الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هو وهي والquiproquo الازلي

رويدة سالم

2017 / 3 / 23
الادب والفن


مسرحية من فصلين
المشهد الأول
تقف امرأة في عتبة البوابة البلورية للشرفة وتنظر إلى السماء. خلفها يظهر طيف رجل جالس إلى مكتب ممسكا قلما ويبدو انه يكتب.
هي: احلم بأنه قد نبت لي جناحان رهيفان. افردهما واحلّق عاليا. أعانق الطيور وابلغ الأنجم.
هو: يعجبني تحليقك في العوالم التي تصنعينها في نصوصك الأدبية. من الجميل أن نخلق عوالم سحرية تشد القاريء. تمنحه أملا في إمكان تحقق الأحلام الأشد جنوحا.
هي: لكم أريد أن أذوب فيك وينير حبنا العالم فيتحول إلى حدائق غَنّاء تسيل بين أشجارها انهار صغيرة مياهها فردوسية.
هو: اندماج الكاتب مع شخوص نصه يصنع عالما سحريا ويجعل الأثر الأدبي عملاً إبداعيا مميزاً.
هي: هل تشعر بالأثر الذي تتركه كلماتك العذبة في نفسي؟ إنها تُنشيني وتمنحني آمالا لا محدودة لغدٍ أجمل.
هو: يجب أن تظل الآمال راسخة فينا مهما يكن حجم الآلام التي تعرقل سيرنا نحو غدنا المنتظر.
هي: عالمنا غبي والناس من حولنا شوّهتهم الذكورة جداً. هل ستنتهي الآلام يوما؟ اشتاق إلى ابني. أراه كلما مَنّ أبوه عليّ بذلك لكن اللقاء المسروق لا يكفي لآخذه في حضني كلما هزني الشوق إليه.أتأقلم مع هذا الوضع لكنه يترك في نفسي شروخاً.
هو: الإنسان هو من يصنع أقداره. إنها خياراتك ونتائجها. عالمنا، بالنهاية، هو ما صنعته أيدينا.
هي: عالمنا هو ما صنعه ماضٍ لا يمضي. حاضر مشوّه ومستقبل موءود. تنخرط فيهم الأنثى في المارش (la marche) الجنائزي الذكوري للعبودية والتهميش.
هو: خيالك خصب. لكم أحببت صور الأنثى في نصوصك. أتعلمين أن نقطة ضعفي هي الجمال والنساء؟
هي: هل هناك فرق بين الجمال والنساء؟ الجمال قيمة نسبية. كل النساء جميلات حتى وان لم تمنحهن الطبيعة التناسق المعتاد في التقييمات البشرية للحسن.
هو: كل ما فيك يروق لي. جمال تقاسيم جسدك ونور جبينك وشفافية روحك.

يبدو طيف الرجل أكثر وضوحا لكن لا تبين معالم وجهه. يخفت النور المسلط على المرأة. يضيع وجهها في العتمة ويظل جسدها مضاء عند منطقة النهدين والخصر. يضع القلم جانبا ثم يرفع الأوراق ويتصفحها. يعيد ترتيبها ثم يضعها، أمامه، على المكتب. يمسك القلم ويضعه بين شفتيه. يحك رأسه كمن تذكَّر شيئاً ثم يستطرد قائلا:
هو: هل عرفت النشوة يوما مع رجل غيري؟
هي: أحببتُ رجالاً كُثر. منحهم خيالي وجودا مفارقا. عشت معهم أحلى قصص العشق. عانقت كلماتهم وتماهيتُ مع شخوص رواياتهم ورأيتُني في كل الإناث اللاتي تدرجن في المتون. كنت المعشوقة والمرفأ والملعونة والشريدة.
هو: لم تجيبيني. هل بلغتِ النشوة مع رجل غيري؟
هي: هل تعرف مدى النشوة التي تمنحها بعض النصوص؟
هو: هل جربت الجنس التخيلي؟
هي: اعرف الزمن التخيلي. هل تعلم انه ليس وهماً بل هو محور عمودي على الزمن الواقعي؟ أنه يساعد في فهم وجود الكون. حياتي كانت دوما سلسلة من الأزمنة المتخيلة. صورا بعيدة نوعاً ما عن الواقع المعتاد لكنها تتقاطع معه مانحة أحلامي بعض الواقعية.
هو: أنت لا تفقهين كلامي أم أنك تبرعين في التمثيل لإخفاء أسرار تخشين أن تخدش الصورة التي رسمتها لك في خيالي؟
هي: أُحبك جداً. الحب بالنسبة لي قصيدة شعرية يؤلفها إثنان في أن واحد. صدرها سكنهما وقافيتها مهدهما. البياض بين كلماتها حميميتهما وموسيقاها آهات تماهيهما الجميل.
هو: لا يكتمل الحب إلا بحميمية تخدر الجسد وتجعل الروح محلّقة. لا وجود لحب عذري إلّا في خيال الشعراء ومخطوطات الأدب القديم. تعالي واجلسي هنا بجواري. إني لأريدك.
هي:...
هو: تعالي. هل تعين ما أقول؟
هي: هل تعي ما أقول؟

تخفت الإضاءة ويبقى طيف باهت جدا للرجل في حين تعود الإنارة لتضيء وجه المرأة التي تواصل النظر إلى السماء ويختفي جسدها كليا.

هو: العيون تقول أكثر من الكلمات. الكلمات التي تُقال تفقد معناها. انظري في عيني. تأمَّلي ملياً. ألا ترين نفسك تغتسلين، عند الفجر، في بحيرةٍ بصفاء روحك وتستمعين لنايي يعزف لك أعذب الألحان؟
هي: لماذا لا تقول إنك تحبني؟ كل العشاق يقولون كلاًما جميلاً. أنت كاتب مبدع فلماذا تلوذ بالصمت حين أستجديك كلمات حب؟ ألا توجد في رواياتك عذوبة العشاق وأنغامهم؟
هو: تعبت. أنا تعبت، حقاً.
هي: يُتعبني الصمت. تقتلني هذه المسافات التي تفصلنا.
هو: المسافات نحن من يصنعها. نحن من يضع الأبعاد الزمانية والمكانية ويبني الأسوار. مد الجسور ممكن إن نحن قررنا كسر شرنقتنا ومعانقة العالم من حولنا. إفتحي منفذاً وستجدين أن العالم كله يحتويك ويحوم حولك ويمنحك الدفء.
هي: العالم كله أنت. لا أرى في العالم رجلاً سواك. أنا أحبك بهوَس المتعطشين للحرية في أوطاننا وبجنون الشهداء المحتضرين حين يعلمون بإفلاس وَرَثة القضية وحماقة الأبرياء الذين يعيدون بعمى صناعة الطُغاة ويغرقون في وحل حياتهم اليومية.
هو: تعبت حقاً. هل أتكلم لغة لا تفهمينها. ما هذا الصمم الذي ينتابك؟ أنا فاشل معك. أفلسَ قاموس مفرداتي. كلما حاولت الاقتراب خطوة من نقطة إتفاق بيننا تبتعدين ألف خطوة وخطوة. خلاصة القضية : أنك إما تتعمدين تجاهل معنى ما أرمي إليه أو أنك مجرد وهم صنعه خيالي. شخصية جديدة لإحدى الروايات التي تريد أن تجد مساحة من نور لكني لم أجد بعد أولى الخيوط التي تقود إليها.
هي: هل تحبني كما احبك؟ أخشى أن يكون حبي مجرد وهم صنعه خيالي الجانح.
هو: أنا تعبت. لم أعد بقادر على الاستمرار. هذا ال "quiproquo"(سوء التفاهم) صار يوترني. من أنت؟

المشهد الثاني: مونولوج.
البوابة البلورية للشرفة مفتوحة على مصراعيها. الرجل إختفى وظل المكتب في مكانه وفوقه كومة من الأوراق المبعثرة. المرأة تقف وسط الغرفة وتدور حول نفسها ببطء. ثلج يتساقط في الغرفة وتلتصق نتفه بشعرها وثوبها.

هي: تسأل من أنا؟
أنا إنسان. مجرد إنسان تائه أعياه الرحيل. إنسان بحث عن مرافئ ولم يجدها. حقائبه ضاعت في بعض المطارات المنسية. سُرق جواز سفره وفقد كل أوراق الهوية.
أنا روح هائمة أفقدَها الواقع القدرة على الحلم ومنعها قطع لسانها من التواصل مع العالم أو جعله يفهمها.
أثثت عالمي بكتاب وشخوص روايات عاطفية. حين كنتُ شابة صغيرة، كنت أعود باكية إلى حجر أمي أشكوها عجزي عن النطق. كانت تلعق دمعي وتهدهدني. تضمني وتضع وجهي بين نهديها. رائحة الحليب التي لم تفارق ثوبها كانت تنشيني فتتفتح آلاف الأبواب أزهاراً ندية ويعبق الفجر مُكللاً وجه الحياة بالنور. أعود طفلة تدرج في سبل الحياة باسمة متفائلة. أنسى عجزي وأبتسم للدنيا وترفرف أجنحتي الرهيفة.
خطف الزمان التقليدي أمي لكن طيفها بقيَ دوماً حاضراً في زمني المفارق. أهرب إلى حضنه كلما أعياني زماني.
فجأة دون أن أشعر سُرق الطيف الحبيب. صار عَصيّاً مهما توسلته لا يبين. صنع البشر حواجز بين السماء والأرض فسدوا على الأطياف المنافذ كلها.
تكاثرت حواجزهم وتحوّلت إلى جدران عازلة تفصل الأخ عن أخيه والأم عن رضيعها فنسيتنا جميع آلهتهم. صارت حياتنا سلسلة من الخيبات المتواصلة ومن سوء التفاهم المستشري ومن الدم النازف في كل أوردة الأوطان.
بلادُ العُربِ أوطاني ... منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ ... إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ... ولا ديـنٌ يفـرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا ... بغـسَّانٍ وعـدنانِ
أوطان العهر أوطاني. أوطان الكرامة المسلوبة والحريات الموءودة أوطاني.
إني لألعن ضعفك أيتها الأنثى فيَّ. يا كائنا رضيَ أن يكون خاضعاً أبد الدهر لمغتصبهِ. يُحرّكه مثل عرائس من قماش فكر تمايزي عفن.
كفرتُ بكَ فاخرج من كياني واترك ما لم يُدَنَّس بعد فيه بوحل النعال، فضاء لجنون يُبعدني عن هذا السعير البشري الملتهب. تسلل الطهر والحب خلسة من النص والحياة بسببك لا لعجزي عن التعبير وعجز العالم عن استشفاف كنه نفسي.
هذا الفقد يجعلني أخيراً قادرة على التحليق في الفضاء اللامحدود لفرديتي ولحريتي التي استردها واثق أنها لن تخضع أبداً لنواميسكم.

يخفت الضوء الذي ينير الشرفة ويسلط النور على الفضاء الذي أمامها. أوراق كثيرة متناثرة يتلاعب بها الريح. المرأة وقد نبتت لها أجنحة ملونة ومضيئة تفرد ذراعيها وتسبح وسط أوراق متناثرة وفراشات كثيرة بيضاء.
تخفت الإضاءة شيئا فشيئا إلى أن تتلاشى. ترتفع ضحكة فرحة ثم يسود السكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يخزي العين عنك!
نعيم إيليا ( 2017 / 3 / 24 - 09:33 )
يجب أن نعترف كرمى لوجه الحق أن كاتبات الحوار المتمدن تفوقن في الأدب على كتاب الحوار المتمدن من الذكور، أستثني عميدنا أفنان القاسم . ما بحب يزعل
عفاك!
على فكرة نهاية قصتي قد تؤجل إلى السبت القادم، لست راضياً عنها. سأمنح ذهني فرصة للتفكير بها.
وشكراً لك على إمتاعي بفن امتلكت ناصيته


2 - لغتك يخزي العين عنها كما يقول نعيم ولكن:
أفنان القاسم ( 2017 / 3 / 24 - 13:52 )
لِمَ حضور الذهن بدلاً من الذهان؟؟؟؟!!!! لماذا كل هذا الحوار من فوق، بينما الحوار من تحت، من حياة كل يوم، مما هو عادي في حياتنا، دون ((فلسفة)) بين مثقفين يفي بالغرض الذي تريدين الوصول إليه...


3 - يا سي نعيم الف شكر على التقريض
رويدة سالم ( 2017 / 3 / 25 - 13:44 )
يعني اقتنعت يا سي نعيم ان الاحداث والشخصيات هي التي تصنع عالمها رغما عنا
هي من يقودنا الى ما لم نتوقع انه سيحدث
انها اول محاولة لكتابة المسرحية واتمنى انجح في اسر انتباهك في عمل اخر
خلص المودة والاحترام استاذي الجليل واستسمح استاذنا القدير افنان في قول كلمة استاذي لهالمرة على الاقل


4 - شكرا سي أفنان يا شقيق الروح على هالاطلالة والنقد
رويدة سالم ( 2017 / 3 / 25 - 13:49 )
يا سيدي الفاضل معك حق فالحوار يجب ان يكون مستمدا من المشاغل اليومية البسيطة
ربما كانت كل هالمسرحية مجرد تعليق عقلي (فكري لو اردنا التخصيص) على موقف وجدتني محشورة فيه مع احد المثقفين في عالم صارت فيه الثقافة وسيلة لسبي الجسد لا العقل
اليوم بعد ان فشل الانسان العربي في تحقيق اية بطولة في عالم البطولات الحقيقي صار حتى المثقفون ينحدرون الى البحث عن بطولات مشوهة
اعتقد انك تتفق معي في هذه النقطة
لهذا كان الحوار موجها
خالص المودة والاحترام استاذي القدير


5 - نعم يا عزيزتي
نعيم إيليا ( 2017 / 3 / 26 - 11:16 )
اقتنعت، إيه اقتنعت، ولو! أنت مقنعة!
ولكن أبا القاسم لم يقنعني. شنوا يعني: (لماذا كل هذا الحوار من فوق، بينما الحوار من تحت، من حياة كل يوم، مما هو عادي في حياتنا، دون ((فلسفة)) بين مثقفين يفي بالغرض الذي تريدين الوصول إليه))؟


6 - تم اختيارك ممثلة لمؤسسة قوس قزح
أفنان القاسم ( 2017 / 9 / 18 - 10:33 )
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=572460

اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع