الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الصيدلة وشرف المهنة

راجي مهدي

2017 / 3 / 22
الطب , والعلوم


عن الصيدلة و شرف المهنة

هل بقي لمهنة الصيدلي شرف يمكن للصيادلة أن يدافعوا عنه ؟ ليس هذا المقال جلدا للذات ، أنا أحد هؤلاء الذين لم يرم بهم مكتب التنسيق إلي كلية الصيدلة ، بل اخترت منذ الثانوية العامة أن اكون صيدليا . الصيدلي أحد الحلقات الأساسية في منظومة الخدمة الصحية ، لكن ، والحق يقال ، لم تترك الرأسمالية المصرية أي خدمة صحية من أي نوع . لا داعي لسرد مساوئ ، خطايا المنظومة التي لم تعد تقبل بأقل من النسف و إعادة التأسيس من جديد . دعونا نتحدث عن الصيادلة بالأساس . الصيدلي ، هو المختص بالدواء ، تركيبه ، حركيته وديناميكيته ، أشكاله ، باختصار ، الصيدلي يدرس الدواء في علاقته بالمرض والجسد ، تعريف نظري بحت . لكن عمليا ، تحول الصيدلي وتم إخضاعه لشروط النظام ، للسوق . أصبح الدواء يخضع لكل ما تخضع له سلعة استهلاكية عادية . شركات الدواء في مصر لا توظف صيادلة للبحث العلمي ، فمصر لا تخترع أدوية ، مصر تستورد كل ما تنتجه منظومة الدواء العالمية ، الداء والدواء . فلم يعد خافيا علي أحد أن إحتكارات الدواء الغربية تخلق الأمراض معمليا كي تخلق طلبا عالميا علي الدواء . و تقوم الشركات في مصر بتعبئة المادة الخام ، المستوردة ، مع بعض الاضافات الملائمة للشكل الصيدلي المطلوب ، هذا هو الانتاج الدوائي في مصر . انه نمط يضع مصر تحت رحمة ضواري الدواء العالميين ، و يضع المواطن المصري تحت رحمة حيتان سوق الدواء المصري . ان شركات الدواء في مصر لا يوجد لديها اقسام للبحث العلمي ، و تتضاءل مهام الصيدلي المتصلة مباشرة بكيمياء الدواء بينما يتعاظم دوره كمسوق وبائع ، ك (تاجر دواء ) . قطعان من مناديب الدعاية يجوبون شوارع البلد ، يمثلون شتي الشركات ، يعرضون ما لديهم من ( بضاعة ) ، و ما لديهم من عروض للأطباء ، والتي في مقابلها سوف يوصي الطبيب بالدواء الفلاني في روشتته . و الصيدلي في صيدليته يلهث وراء الخصومات ، يسيل لعابه علي ( البوانص ) ، لا يجد غضاضة في انه وكيل لشركات الدواء في نهب المواطنين .
هل بقي لمهنة الصيدلي شرف ؟ لا . قولا واحدا ، لا . انظروا الي الأرياف ، من المعتاد الا يتواجد صيدلي في الصيدلية . جحافل من الدخلاء علي المهنة ، لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بالدواء ، لكن منذ أن تحول الدواء الي سلعة استهلاكية كالشيبسي و الكوكاكولا ، أصبحت الصيدليات بؤرا للارتزاق . مثلها كمثل سلاسل البقالة ، الفارق هو نوعية السلع المعروضة .
انني أتحدث هنا عن مهنة ، عن قطاع ، يمس بشكل مباشر سلاسل التبعية التي كبلنا بها الإستعمار . ففي حال توافر ارادة وطنية للتحرر سوف يشهد قطاع الدواء معركة دموية لا رحمة فيها . اذا ما قررت مصر الانعتاق ، سوف تدفع ثمن ارتباطها الطويل ، خضوعها الذليل لمراكز الرأسمال العالمي . سوف يمنعون عنا المواد الخام ، خاصة تلك المتعلقة بأدوية أمراض كالسكر ، وأمراض الأوعية الدموية و القلب . سوف يقتلوننا مرضا . ان استعادة الصيدلة لشرفها ، هو جزء أساسي في طموحاتنا التحررية . كل عمالقة صناعة الدواء في مصر ، ما هم الا وكلاء لضواري صناعة الدواء العالمية . بالطبع ، هذا هو الحال في كل القطاعات . لكننا نتكلم فيما يخص قطاعا حيويا يمس بشكل مباشر و يومي ، حياة عشرات الملايين من المصريين .
هل هي حلقة مفرغة لا فكاك منها ؟ لا . ان استيلاء الكمبرادور علي الدولة ، تفكيك ارادتها عن طريق تفكيك قواعدها الانتاجية ، كان العامل الحاسم . و أصبحت شركات الدواء الخاصة هي حلقة الارتباط ، انبوب النهب الذي لا يتوقف ، الذي يصب في بحر الرأسمال العالمي . كل زيادة في سعر الدواء يتحملها المريض ، يستفيد منها بشكل مباشر عمالقة الدواء في مصر ، لكنها في التحليل الأخير تراكما في صالح العمالقة العالميين . الرأسمالية المصرية في خلال عشرات الاعوام من النهب لم تحدث تراكما ينقلها نقلة نوعية ، فالتراكم لا يتم هنا بل في المركز . و عليه فإن القول الفصل هو تأميم قطاع الدواء ، و هو ما لن تقوم به دولة تعمل في صالح أصحاب الأموال ، بل دولة تنحاز للفقراء . بتأميم شركات الدواء ودمجها ، سوف تحقق الدولة سيطرة علي انفلات أسعار الدواء ، سيطرة علي الموارد التي يهدرها التنافس بين الشركات في انتاج نفس المادة الخام . استيلاء الدولة علي قطاع الدواء ستواجهه مقاومة الشركات العالمية ، لكن تجربة كتجربة جنوب افريقيا في مواجهة اتفاقية التريبس الخاصة باحتكار براءات الإختراع ، حين حاولت انتاج أدوية لعلاج الايدز اثر تفشيه ، تلك التجربة تعطينا مثالا لآلية مواجهة الحرب الضروس . هناك في العالم يوجد من هم مستعدون لإعطائنا خبرات انتاج المادة الخام ، دول كالهند والبرازيل ، الصين و روسيا ، تلك دول يهمها مصارعة الغرب لمصالح نموها . بالطبع هذا حل مؤقت لمواجهة الإختناق الذي قد يصيب قطاعنا الدوائي ، لكن الحل الجذري هو أن تتحول مصر الي دولة مارقة ، تنتج المواد الخام رغما عن محتكريها . هذا الانتاج لا يمكن أن يقوم به سوي الصيادلة . ان ظروفا كهذه تستلزم تطوير امكانيات البحث العلمي في مصر ، البحث العلمي الدوائي في الجامعات ، وهو ما يستلزم بالتالي تغيير طرق الدراسة في كليات الصيدلة في مصر .
لقد أصبح الصيادلة في غالبيتهم ، يتخرجون من الكلية و الاولوية بالنسبة لهم الالتحاق بجيش مناديب الدعاية . قليلون من يفكرون في الارتباط بالانتاج الدوائي ، لا بالتسويق . و تبدلت الصورة الاجتماعية للصيدلي من عضو ذا شأن في المجتمع الي عضو يتاجر بصحة الناس . وليس متوقعا ان يستقبل الصيادلة الإجراءات السابقة بالترحاب ، خاصة في حالة قيام الدولة يتأميم الصيدليات الخاصة . ولكن علي كل صيدلي أن يدرك أن تغيير المسمي الوظيفي الي ( طبيب صيدلي ) لن يعيد للمهنة شرفها . لأن شرف المهنة مرغته شركات الأدوية الخاصة في وحل الأرباح و لعبة الدعاية. كيف تسوق دواءا أنت تعلم انه ليس فعالا بما يكفي . أو لا تعلم إذا كان آمنا او لا ؟ ان استعادة شرف المهنة يكمن بالأساس في أن تكون معركتنا هي تقديم دواء آمن للمصريين ، دواء فعال و رخيص ، عتق الناس من تلك الزيادات البشعة في الاسعار ، تلك الزيادات التي لا دافع وراءها ولا مبرر سوي جشع اصحاب الشركات ، فك ارتباط سوق الدواء المصري بالاحتكارات العالمية ، القتال من أجل انتاج موادنا الخام . هكذا يمكننا أن نستعيد شرف الصيدلة ، أن نكون الحماة الحقيقيين لصحة المواطن . أن ننزه مهنتنا عن الارتزاق و المساهمة في نهب الناس . أن تتمايز نقابة الصيادلة ، وتقود المعركة ضد الوضع المزري في قطاع الدواء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معاناة شاب جزائري تتحول للفتة إنسانية تجمع مشاهير ومؤثري موا


.. صور الأقمار الصناعية بقاعدة أصفهان لا تظهر حفرا ناجمة عن الا




.. بظل شح المساعدات.. مبادرة لتوفير مياه الشرب في رفح


.. تعمير - خالد محمود يوضح كيف سيتم الربط بين المنطقة الصناعية




.. غارة إسرائيلية في محيط منطقة الصناعية بمدينة غزة تخلف شهداء