الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وليمة السيّاط :

محمد صالح عويّد

2017 / 3 / 23
الادب والفن


وليمةُ السياطِ
محمدصالح عويد·22 مارس، 2017
أكتبُ حين تُذريني الريّح
كحبّةِ رملٍ مصقولة ، ويسحلني من كُثيّبٍ كسولٍ ، لأعلق باشواكِ شُجيرةٍ تتدعبلُ بلا هُدى أ أتقلّبُ مع أشواكها دون مقاومةٍ حتى يطعننا صُدفةً كُثيبٌ طفلٌ فنلتصقُ بهِ ونصيرُ : الأشواك وأنا جزءً منهُ حتى الريّح الترددة ، المتأخرة ، تحضر لاحقاً .
الطريقُ يصعدُ بالمُقيّلين في ظلال الأودية ، فيما يهبطُ بنا مع الطامحين نحو ذُرى الأشواك .
عالمين من خروجٍ
أكتبُ قبل أن تتخثّر كلماتي فتميل للسوادِ مع الحبر المُدلّى ، فيتبدّى للعيانِ خارطةَ طريقٍ توصل لكنزِ الضياعِ ، ليس من السهل الوصولِ إليهِ دونَ رغبةٍ حقيقيّةٍ جارفة ، فليس من المُفترضِ أن تكون الرحلات تأخذُ الجميعِ نحو السعادةِ المُثلى ، والجزيرة الأشهى
نحنُ اليوم محكومون بدستور المقابرِ غير المُقترع عليهِ ، ونعيش تفاصيل طقوسَ الدفنِ ، ونتعطّن في شعائر الجنازات هلعاً قبل الوصول .
لا يُنصتُ إلينا سوى الحجارة ، وينهال الترابُ ولهاً كلما استمع لأنين اللهفةِ بوضع حدٍّ لمهزلة عبثيّةِ الوجود ، يساعدنا الترابُ على إطفاءِ جذوةِ الألمِ والتمرّدِ والتشظّي ، حينها تكون شظايانا المُبعثرة بلا ريبٍ تخضع للقوانين اليابسة التي تمّ تجفيفها كجلودِ ثيرانٍ هائجة قديمة تحت شمسِ الإحتواءِ ، والتلقينِ المُحكمِ لضرورات البقاء بجوار المعالفِ داخل إصطبلاتِ دافئةِ بأجيج الذلّ .
لن أستطيعَ أن أحشو في رأسِ أحدٍ ما كلمةً ما لم أقرع نوافذ الوجعِ والهمِّ بمطرِ الإهتمامِ ليسيل بقطراتِ الألم المخنوقِ على زجاجِ صدورنا القاحلة .
نغرقُ بلُجّةِ الموتِ كلّما انحنينا لنتطلّع نحو اقدامنا ، ونتوقف عن التفكير في تأمّلٍ أبدي حول أيامنا الآفلة ، ونحن دائماً مُطأطئون نحو أقدامنا الحافية البائسة !
كأنّ الحياة والموتَ صنوان ، كلّاً مِنّا يحمل في جسدهِ توأميهما ، صنوانِ وندّانِ يتنازعانِ البقاءِ والرحيل ، في همسٍ لا يكادُ يسمعهُ سوانا ، إنّهُ الوهمُ :
وهمُ الخلودِ ، ووهم العودةِ من جديد ، وهمُ استرجاعِ الفُرصِ الضائعةِ ، وهمُ جذبِ العمر المُتلاشي من أرواحنا وأجسادنا ، وهمُ الإمساكِ بكل التفاصيل الفالتةِ ، من تلابيبها وتطويعها بتشكيلٍ طينيٍ جديد لننال منها ما فقدناهُ بحرمانٍ أو بغباءٍ مُدقِعْ .
دوّامة الوهمِ حين تبتلعنا دون انتباهٍ وحذر ، دون المصالحة مع الذات والمحيطِ ، والواقعِ ، والجسدِ ، يُصبحُ الإستسلامُ لها مُكلِفاً ومدمِّراً ، يقذفنا لاحقاً خارج اسوارِ الحياةِ ككيس قمامةٍ ، ويُفقِدنا الإحساس بكرامة الوجود الإنساني ومعانيه الساميّة .
في كلِّ آنٍ تجتاحني فوضى مُباغتة ، لا نعلم من اين تهبُ كرياحٍ شماليّة ك تُجمِّدُ الذاكرة لتتحول لحبّةِ عدسٍ سمراء لا فرق بين الأمس والغدِ ، وتصادرُ الحياديّة الناضجة ، وتُثيرُ ضباب الوهمِ الخلّابِ اللذيذِ النديّ ، فيبدأ التيّه ....
يتكثّفُ الضياع أكثر حين يهبطُ ليل البصيرة ، نشعرُ كأننا في رؤيا نبي حالمٍ ، فتنتفخُ - الأنا - ويتعاظمُ العبثُ ، ونسرح في كوننا وقعنا في حضنِ ليالي الف ليلةٍ وليلة ، والفوانيس السج=حرية مبعثرةً حولنا وما علينا سوى أن نطلب من مردةِ الوهمِ ما نشاء بلا حدود .
لا فرقَ أبداً ، لأننا سوف ننسى في معمعة العبثِ الزائفِ أوان الوصول ، ونبقى نُحدِّقُ بعيونٍ زائغة في هبوبِ أنسامِ النشوةِ دون أن نشعر بها أن نمسكَ شيئاً محسوساً من تفاصيلها المنشودة .
حين تتهافتُ العتمةِ ، حين يزدادُ لهاث الليلِ في هزيعهُ الأخير ، ويُفعِمُ البردُ وتنقضُ على أعناقنا أنيابُ الوحشةِ ، يتكاثفُ ضباب الوهمِ فيهطلُ صباحاً المطرَ وتنقشعُ الرؤية ، وينحسرُ العبثُ فيما نحنُ تصفعنا سياطُ الواقعِ والحقيقة ، وتُسمِّرنا الدهشةُ والخيبة بمسامير السذاجةِ والندم .
نُصبِحُ عُراةً مام كل ما هو مرئي ، كشجرةِ صبّارٍ مُشرعةً بأشواكٍ عارمةِ الرغبةِ بالسملِ والخرزِ .
الكثيرين لا يعلموا ، ربما لا يعترفوا بأن الإنسان وحيداً هو كائنٌ نكِرة ، هشّ ، كذبابةِ عابرة ، وربما الكثير لم ينتبه ، أو يتعمّد الولوجَ في عتمةِ الكارثةِ بعينين مفتوحتين ليُثبتَ دقّةِ هذه النظرية - الرؤية بآخر المطاف
ولكن من يُخضِع روحهُ ، وضميرهُ لجلدِ سياطِ الحقيقةِ والواقع والتأمل الحيادي ، المُرّة والمؤلمة مُبكِّراً سوف يعي إنّ الإجتماع هو من يمنحنا معنى الوجود ورُقي الحضور الخلّاق .
إنَّ الإحساس بالوجودِ ، المصيرِ ، والفرصةِ ، والعمرِ الذي ينبثقُ من رحمِ الصرخةِ الأولى ، يسقطُ فوق اجسادنا الغضّة حينذاك ، كأنهُ قفص سماوي مُفعم بالدقّةِ والصنعةِ المُحكمةِ ولا يمكن للكثيرين إيجادَ مخرجٍ نهائي منهُ ، فالكارثةُ في الإستلابِ الذي نوهم أنفسنا بهِ حين نستسلم دون إرادةٍ أو نتيجة ضغوطٍ وضعفٍ غير مُكتمل الوعي ، بأننا قادرون على تحقيق ما يجب ، وإثباتِ مصداقيّةِ الوجودِ والقدرة على الفعل ، ولكن نكتشفُ بعد رحلة ضياعٍ بإتجاهٍ واحدٍ ، وفقدانِ كل شيء ، بأننا استسلمنا لوهمٍ بالغ العبثيّة .
فيما قِلّة تستطيع أن تنجو بأرواحها ، وتتحول لمراكب نجاةٍ ، وقِلّة يؤمنون بهم فيلتحقوا بقافلةِ الناجينَ حين يتشبّثون بقشّةِ التأمل والتدقيق والمراجعة ، للإنعتاقِ من الغرائزِ والإفلاتِ من سذاجة الإنقيادِ الأهطلِ .
تُصبِحُ الروحُ غيمةٌ ، والجسدُ فراشةٌ ، يتناولان بيُسرٍ روح الوجودِ والكثير من أسرارِ الله .
الكارثة حين نبدأُ بالتسرّبِ عبر إستحضارِ أحلامِ اليقظةِ عبر بريقٍ خاطفٍ ناتجٍ عن تصادمِ غيمتي الوهمِ ، والأنا النرجسيّةِ !
ربما هو بابُ زنزانة أبدية ، ولكن المفتاح في تجلّي وهطولِ غيثِ الخلاصِ الإنساني ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب


.. كلمة أخيرة - صدقي صخر: أول مرة وقفت قدام كاميرا سنة 2002 مع




.. كلمة أخيرة - مسلسل ريفو كان نقلة كبيرة في حياة صدقي صخر.. ال


.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية




.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!