ، والنهج الذي انتهجه ، مع فارق واحد ، وهو أن بينو شيت كان وجها بارزا ، صريحا ، وواضحا في عمالته لأمريكا ، منذ اللحظة الأولى لانقلابه ،بينما النظام البعثي في العراق منذ انقلاب العام 1963 كان عميلا لها ، بكافة رموزه ، إلا أنه كان يتمسح بمفاهيم تقدمية وقومية زائفة ، لنتيجة واحدة ، اضطهاد الشعب ، وسيادة المفاهيم الفاشية والحكم الدكتاتوري ، التي أودت بتدهور الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحياة الشعبين الرازحين تحت حكم متشابه في المحتوى والنتائج.
لم تكن مسيرة الشعب الشيلي ومقاومته لحكومة بينو شيت بالإمر الهين أو السهل ، على الرغم من التضامن العالمي ، ووقوف حركة التحرر العالمية ، والحركة الديموقراطية في أمريكا اللاتينية ، إلى جانب الشعب الشيلي ، حيث تحققت له انتصارات جزئية في العام 1990 ، بتشكيل " حكومة وفاق " من قوى سياسية وطنية مختلفة التوجهات ، وبمشاركة من أتباع حكومة الجنرال بينوشيت ، وبذا تحققت بداية حقبة زمنية مواتية لانفراج سياسي ، استغلتها وأدارتها بذكاء سياسي ، القوى السياسية الشيلية على مختلف توجهاتها ، بعد حكم فاشي دكتاتوري دام 17 عاما ، فرضت هذه الحكومة ( حكومة الوفاق ) ضمانات وتعهدات بعدم المساس بحقوق وامتيازات أركان النظام السابق ، وعدم مساءلتهم عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الشيلي ، وعلى رأسهم الجنرال بينوشيت الذي بقي متمتعا بكل امتيازاته وحقوقه وأملاكه التي حصل عليها أثناء حكمه للبلاد ، وبحصانة دبلوماسية تبعده عن كل مساءلة قانونية لجرائمه التي ارتكبها بحق الشعب .. رغم كل هذا فالشعب الشيلي ، وكل منظماته وأحزابه السياسية ، بما فيها اليسار ، لم يصب بخدر أو ينسى أن حقوق الشعب واجبة الأداء ، والجرائم المرتكبة من قبل أركان الدكتاتورية ، بحق الشعب والوطن ، لا بد وأن يقدم لها وعنها الحساب في يوم من الأيام ، وهذا ما هو حاصل اليوم ..!
إن مواصلة النضال ، دون كلل ، وتعبئة الجماهير للوصول إلى حكم ديموقراطي حقيقي ، يحقق لها السيادة الوطنية في اتخاذ القرار ، والتمتع بالمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين كافة أفراد الشعب ، وإطلاق الحريات العامة ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، والظفر بحياة أفضل ، يمر فقط عبر حق تنظيم هذه الجماهير ، والإدراك الواعي لمصالحها الحقيقة ، الكامن في وحدتها وتمسكها بما تطرح من مطالب مشروعة بظرفها الراهن ، وتعبئة قوى الشعب بكل فئاتها بهذا الإتجاه ، والتصعيد في مطالبها اليومية والعامة ، هو مايحقق للشعب الظفر بالحرية والرفاه ، وخصوصا الطبقات الكادحة والفقيرة التي أنهكها الحكم الفاشي ، وهذا بعض ما تحقق ، أثناء ، ومن ، خلال حكم " حكومة الوفاق " الذي دام 12 عاما . خاض الشعب الشيلي خلال هذه الفترة التي تميزت بحريات ديموقراطية نسبية ، أربع انتخابات رئاسية ، في النهاية ، تحقق فيها الفوز لتحالف قوى اليسار حكم ، تعتلي قيادته امرأة ، وقد تضمن برنامجها الانتخابي وعودا بإصلاحات للوضع الاجتماعي عامة وللنساء خاصة ، بجعل نصف وظائف الدولة للنساء ، بما فيها تشكيلة مجلس الوزراء القادمة ، وتحقيق المساواة الاجتماعية المتوازية للشعب الشيلي ، وحل المشاكل الحدودية مع جيرانها ، البيرو وبوليفيا ، التي تهددها وجيرانها الحرب ، فإرساء السلام الدائم مع هذه الدول ، خدمة لشعوبها ، ولشعوب المنطقة ، كما هو خدمة للسلام العالمي بين الشعوب ..ما تقدم كانت بعض فقرات من برنامجها الذي ألزمت به نفسها ، والحركة السياسية التي تمثلها ، فهل ستنجز ما وعدت ؟ وأمريكا ، ألا يضيق ذرعها بما تشاهده دائرا في محيط فنائها الخارجي ؟ وربما لم تعد قادرة أن ترى انهيارا ل" إمبراطوريات موزها " التي أقامتها واحدا بعد الآخر ، وليس بوسعها أن تحتمل انهيارها ، الواحد بعد الآخر أيضا ، وقيام المزيد من الأنظمة البديلة ذات النهج اليساري ، جيرانا لها في القارة اللاتينية . كيف ستنظر للتطور السياسي الحاصل في المنطقة ؟ فكوبا واحدة لازالت شوكة تدمي خاصرتها وتذكرها بالحكم الشيوعي ، فكيف بها إن تكونت مجموعة من ال " كوبات " المتماثلة نسبيا في الحكم ؟ وهل تتقبل إشاعة حكومات ديموقراطيةفي المنطقة تعيش وتتنفس وتنمو رغما عنها ؟ هل دعاوى الديموقراطية لحكم الشعوب ، التي أطلقتها أمريكا دعاوى حقيقية ؟ وهل ستتعايش مع الحكم الجديد ، للنساء ، الذي يكتسح مواقع القيادة في القارة اللاتينية .؟(ثلاث نساء يحكمن في دول أمريكا اللاتينية ). أم سيغلب الطبع على التطبع ، وتعود حليمة لعادتها القديمة ؟ الأيام كفيلة بتمزيق كل الدعاوى الزائفة ، ولابد للحقيقة من ظهور ..
فوز السيدة ميشيل يعتبر نصرا للحركة السياسية الوطنية ، اليسارية والديموقراطية ، ليس في منطقة أمريكا اللاتينية لوحدها ، بل لكل حركة التحرر العالمية ، والعراق جزء من هذه الحركة ، وفوزها كامرأة برئاسة الدولة ، في مثل ظرفنا العراقي هذا ، تعبير واضح عن ضرورة انخراط النساء في النضال من أجل تغيير نظرة المجتمع وقوانين الدولة تجاه المرأة ، وتحفيز لهن للعمل بجد أكثر من أجل نيل كامل لحقوقهن ، ولصنع عالم أفضل لأسرهن ، بتغيير الواقع القسري الذي تفرضه قوانين جائرة تقيد من حريتهنا وتحد من حقوقهن . فسيرة ميشيل باشيليت ، تشابه الى حد كبير ظروف المرأة العراقية ، وما أحاق بها خلال الحكم الفاشي العنصري ، فالقتل والقمع والتشريد ومحاربة الحريات ، كانت القاسم المشترك ، ألا أن ما عندنا مختلف بعض الشيء في الشكل وليس المحتوى ، فعلى الرغم من سقوط النظام أمريكيا ، إلا أن الدستور الجديد يحمل بين مواده بقايا عصور التخلف تجاه المرأة ، وتسود الأفكار الدينية ـ الطائفية والـقومية ـ العنصرية ، على تشريع مواده ، التي تحد من تطور المجتمع ، باتجاه مجتمع مدني متطور ، تحكمه نظم وقوانين ديموقراطية وفق مفاهيم العصر وقيمه ..ومهما كان واقع الحكم العراقي في الظرف الراهن ، فلن يكون نهاية المطاف ، فالتجربة الشيلية تفتح أمام القوى السياسية ، ملف تجربة جديدة ، جدير بنا دراسته بعناية المتأني ، وخصوصا المرأة ، التي لحق ، ويلحق ، بها حيف وتمييز ، باعتبارها أكثر من نصف المجتمع ، وتحملت نتائج كل الكوارث التي ألحقها النظام الساقط بالمجتمع ، كما تتحمل اليوم ، أسوة بقوى المجتمع الأخرى ، نتائج قوى الإرهاب السلفي والقومي العنصري ، وما تلحقه هذه القوى في الوطن والشعب من خراب ودمار من الصعب توصيف نتائجه ، في ظل حكومة طائفية عاجزة عن تحقيق السلم والأمن للمواطن .. كل قوى الإرهاب ، قومية ـ عنصرية ، إسلامية ـ سلفية ، إسلامية ـ طائفية ، غير قادرة على تبني فحوى العبارة التي أطلقتها ، المرأة الرئيسة لشيلي عشية فوزها " .. إن العنف الذي خرب ما أحبه دفعني لتكريس حياتي لقلب مجرى الأمور ، وتحويل البغض إلى حب .." ما تقدر عليه هي فقط المرأة العراقية ، ذات القلب الكبير التي ذاقت مرارات فقد أحبتها في الحروب العبثية ، في المقابر الجماعية ، في أنفالات الحقد والكراهية وغازات حلبجة ، وما تعايشه اليوم من تفخيخ وتفجير وذبح على الهوية لفلذات كبدها ، وما تقترفه ميليشيات أجزاب الحكومة من الملثمين ، من اختطاف وقتل في الليل والنهار لأبناء شعبها..فهل عندنا من النسوة من يحول البغض إلى حب ، كما قالت المرأة باشيليت من شيلي ..؟!

18 كانون ثاني 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الصيني في زيارة إلى فرنسا تركز على العلاقات التجارية


.. مفاوضات حماس وإسرائيل تأتي في ظل مطالبة الحركة بانسحاب كامل




.. مصدر مصري رفيع المستوى يؤكد إحراز تقدم إيجابي بشأن مفاوضات ا


.. النازحون يأملون وصول إسرائيل وحماس إلى اتفاق وقف إطلاق النا




.. Ctقتيلان وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة ميس الجبل