الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبلات السياسيين.. بين العادات والفضائح والمصالح

محمد أبو زيد

2006 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية المصرية بقليل نشرت إحدى المجلات المصرية الحكومية صورة لأحد نواب جماعة الإخوان المسلمين والتي فازت بـ20 في المائة من مقاعد البرلمان، وهو يقبل يد مرشدها وتحت هذه الصورة عنوان «ارفع رأسك أيها النائب» واشتعلت بعد نشر هذه الصورة معركة بين رئيس تحرير المجلة الذي كتب مقالا طويلا ينتقد فيه هذا التصرف، ورد عليه أحد قيادات الجماعة بأن هذا التصرف من العادات المعروفة للتحية.
وسواء انتهت مشكلة قبلة المرشد أم لم تنته، فإن موضوع القبلات التي يتبادلها السياسيون تظل مفتوحة على الدوام للتندر، أشهر من اشتهر بالتقبيل كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والذي لم يكن يترك أحدا يراه دون أن يهجم عليه بالقبلات، حيث كان يقبل من يلقاه ثلاثا وأحيانا بقبلة إضافية على الرأس، حتى أن إحدى المجلات رسمت ذات مرة الرئيس عرفات، وهو يقف فوق برج عال، ينظر من منظار إلى أسفل ويقول لمرافقه «هناك شخص لم أقبله بعد»، وكان الرئيس كلينتون قد طلب من عرفات أن يزوره في البيت الأبيض، نادى مستشاريه وقال: مصافحة فقط وأحضان بلا قبلات، فكروا معي. وكانت النصيحة المفيدة من سفير أميركا لدى مصر في ذلك الوقت آلان كورتر. فقال للرئيس كلينتون عندما يهجم عليك عرفات ضع يدك على كتفه، واجعلها ممدودة مشدودة وفي هذه الحالة لا يستطيع أن ينال خديك. وهذا ما حدث، وكما يروي الكاتب الكبير أنيس منصور فإن عرفات قال له ذات مرة: أنت النهاردة هاجمتني بعنف.. ورغم ذلك سوف أقبلك، ويصف أنيس ذلك الموقف قائلا: حاول ولكني طبقت عليه ما يطبقه علينا الدكتور مصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشورى.. فهو يصافح من بعيد ـ أي يمد يده قبل أن تصل إليه، ويخطف يده من يدك ـ فلا قبلات.

آخر مشهد لعرفات في سفره الأخير إلى باريس للعلاج كان قبل أن يركب الطائرة، مرتديا بدلة رياضية وقبعة صوف روسية، والهزال الشديد باد عليه، لكن هزاله الشديد لم يمنعه من أن يملأ يده بالقبلات ونثرها على الفلسطينيين ومصوري وكالات الأنباء، إنها القبلات الأخيرة.

وتختلف عادات الشعوب في التحية، ويرتبط التقبيل بهذه العادات، ففي حين يكتفي الصينيون بالانحناء لبعضهم البعض نجد العالم العربي، رجالا ونساء، يشبعون بعضهم تقبيلا والتي يرى البعض أنها تعبير عن المودة، وكان البدو قديما وإلى وقت قريب يطرحون على بعضهم السلام من بعيد، ونادرا ما يتصافحون، ناهيك عن أن يقبل بعضهم بعضا، وأغلب أهل أوروبا يقولون: طاب يومك، وتختلف العادات ما بين التقبيل والمصافحة والسلام من بعيد، ورفع القبعة، ولا توجد في قواعد البروتوكول والايتيكيت العربية ما يخص هذه العادة، فكل قبيلة، أو دولة تفعل ما يعن لها، ربما لأنه لا يوجد بروتوكول من أصله.

لكن قبلات السياسيين في العالم العربي عرفت لأول مرة مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات وبيجين واللذين عندما تصافحا ، ثم تعانقا أمام عدسات المصورين صاحت جولدا مائير: إنهما لا يستحقان جائزة السلام، إنهما يستحقان جائزة الأوسكار، والتي تمنح للممثلين الرائعين، فهل كانا يمثلان على الهواء؟

لكن القبلات الأشهر كانت في المفاوضات العربية الإسرائيلية بعد مؤتمر مدريد ‏1991‏ وقامت ببطولتها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الحين،‏ كما كان عرفات هو الأوفر حظا بهذه القبلات ‏والتي تركت آثارا سلبية عليه، فبعدما وافق نهاية عام ‏1999‏ على النصائح الأميركية والأوروبية بتأجيل إعلان الدولة الفلسطينية التي كان من المفترض إعلان قيامها في الرابع من مايو (ايار) عام ‏2000‏ حسب اتفاق القاهرة لعام ‏1994‏ أدلى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح هاني الحسن بتصريح في لندن عبر فيه عن ما سماه إحساسا سائدا في العالم العربي بأن عرفات انخدع بدبلوماسية الشفايف‏.‏ وكما كان الكثيرون من الدبلوماسيين العرب يهربون من قبلة عرفات، حاول السادات الهرب من قبلة بيجين في احتفال تسليمهما جائزة نوبل للسلام والتي فازا بها مناصفة، لذا قام بإرسال رئيس وزرائه المهندس سيد مرعي لتسلم الجائزة، وجلس يتابع كيف سيهرب مرعي من قبلة بيجين، وحين جاءت اللحظة الحاسمة ولم يكد بيجين يقترب منه حتى مد سيد مرعي ذراعه على آخره، مما باعد بينهما ولم تكن هناك قبلة.

والقبلة بين الرجل والمرأة لها قواعدها‏ حيث يقبل كل صديق زوجة صديقه على الخد وهو يسلم عليها‏،‏ ويختلف عدد القبلات من بلد لآخر ففي أميركا قبلتان وفي فرنسا ثلاث،‏ وفي كثير من الدول الافريقية أربع‏،‏ ولا يجوز لشخص أن يقبل سيدة يقابلها للمرة الأولى مهما كانت درجة جمالها أو أن يقبل سيدة لها مركز اجتماعي يمنع هذا التباسط دون إذن‏،‏ كما يجب مراعاة التقاليد‏،‏ ويواجه بعض الدبلوماسيين العرب في الخارج مشكلات حين يقومون من باب التقليد بتقبيل السيدات وسرعان ما يواجهون بمأزق قيام أزواجهم بالمثل مادام الدبلوماسي العربي وافق على المبدأ‏ ونفذه وهنا يحدث أحد أمرين فإما أن تصاب الزوجة العربية بذعر يثير الانتباه أو أن يتأخر رد فعلها ثواني تكون كافية لوصول القبلة إلى الخد العربي المحافظ. وقد استغل الرئيس الأميركي جورج بوش قبلة طبعها الرئيس الفرنسي جاك شيراك على خد السيدة لورا بوش عند زيارتها باريس في يناير (كانون الثاني) ‏2004‏ خلال حملته الانتخابية لاعادة ترشيحه لولاية ثانية على خلفية الموقف الفرنسي المعارض للعدوان على العراق‏،‏ ففي جولته الانتخابية في ولاية كاليفورنيا أبدى بوش حزنه لأنه لم يلق نفس المعاملة من شيراك‏، ويبدو أن بوش أيضا ممن يثيرون العواصف بقبلاتهم، فقد أثارت قبلاته بعد فوزه بولاية ثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على وزيرتيه الجديدتين كوندوليزا رايس للخارجية ومارجريت سبيلنجز للتعليم الدهشة في الأوساط الأميركية‏، فبينما منح بوش رايس قبلتين عفيفتين على الخدين‏،‏ فقد منح مارجريت قبلتين جاءتا قرب فمها ولم يكن سبب الدهشة هو القبلات بل قيام بوش بذلك وهو الرئيس الذي طالما يشدد على نزعته الريفية الأميركية المحافظة وأداء القبلات بأسلوب أقرب إلى السلوك الأوروبي.

وفي زمن سارس وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية والانفلونزا ينصح الأطباء بالاكتفاء بالسلام باليد، فالوقاية خير من العلاج، والسلام من بعيد أفضل، لكن يبدو أن العالم يفضل القبلات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل