الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
واقع المرأة العربية المعاصرة
ناهده محمد علي
2017 / 3 / 21ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2017 - أثر النزاعات المسلحة والحروب على المرأة
تتميز المرأة العربية المعاصرة بتباين موقعها حسب واقعها الإجتماعي ، ويتباين أيضاً مستوى الوعي الإجتماعي لديها في التصدي للظلم .
إن الواقع التأريخي لنضال المرأة لإستحصال حقوقها الديمقراطية يمتد عبر سنوات طويلة وبالتحديد في ٢٨ / شباط / ١٩٠٩ في نيويورك حيث أقيم إحتفال بذكرى إضراب ١٩٠٨ لإتحاد السيدات الدوليات . وقد خرج في هذا الإحتفال ١٥ ألف إمرأة بينهن مهاجرات للمطالبة بحقوقهن الإجتماعية والسياسية .
لقد تبنت الأمم المتحدة في ١٩٧٧ الإحتفال بيوم ٨ / آذار كيوم عالمي للمرأة ، وقد رُفع في كل سنة شعار لأجل إسناد حقوق المرأة ، وكان الشعار المرفوع لسنة ٢٠١٧ ( كوني جريئة من أجل التغيير ) . وقد أعتبر بعد ذلك عطلة رسمية في دول مثل أفغانستان حالياً ، منغوليا ، كمبوديا ، فيتنام ، زامبيا وفي الصين ومدغشقر ونيبال .
إن المظاهر الإحتفالية قد عمت الكثير من الدول ، فلقد خرجت في استراليا مثلاً في هذه السنة مظاهرات في عدة مدن للمطالبة بالمساواة بالأجور خاصة للعاملات في دور الحضانة ، وإنطلقت أيضاً في لبنان مظاهرات نسائية للمطالبة بالحقوق السياسية والإجتماعية ، وفي الصين يعتبر يوم ٨ / آذار يوم إجازة رسمية للنساء ، أما في اليابان إنطلقت بعض المظاهرات النسائية التي تطالب بالمساواة في الإجور ، أما في آيسلندا فلقد قامت هذه الدولة بإجبار الشركات على دفع إجور متساوية للعمال بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الجنسية ، وفي الهند حيث ترتفع معدلات العنف وحالات الإغتصاب شاركت ٣٠ منظمة نسائية في الدعوة لإنتزاع الحقوق للمرأة ، وقد شهدت أندنوسيا مظاهرات لنساء يرتدين ملابس ملطخة باللون الأحمر لتوعية المجتمع بمخاطر العنف الأسري والإغتصاب .
هذه نبذة سريعة عن المظاهر النضالية للمرأة قديماً حتى الوقت الحالي .
إن أنواع من الظلم الإجتماعي والإقتصادي قد وقع على كاهل الرجل كما هو على كاهل المرأة . لكن المرأة قد عانت واقع التهميش والنظرة الدونية وهي مهمشة فكرياً ومستغلة جسدياً ، فهي تعاني من الإقصاء بسبب التطرف الديني ومن تجارة البشر وتتراكم الكثير من الجرائم الفردية والمجتمعية فوق كاهلها ، وقد تدخل هي أيضاً في حيز الجرائم الإرهابية مُرغمة أو مقتنعة بسبب التشويه الحاصل في الفكر العقائدي .
تتعرض المرأة أيضاً للعنف الأسري علاوة على العنف المجتمعي وكثيراً ما يكون المُعَنِف هو الزوج أو أحد الأقارب ، وهذه هي إحدى حلقات العنف الإجتماعي الذي يتفجر للأسباب نفسها والتي هي ما بين التخلف الإقتصادي والإجتماعي وإرتفاع نسبة الأمية بشكل عام وأمية النساء بشكل خاص . وهناك ظواهر عديدة لهذا العنف منها الإعاقة البدنية والنفسية ، المنع من العمل أو السفر ، ختان الإناث ، الزواج المبكر ، الولادات المبكرة للأمهات القاصرات ، وإرتفاع نسبة البطالة بين النساء ، فهى حسب تقرير ( الأسكوا ) والتي هي اللجنة الإقتصادية الإجتماعية التابعة للأمم المتحدة لمنطقة غرب آسيا ومن بينها ١٣ دولة عربية ، أن في ٢٠١٣ تبلغ نسبة البطالة بين النساء ٤٠٪ من مجموع العاطلين في بعض الدول العربية . فمثلاً في السعودية تنتشر البطالة بين النساء وخاصة بين حاملات الشهادة الجامعية ، وفي مصر حسب بيانات منظمة العمل الدولية تبلغ نسبة البطالة بين النساء أربعة أضعاف البطالة بين الرجال ، وتتراوح أسباب البطالة ما بين الأسباب الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والنزاعات والحروب .
تبلغ نسبة الأمية بين النساء البالغات في الدول العربية حوالي ٣٦،٥٪ في ٢٠٠٩ ، بينما تبلغ أمية الذكور ٢٧،٣٪ ، وفي دولة مثل اليمن تبلغ نسبة أمية النساء فيها ٦٥٪ .
إن العنف الأسري يحاصر تطور المرأة في الدول العربية ، وتشير بعض الإحصائيات إلى أن ٥٢٪ من الفلسطينيات يعانين من العنف الأسري ، و٤٧٪ من الأردنيات ، ٣٠٪ من الأمريكيات ، و ٩٥٪ من ضحايا العنف في فرنسا هم من النساء ، و ٨ من ١٠ من ضحايا العنف في الهند هم من النساء .
إن مشكلة الأمية والبطالة والعنف الأسري هي من أقسى الكوارث الإجتماعية التي تصيب المرأة والتي منعتها لأجيال كثيرة من التطور الذي تطمح به الكثير من الرائدات في مجالات الثقافة والفنون والأدب رغم بروز العديد من النماذج المتفوقة والطموحة من رائدات الثقافة العربية ، إلا أنهن لم يكنَ قاعدة بل إستثناء .
إن المشاركات السياسية للمرأة في العالم والعالم العربي ليست بمستوى الطموح ، فقد ظهرت أول وزيرة في العراق في نهاية الخمسينات ، ويتواجد الآن في العراق نساء يشغلن مناصب وزارية وبرلمانية ، لكنها لا توازي المشاركات الذكورية في العملية السياسية ، فحسب تقارير الإتحاد البرلماني العالمي أن النساء يشكلن في العالم العربي ١٧٪ من أعضاء المجالس النيابية ولا تزال المشاركة ضعيفة في برلمانات العالم ، حيث يشكلن ٢٣٪ من البرلمانيين ، وكدليل على إستلاب المرأة وإعاقة إستحصالها لحقوقها لم تستطع البلغارية ( إيرينا بوكوفا ) أن تنجح في الفوز بمنصب الأمين العام للأمم المتحدة ، وهي منذ ٢٠٠٩ تشغل منصب رئيس منظمة ( اليونيسكو ) ، كما ترشحت رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة ( هيلين كلارك ) ولم تستطع الفوز بهذا المنصب . وقد ترشح أيضاً أخريات لم يستطعن منافسة الرجال .
ساهمت المرأة العربية في ثورات الربيع العربي وخاصة في المظاهرات والإعتصامات لكنها لم تجني ثمار نضالها بعد ، لقد حددت منظمة الأمم المتحدة عام ٢٠٣٠ عاماً لمناصفة كوكب الأرض ما بين الجنسين وهي مهمة تبدو صعبة للغاية وتحتاج إلى الكثير من الجهود للقضاء على أنواع من الإستغلال والتمييز والعنف . ومن الملاحظ أن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية قد تراجعت في العقدين الماضيين وأصبحت في المركز ٥٢ عالمياً فيما يخص تمثيل المرأة في الحكومة ، فكيف بنا نحن دول العالم الثالث أو ما يسمى بالدول النامية .
سألقي الضوء هنا على بعض أحوال المرأة العربية الحالية .
يقول مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ( كيفن كندي ) بأن هناك ٧ ملايين إمرأة سورية متضررة من النزاع والحرب في سوريا يقمن بإعالة أسرهن لكنهن يتعرضن للعنف ويحتجن للمساعدة ، أما الناشطة السعودية الدكتورة ( هيفاء الحبالي ) فتقول نحن نطالب بقوانين لمكافحة التحرش بألمرأة والطفل والحصول على الحق في قيادة السيارة والسفر بدون إذن الزوج ، وترى هذه الناشطة بأن ( الولاية ) هي القدرة على الإنفاق ، وتضيف كيف لي وأنا إمرأة عاملة وأنفق على بيتي أن يكون ولي أمري إبني المراهق . أما الناشطة المصرية ( سحر الموجي ) فتقول إن مشكلة المرأة لا تنفصل عن مشكلة الرجل الذي يعاني من غياب الحريات والقمع والصعوبات الإقتصادية . أما الناشطة السورية الكندية ( عفراء جلبي ) فتقول أن الأزمة السورية جعلت المرأة عرضة للإختفاء القسري والقتل والتهجير ، وتضيف لا يزال الوعي الفكري والديني والثقافي في المنطقة ضحلاً لا يتغير وأن التوجه الإقصائي نحو المرأة لا زال موجوداً .
أما في العراق فتؤكد الناشطة النسوية ( هناء أدور ) سكرتيرة جمعية الأمل على أن إزدياد حالات الطلاق في العراق والتي أصبحت منذ ٢٠٠٣ إلى ٢٠١٦ ( ٦٢٥ ) ألف حالة طلاق يعود سببها إلى فقدان الإستقلال الإقتصادي والإجتماعي ، وأضافت بأن نظرة المجتمع إلى المطلقات هي نظرة دونية . وصرحت أستاذة علم الإجتماع الدكتورة ( فوزية العطية ) إن الثمن الذي تدفعه المرأة يتضاعف بإنتشار القانون العشائري في المحافظات على حساب المدنية . وأضافت العطية من أهم أسباب إنتشار الطلاق هو الزواج المبكر مع الأوضاع الإقتصادية المتردية ، فيقوم الأهالي بتزويج بناتهم للتخلص من أعباء المعيشة ، وليس للطرفين وعي بمسؤولية الزواج . وتلعب أيضاً وسائل الإتصال الإجتماعي دوراً في بث الأُفكار غير المنطقية عن الزواج ، ومن الممكن أن تسبب رسالة على الهاتف أو على وسائل التواصل الإجتماعي الطلاق أو القتل . ويبدو أن ٧٠٪ من دعاوى الطلاق ترفعها المرأة . وقد توافق المحاكم على الطلاق في حالات العنف العائلي أو محكومية الزوج أو إنضمامه إلى الحركات الإرهابية . وتؤكد الأستاذة ( أدور ) على أن العنف الإجتماعي قد بدأ منذ السبعينات . وأجمعت أدور والعطية على أن مقياس تطور أي مجتمع هو دور المرأة فيه والقوانين التي تحمي حقوقها ، لكن غياب سلطة القانون يفسح المجال لسلطة العشيرة ومدعي الدين .
إن مشاكل المرأة العراقية قد أصبحت متسعة بإتساع رقعة العراق ، ففي الجنوب تنتشر الأمراض الإجتماعية وتسود المشاكل الإقتصادية التي تجعل العائلة العراقية تدور في دائرة الفقر والأمراض الإجتماعية والبيئية ، ويلعب التصحر والتغير في المناخ في خلق بيئة غير صحية للأم والطفل ، أما في الوسط الذي إستقبل الآلاف من المهجرات تنتشر ظواهر التسول والجريمة والإحتيال والنصب ، ويبحث الكثير من هؤلاء المهجرات عن العمل الشريف فلا يجدن أمامهن سوى التسول أو الخدمة في البيوت . أما شمال العراق حيث تستعر مشكلة النازحات من مدينة الموصل والرمادي واللاجئات والسبايا اللواتي تمتلأ الملاجيء بهن وبأطفالهن ويتعرض الكثير منهن للعنف وللأمراض الجسدية والنفسية ، وهناك حالات كثيرة من النساء وصلن إلى مصاف الجنون أو الإنتحار ، وقد عانى الكثير من العراقيات مسلمات ومسيحيات وأيزيديات وصابئيات من حالات الإعتداء الجسدي والجنسي من قوى الإرهاب والإرهابيين ، وأصبح البعض منهن سبايا تحت سقف داعش ، وباعهن البعض إلى البعض الآخر بثمن بخس . ولم تسلم المرأة العراقية بكل أديانها وطوائفها من قبضة الإرهاب .
أخيراً إن القمع الذكوري للمرأة هو ظاهرة عالمية ، وتساهم المرأة نفسها أحياناً بترويج هذه الظاهرة ، وأعجبني ما قالته النائبة الكردية ( ريزان مصطفى ) وهي عضوة لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية ( إن المرأة العراقية تواجه تحديات أمنية ومشاكل وعراقيل تمنع تقدمها السياسي ) . وقالت أيضاً الدكتورة ( جمان هردي ) وهي باحثة في قضايا المرأة ورئيسة قسم اللغة الإنكليزية في الجامعة الأمريكية في السليمانية ( إن المرأة تتبنى رؤية قامعها وتتحول إلى وكيلة للنظام الأبوي وتقوم بضبط النساء الأخريات ليطعن النظام العام . سنعمل لفضح الظلم المخفي في اللغة والعلاقات والأعراف المجتمعية ) .
إن المرأة العربية ليست ملاحقة برأيي من قبل الرجل ، لكنها ملاحقة من قبل النظام الإجتماعي السياسي العربي ، وهو نفسه من يلاحق الرجل والمرأة وكلاهما سواء ، فأما أن ينصهروا في بوتقته أو يطوفوا على السطح ناجين بأنفسهم .
إن الطريق الذي مرت به المرأة العربية كان طويلاً ، ومنذ بداية القرن العشرين ظهرت رائدات في جميع المجالات ، وظهرت جمعيات نسائية خيرية ثم إتحادات نسائية ديمقراطية ولمعت أسماء مختلفة في دول عربية مثل لبنان مصر العراق الجزائر مثل مي زيادة وهدى شعراوي في مجالات الأدب والسياسة ، وبولينا حسون في مجال الصحافة النسائية في العراق ، ومناضلات مثل جميلة بوحيرد . ثم لمعت بعدها بسنوات في مجالات الأدب والعلوم والتكنولوجيا والفنون ، نساء بارزات في مجال الأدب مثل نازك الملائكة وإنعام كجي ولميعة عباس عمارة وأحلام مستغانمي ، أما في مجالات الإبداع العلمي فقد برزت المعمارية العراقية ( زها حديد ) والفيزياوية المغربية الدكتورة كوثر حفيظي التي ترأس أكبر مختبر فيزياوي في أمريكا ، وفي مجال الفنون برزن مبدعات مثل المخرجة الدكتورة خيرية المنصور والتشكيلية عفيفة لعيبي . هؤلاء النسوة سطعن في سماء المجتمع العربي رغم كل التحديات المجتمعية ، ولا زال الأمل في ولادة المزيد منهن من رحم الأم العربية المعطاءة .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. جيني اسبر واعترافات لاول مرة
.. عاجل | مظاهرات وأحكام عرفية وإغلاق مبنى البرلمان في كوريا ال
.. فضائح جديدة تلاحق تسلا ومالكها إيلون ماسك.. ما القصة؟
.. قراءة عسكرية.. كمين للقسام في رفح وتقدم للمعارضة السورية تجا
.. سياق | هل انتهى النفوذ الفرنسي في إفريقيا؟