الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عويل في جنازة شرقية

محمد علاء الدين عبد المولى

2006 / 1 / 20
الادب والفن


مدخل
ويقلّدونكَ كي ترى عنباً على راحاتهم
نهضوا بلا ذكرى فذكّرهمْ بسرّ مماتهم
واسكب خيولك في صحاراهم ليتّصل الرحيل بهم,
وغادرْهُم فكم غدروا بأحزان الرحيلْ
أمطرْ على جنّازهم سخريّةً
واعبثْ بأعيادِ الحواس المخمليّة,أو مرايا الطّهرِ,
أنت قتيلُهم فاسقط عن الأكتافِ
واكسرْ نعشكَ العربيّ فيهم
أنت جمهوريّةُ القتلى وجمهورٌ قتيلْ
دعهم على الأحجارِ
منهمكين في زرع الكواكبِ بالعويلْ
هم يضمرون نصوصَ موتاهم برؤياهم
تراهم
شغلوكَ عن عرسِ الهضابِ
وأدلجوا في ليلِ جلدك واستقرّوا في مداهم
هل أنت في مصباحهم زيتٌ يضيء لهم
كرومَ اللوزِ في شرقٍ يشلّ الشّرخُ شهوته...
يجفّ الزيتُ / يحيا الموتُ
تحيا سورةٌ من مجدِ سيرتها المباركِ تستقيلْ
تحيا الفضاءاتُ العصيّةُ
كلما مالت بها ريحٌ تميلْ

القصيدة

1
حرّ بهذا القيدِ
قيدي والدٌ شجراً يهذّبه ربيع أو خريفْ
والبذرة العذراءُ من مستنقع الأرحام تنهضُ
نرجساً مرآته ليلٌ كثيفْ
سيّرتُ أفلاكاً بأوتاد الخيامِ ربطتُها
جادلتُ رحماناً وبرهانا وعرفاناً
وأد ّيت الفروضَ لقبّةِ الأعياد والآحادِ والجلاّدِ
لكن فاجأتْني كفّ والينا تضحّي بي
وتضحك من دمي هذي الجموع الرّاكعةْ
حُمّلتُ أسفاراً فضحتُ حروفها
ورفعتُ عن قلبي حجابَ المستبدّ العادلِ
فرأيت ثَمّ رأيتُ حنجرتي مداساً للخيولْ
فجمعتُ أنقاض البيوتْ
وجلستُ فوق قبور أشلائي وكانت داخلي
أممٌ تموتْ
والشّرقُ مقبرةُ الصعود النازلِ
للشرقِ جبّته, عمامتهُ, عصاهْ
للشرقِ معصيةُ الطلوعِ من الصخور البابليّةِ: هالةً
سحريّةً تلد الحرائقَ وهي تلقي وحيها الكونيّ
في صمتِ المياهْ
وأنا أرى في ليلِه
أجراسَ " مريم " تستحمّ بمئذنات الفجرِ
أسمعُ ساهرينَ وساهراتٍ حول طعم اللوزِ
يصفو في حوارِ الناهدات مع الشفاهْ
والشرق عود النّدّ يحرقه أبي
ليعيد لي عسل الحياهْ
والشرقُ أوّاهٌ...وآهْ...
وله انفتاحُ الظَّهر للسيف الشقيقِ
له المجازُ له الحجازُ
له اكتنازُ بلاغةٍ في شاعرٍ غردٍ
حلولُ الهاتف السحريّ في جسدٍ
له الحَجّاجُ والزَّجاجُ والحلاّجُ
والضِّلِّيلُ والبهلولُ والأسطولُ
للشرقِ التّحوّل في ذرى عرفاتَ
إذ تنقض حوّاءٌ على الذّكَرِ المضيّعْ
للشرقِ قافيةٌ وشِعرٌ خالقٌ أربابَه
وله العمودُ له المخلَّعُ والمصرَّعْ
للشرق مَهْلَكَةٌ وتَهلكةٌ ومملكةٌُ مهيأةٌ
وأرواحٌ مهيّمةٌ وأرواحٌ تُصنّعْ
وأنا نزيفُ الشرقِ
بسطاميّه المجنونُ
أنصبُ خيمتي عند الإلهْ
وأقولُ سبحاني, فأُرمى بالخريفِ وبالطّغاهْ
......
لا شرقَ في جسدي
وأرحلُ دون راحلةٍ
أعِيدُ حدائيَ المكرورَ
يا إيقاعيَ المكسورَ
هذا الكونُ أقربُ من وريدك فاغتنمهُ...
لمن أغنّي؟
خسرَ المغنّي والنشيدُ, لمن أغنّي؟
أفقٌ أصمّ
نبوءتي رُجِمتْ
ومأساتي تكوّم فوق مسرحها الجرادُ
لمن أغني؟
وبأيّ طاغوتٍ سأفتتح الهجاء
وقدْ خلقتُ جلالة الطاغوت مني؟
بالنّثرِ؟ أم بالشّعرِ؟ أم بالرقصِ أم بالثرثرةْ؟
أبني ركام الروحِ
ـ هذا الجوهرَ المنفيّ من قاموسنا الآتي ـ
أسمّي أم أكنّي؟
أم أستميحُ الغيبَ عذراً إذ فضحت جنوده
يتواطؤون على ضحايا المقبرةْ؟
بدمي انسفحتُ مع القصيدة
ثم صافحت الدم المطلولَ
أقطع كل أوتاري
أزخرف هيكلي بفسيفساء المجزرةْ
لا أرض في جسدي
ونبض الرأس مكتظّ بأمواتٍ
جدار القلبِ منهدمٌ فمن هدم الجدارْ؟
أنا قبلةٌ مزجت بقنبلةٍ
تنقّبُ في دمي الظلماتُ عن لوحٍ
نقشت عليها أسماء النهارْ
أنا بضعُ مدخنةٍ على سقفٍ عجوزٍ
عشّشت فيه العناكب والغبارْ
أنا نخلةٌ ضاعت ملامح تمرها
مابين عُربٍ أو تتارْ

2
أذّنتُ قبل أذانِ فجر الأغنيةْ
في قاطفاتِ اللوزِ من جسدي
ـ ألوزٌ فيكَ؟
ـ لوزٌ داخليّ لا يُرى
لوزٌ وتفاحٌ ورقصٌ غامضٌ يعلو على عكَرِ الثرى
ولديّ من شجرِ الشفافيةِ الحدائقُ
غير أنّي لا يراني أخضرا
إلا الذي ملأته نيرانُ الصّفاء فأبصَرا
......
أذّنتُ فجر الأغنيةْ
أيقظتُ أهلَ القلبِ: حيّ على الحنينِ فما استفاقوا
فوقفتُ وحدي خلف أشلائي
وناديتُ السكونَ المرّ
وانحلّ الإزارُ عن البكاءِ
وفُكّ عن دميَ النطاقُ
وجّهتُ قلبي للذي... أو للّتي...أو للّذبن...
جميعهم وجعٌ يراقُ
سجّادتي اهترأت وأقدامي تشقّق جلدها
مرّ الزمانُ, طوى المكان ثيابه
وأنا هنا مازلتُ,
ما انكشف الفضاء
وما بلغتُ من التّنوّرِ مبلغاً
فلم اشتعلتُ وسالَ في جسدي احتراقُ؟
سجّادتي اهترأتْ
ومرّت قرب وقفتي الذّليلةِ أمّتي
كانت على عكّازةٍ تمشي
كما أنثى يوافيها الطلاقُ
ما قلتُ شيئاً, لم أقبّلها, طويتُ مصاحفي
هشّمت فخّارَ المعارفِ, خاطبتني جثتي
أغمضتُ قلبي فامتلأتُ بنورها الأبديّ
وانكسرتْ بأعماقي بلادُ الرافدينْ
وسمعت أجراس الحسينْ
تعلو وتعلن أن دجلةَ
أصبحت تحت المخيّمِ دجلتينْ
لبّيكِ يا بغدادُ...
قالت ضفّتا بردى,
فمن زرعَ السّلاسلَ في المياه
وشلّ صوت الضّفتينْ؟
حسنٌ / حسينْ
جمهورُ بابلَ شال تابوتَ الفراتِ
وقبل أن يضعوه في قبرٍ تناثر قطعتينْ
وعلت ولاويل الجموع تكاثرت وطغتْ
لتنذر أنّ ثمّ جنازةً وصلتْ
فقأتُ هواء نوري
كي لا أرى أحداً ولا بلداً يسير إلى القبورِ
لكن ولولةَ الفراتِ تكاثرت وتكاثرت...
ففتحتُ قلبي؛
كان العراقُ...
......
هذي نوافذُنا لنغلقها
مراكبنا لنحرقها
فما بعدَ العشيّةِ من دمٍ
إلا ويبلغُه الفراقُ...
*
الآن أفتحُ ما تبقّى من توابيتِ الوطنْ
هم أتخموها بالحرائقْ
لنكن إذاً بعضَ الصّدى يوماً
لنبصرَ كيف تنكسرُ الزّجاجةُ
حين يُحشر جوفَها ماءُ الزّمنْ
لنعدّ أسماء المشانقْ:
غربيّةً / شرقيّةً / أمميّةً
في الشارع اليوميّ,
أو في المرقصِ الفكريّ ما بين النخبْ
هي نسلُنا الطّاغي يتمّم وحده شجر النسبْ
أي الغواياتِ القليلةِ سوف نذكرها؟
أنبحث عن رمادٍ مطفأٍ لنصبّ فيه النارَ؟
نجعل حلمنا مهد الحطبْ؟
يا راحلين وراء هاويةٍ أفيقوا
وتنفّسوا بعض الهواءِ, ولا تضيقوا
بحديقةٍ يتخاصمُ العشاق فيها
كلّنا في اللعبةِ الكبرى لعبْ
لا تهجروا أطلال ذاكرةٍ يؤرّخها اللهبْ
يا من على أقدامهم صعدتْ جبالُ الدمْ
وعلى شفاه منامهم ينهدّ برجُ الدمْ
هاتوا صباحاً راقصاً وخذوا ظلام الدمْ
وتوقفّوا عن حشوِ أمعاء المدى بالدمْ
هل بعدُ فيكم نجمةٌ ما فاضَ فيها الدمْ
فتجمّعوا حول العظام اليابسات
تدفقوا قصباً يحنّ على القصبْ
واستسلموا للبحر في أحداقِ عشاقٍ
يذيبونَ الّلآلىءَ في قوارير العنبْ
وخذوا قليلاً من تراب الأرضِ بين أكفّكم
لنقول للآتين: كان هنا... عربْ
3
من أي صنفٍ أنتَ؟
قال الشّعر والمتشاعرونْ...
للشعرِ عندي معبدٌ لا ينحني فيه المغني, غير أني
أصغيتُ: كانت قافلاتُ الرّعبِ تشحنُ أمّتي
فبكيتُ, ثم فتحتُ باب المعبد الشّعريّ
أبصقُ في الجهاتِ
أيكون لي يا شعرُ أن أبكي على قبري؟
وداعاً للصلاةِ على بساط اللؤلؤ العالي
وداعا للصلاةِ
سأظلّ أثقب تلكم الأسوارَ
أثقبها بأظفاري, بما توحي لغاتي
فلتذهبوا يا حفنةَ الشعراء
أخسرُ كلّ هذا العالم الموبوء
كي أحظى بذاتي
......
بالنثر؟ أم بالشعر؟ بالجنّازِِ؟ أم بالجازِ؟
أنشىء خطوتي في الشرقِ؟
أُخرِجُ ربّة الإيقاعِ
أُجلسها على كرسيّ قلبي...
يا إلهةُ ليس عطريّاً دمي أو مخمليّا
حتى أصوغ من الخرابِ بلاغةً قزحيّةً
قمراً شهيّا
حولي تكدّستِ الفصولُ بعجزها وضبابها
تلقي عليّ العوسجَ البرّيّ يأكل راحتيَّ
والتينُ والزيتونُ في البلد الأمينِ يسفّه التّنّينُ
والألواحُ مُثْبَتَة على فصل السقوطِ
ولا إله سوى الذي ملأ الرئات بنادقاً
من أي كوّة مولدٍ أستلهم اللغة الهواءْ؟
لأرجّ أصنام الحدائقِ, أو أحدد شكل أزهاري
التي تنمو بأحواض الدماءْ
يا ربّة الإيقاعِ
إن كان المغني عالماً خرباً
فما جدوى الغناءْ؟














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان